الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عملية درع الفرات

عملية درع الفرات

29.08.2016
إسماعيل ياشا


العرب
الاحد 28/8/2016
دخلت قوات المهام الخاصة التركية الأربعاء الماضي الأراضي السورية، لمساندة فصائل الثورة السورية في معركة تحرير مدينة جرابلس من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، قبل أن يسلمها هذا الأخير إلى ميليشيات الوحدات الكردية كما فعل في مناطق أخرى.
تركيا منذ بداية الثورة السورية تطالب بإقامة مناطق آمنة في الأراضي السورية، ولكن هذا الطلب لم يلق للأسف الشديد استجابة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، ودفع الشعب السوري ثمن هذا الموقف الدولي السلبي غاليا. ومن المتوقع أن تؤدي العملية التي أطلق عليها "درع الفرات" إلى فرض إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري كأمر واقع ومكسب لصالح الثورة.
عملية درع الفرات جاءت بعد فترة وجيزة من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة واعتقال عدد كبير من الضباط وفصلهم من الجيش التركي، لتؤكد أن الجيش التركي لم يفقد شيئا من قدراته القتالية، بل أصبح اليوم أقوى من ذي قبل، بعد أن تخلص من الجراثيم الانقلابية التي كانت تنخر في جسده. ولا شك في أن تطهير الجيش صفوفه من الانقلابيين قبيل القيام بهذه العملية العسكرية خارج حدود البلاد كان من أهم عوامل نجاحها.
ومن العوامل التي وفَّرت لتركيا فرصة للتدخل العسكري لصالح فصائل الجيش السوري الحر، إعادة أنقرة ترتيب أوراقها، وترميم علاقاتها مع موسكو، بالإضافة إلى خطوات دبلوماسية قدمتها لتمهد الطريق أمام عملية درع الفرات، وتجعل الفيتو الأميركي غير قادر على الصمود أمام الإلحاح التركي، في ظل الضوء الأخضر الروسي.
نجاح العملية قضى على أكذوبة أن ميليشيات وحدات الحماية الكردية هي القوة الوحيدة التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي، وأنها هي وحدها قادرة على دحره. وهي أكذوبة كانت تروِّجها بالتزامن مع نشر صور فتيات مقاتلات كرسالة لدغدغة مشاعر الغربيين مفادها أن عناصر تلك الميليشيات أقرب إلى قيمهم وثقافتهم، ويجب دعمها ضد الإسلاميين. وبعد تحرير مدينة جرابلس من قبل الجيش السوري الحر بمساندة قوات المهام الخاصة التركية، لم تعد هذه الأكذوبة صالحة للاستغلال في تضليل الرأي العام العالمي عموما والغربي على وجه الخصوص.
حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، كان يحلم بالسيطرة على المدن والقرى العربية والتركمانية التي تفصل بين الكنتونات الثلاثة، ليمتد نفوذه في شمال سوريا من الحدود العراقية إلى البحر الأبيض المتوسط، ويقتطع بعد ذلك هذا الشريط الحدودي من سوريا ليقيم فيه دولة مستقلة تشكل تهديدا كبيرا لأمن تركيا واستقرارها ومصالحها الاستراتيجية، إلا أن العملية أنهت هذا الحلم وأفشلت خطة تقسيم سوريا إلى دويلات.
تطهير شمال سوريا من تنظيم داعش الإرهابي وميليشيات وحدات الحماية الكردية التي ارتكبت عددا من جرائم التطهير العرقي، بالإضافة إلى الحفاظ على وحدة تراب سوريا، وإقامة منطقة آمنة، أهداف تخدم مصالح مشتركة لتركيا وفصائل الثورة السورية، وبالتالي لا غرابة في تكاتف الطرفين من أجل تحقيق هذه الأهداف.
تركيا ليست لديها أطماع في الأراضي السورية، وكل ما تسعى إليه هو تطهير حدودها من المنظمات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي. وكان المأمول أن يأتي هذا التدخل منذ فترة طويلة، إلا أنه تأخر لأسباب عديدة. ومع ذلك نقول: أن يأتي متأخرا خير من أن لا يأتي