الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندان مدينة سورية هجر النظام سكانها بالكامل بعد تدمير أبنيتها 

عندان مدينة سورية هجر النظام سكانها بالكامل بعد تدمير أبنيتها 

07.12.2020
حسام محمد



القدس العربي 
الاحد 6/12/2020 
القانون الدولي يصنف أي منطقة جغرافية بأنها منكوبة في حال تعرضها للكوارث، سواء الطبيعية منها كالزلازل أو الحرائق، أو الكوارث التي يتسبب بها السلوك البشري كالحروب. وفي حال أسقطنا هذه المعايير على الجغرافية السورية، يصعب على الباحث إحصاء المناطق المنكوبة فيها، سواء الكوارث الناتجة عن الحرب التي بدأها النظام السوري ضد الرافضين لنظام حكمه، أو تلك العائدة للنوائب التي أحدثها الإرهاب الذي ضربها، علاوة عن النكبات التي أفرزتها الاحتلالات المتعددة، والتي تهدد البلاد بالتقسيم وتمزيق جغرافيتها. 
الكوارث التي أصابت سوريا اليوم، لا تعد ولا تحصى، ابتداء من تلك التي أدت إلى مقتل مئات آلاف السوريين، والإخفاء القسري لمئات الآلاف أيضا، وتهجير الملايين، وتدمير سوريا بحاضرها وتاريخها، فيما تحمل غالبية القرارات الدولية والحقوقية، النظام، النسبة الكبرى لما انتهت إليه البلاد. 
من المحال، إحصاء البلايا التي ألمت بسورية في ملف واحد، لذلك توجهنا هنا للحديث عن عينة واحدة فقط من الواقع السوري، حيث فتحنا أبواب مدينة عندان بريف حلب الشمالي، شمال سوريا، التي لم يمض على سيطرة النظام عليها سوى تسعة أشهر، عقب عملية عسكرية واسعة في شهر شباط/فبراير من العام الحالي. 
لماذا سميت عندان؟ 
تقول بعض المصادر المطلعة على تاريخ مدينة عندان لـ “القدس العربي” إن المدينة سّميت بهذا الاسم الحديث إلى حد ما، نسبة إلى عين ماء كانت تشتهر به من جانبها الشرقي، حيث كان يطلق عليه اسم “عين دان” ثم تطور الاسم مع المراحل التاريخية حتى أصبح اسم المدينة عندان. 
ومن أبرز الشخصيات التي تنتمي لعندان الشيخ أحمد الإمام، الذي نال ثقة الأمير فيصل، وكان قياديًّا في كتائب الفدائيين ضد الفرنسيين، ومناضلاً في الكتلة الوطنية. كما انتسب لجيش الإنقاذ الذي شارك في معارك تحرير فلسطين عام 1948. 
من الفرنسيين حتى العثمانيين 
اشتهرت المدينة في السابق بالمياه العذبة الآتية من البئر التي حفرت إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا، كما أن عندان تحتوي على العديد من الآثار القديمة، والمنازل التي يعود عمر بعضها إلى 200 سنة. لعل أبرزها الجامع الكبير الذي بني على طراز الجامع الأموي في حلب، ولا يعرَف تاريخ بنائه إلا أنه يعود على الأرجح إلى أواخر العهد العثماني. وقد رمّم ووُسّع في الخمسينيات من القرن الماضي، فيما انهارت معظم أجزاء الجامع التاريخي في المدينة في عام 2017 إثر قصف الطيران الحربي الروسي بالقنابل الفراغية. وفق ما قالته مصادر بحثية لـ “القدس العربي”. 
كما يتواجد في مدينة عندان السرايا أو مبنى الناحية، الذي بني في زمن الاحتلال الفرنسي، إلا أنه أصبح أنقاضًا نتيجة الإهمال الطويل والقصف الأخير. 
العصور الرومانية حتى الإسلامية 
تتموضع المدينة على هضبة جميلة تحيط بها السهول، وعلى بعد 2 كيلومترات تبدأ سلسلة جبلية تمتد حتى لواء اسكندرون في تركيا، وهذه الجبال تحوي عدة مواقع أثرية يعود معظمها للعصور الرومانية والبيزنطية، وأشهرها ما يعرف بدير القديسة شمس وقلعة جبل سمعان ودير سمعان، وحمل الدير هذا الاسم نسبة للقديس والناسك السوري سمعان العامودي الذي ولد عام 389 م، ولجأ إلى الدير الذي كان يعرف تاريخيا بدير ثلانيسوس، حيث كان الناسك سمعان يصوم أياماً بدون طعام أو شراب ويبقى أياما واقفا مسبحا الله ومتعبدا. 
في حين تشير بعض المراجع التاريخية إلى وجود منطقة أثرية في جبل سمعان، تضم دير سمعان وكنيسة سمعان التي بنيت عام 490 م التي تعد من أروع الكنائس المسيحية وكانت في إحدى الفترات قلعة حصينة أيام صلاح الدين، وما يزال دير سمعان بمنشآته ومبانيه قائما. 
وكان عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين قد عين أميراً على إمارة دير سمعان وظل واليًا عليها حتى سنة 86 هـ. وتوفي الوالي في دير سمعان ودفن فيها. 
لمحة جغرافية 
مدينة عندان تتبع لمحافظة حلب- العاصمة الاقتصادية لسوريا، وتبعد عنها مسافة 12 كيلو مترا، تقع على الطريق الدولي الرابط حلب- غازي عنتاب التركية، في منطقة جبل سمعان، التابع لمنطقة سمعان، التي يعود تاريخها إلى العهدين الروماني والبيزنطي. 
يبلغ عدد سكان المدينة 25 ألف نسمة ونيف، وتشتهر عندان بكافة أنواع الزراعة، من الحبوب والبقوليات إلى الأشجار المثمرة كالزيتون، وتتربع وفق عدة مصادر، على هضبة يحيط بها السهل من كل جانب وتتميز بطبيعتها الجميلة، وعلى بعد 2كم باتجاه الغرب تبدأ سلسلة جبلية تنتهي إلى لواء اسكندرون. 
بعض المباني الحالية في المدينة الصغيرة، يعود بنائها إلى ما قبل 200 عام، وفيها حوالي ثلاثة عشر مسجدا وعدة مدارس ابتدائية واعدادية وثانوية للبنين والبنات. 
لعندان أهميّة استراتيجية من حيث موقعها الجغرافي ومن حيث دورها في الثورة السورية، وفي هذا الصدد يقول الباحث السوري عرابي عبد الحي عرابي لـ “القدس العربي”: “الموقع الجغرافي للمدينة، جعلها عقدة طرق واصلة بين الريف الغربي والريف الشمالي لمحافظة حلب، وبمجرد السيطرة عليها سقطت أجزاء واسعة من الريف الغربي وصولا لقبتان الجبل. 
كما أن موقعها شمال غربي مدينة حلب، جعل المناطق الغربية من المدينة تحت تهديد اقتحامها بشكل مستمر خاصة شارع النبل وجمعية الزهراء، إضافة لكونها المنفذ الأهم للسيطرة على فرع المخابرات الجوية، حيث إن أغلب الهجمات ضده كانت تنطلق منها”. 
حاضرة الثورة 
مدينة عندان، شاركت في الثورة السورية منذ أيامها الأولى، ولم تتراجع عن الخروج إلى الشارع بعد ذلك، انتقالا إلى تحول الأوضاع في البلاد إلى حالة الحرب المسلحة، التي بدأها النظام، رغم السلمية التي شهدتها الاحتجاجات الشعبية. 
رئيس المكتب التنفيذي لاتحاد إعلاميي حلب وريفها اسماعيل الرج، أشار خلال حديثه لـ “القدس العربي” إلى أن مدينة عندان شاركت في المظاهرات منذ الجمعة الأولى للثورة، مما أدى إلى تعرضها لحملات اعتقال وحصار مستمرة من قبل مخابرات النظام وجيشه. 
ولكن المدينة نجحت بعد ذلك في الدفاع عن نفسها، بعد تشكيل فصائل من الجيش السوري الحر، الذي استمر في حكم المدينة مع بقية المناطق بريف حلب الشمالي حتى عام 2020 حيث سقطت عندان بيد النظام والقوات الموالية له بتاريخ 17- 2- 2020 بعد خروج آخر مجموعة من أبنائها إلى ريف حلب الغربي. 
نكبة عندان 
شهدت المدينة قوع 11 مجزرة أقل عدد ضحاياها كان 15 شخصا، وتركزت هذه المجازر من خلال القصف الممنهج على المدارس والأفران والأسواق بالطائرات والبراميل والصواريخ. 
وقال رئيس المكتب التنفيذي لاتحاد إعلاميي حلب وريفها اسماعيل الرج: بلغ عدد المهجرين في المدينة قرابة 23 ألفا من أصل 25 ألفا من سكانها، من ضمنهم 10 آلاف طفل، فيهم ما نسبته 50 في المئة لا يتوجهون إلى المدارس في أماكن نزوحهم. 
تركّز نزوح أهالي عندان في مخيمات ريف حلب الغربي، وبعض مخيمات إدلب، ومخيم معرين في إعزاز بريف حلب، إضافة إلى انتشار كثير من أهلها في مدن مثل سرمدا والدانا في إدلب والأتارب وكفر كرمين في ريف حلب الغربي. 
فيما شهدت المدينة مقتل 1975 من أبنائها، أما عدد المعتقلين لدى قوات النظام فهو 53 معتقلا، بينهم سيدة واحدة. 
ويقول الرج: نسبة دمار الأبنية في مدينة عندان بشكل كلّي20 في المئة ونسبة دمار الأبنية بشكل جزئي 50 في المئة، فيما يقطن الآن المدينة 150 نسمة كانوا نازحين إلى مناطق النظام طوال مرحلة الثورة. 
المدينة تعرضت لهجمات متزامنة في عام 2014 من قبل ميليشيات نبل والزهراء الطائفية، وتنظيم “الدولة الإسلامية” كما تعرضت لعمليات نهب وحرق من قبل ميليشيات النظام وميليشيات نبل والزهراء المجاورة لها. 
الحرب مع الأسد الأب 
لم يكن النظام السوري بقيادة بشار الأسد، هو أول من اقتحم المدينة، وارتكب انتهاكات كبرى فيها، حيث سبقه إلى ذلك والده حافظ الأسد، الذي حاصرها واقتحمها في عام 1981 خلال أحداث سوريا آنذاك. 
مصادر مطلعة، أشارت لـ “القدس العربي” أن النظام السوري بقيادة الأسد الأب، اقتحم المدينة في عام 1981 بسبب تواجد المسؤول عن تذخير “الطليعة المقاتلة” في حلب آنذاك، وعقب اقتحام النظام للمدينة، اعتقل فيها طيارا عسكريا، يدعى طاهر خير الله، الذي انشق في تلك المرحلة عن الأسد واختبئ فيها، حيث لا يزال معتقلا حتى يومنا هذا في سجون النظام. 
الباحث عرابي عرابي، قال لـ “القدس العربي”: “النظام السوري في عام 1981 أقدم على تنفيذ عمليات إعدام في المدينة بحق عدد من الشباب الذين تم اعتقالهم، ثم أجبرهم الجيش السوري على حفر قبورهم بأيديهم ثم قاموا بتصفيتهم ميدانيا، ودفنهم في تلك القبور”. 
في حين أن بعض المصادر، أشارت إلى أن قائد الحملة في حقبة الثمانينيات ضد المدينة، شفيق فياض، وهو ضابط عسكري سوري. كان أحد الضباط الذين تم اتهامهم بالقيام بمجزرة حماة 1982. حيث كان قائدا للفرقة المدرعة الثالثة، ورقي إلى رتبة عماد في أواخر التسعينيات. وعين نائبا لوزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، حتى عام 2003. 
خصومات محلية 
من ناحية أخرى فالمدينة متاخمة لمنطقة نبل والزهراء “ذات الغالبية الشيعية” وقد كانت هناك خصومة مباشرة بين المنطقتين وفق الباحث عرابي عرابي، فقد شاركت نبل في اعتقال أبناء عندان على الحواجز في فترة المظاهرات السلمية. 
كما اختطفوا عددًا من أبنائها عام 2012 الأمر الذي دفع بعض أهالي عندان لاختطاف بعض أهالي نبل لمبادلتهم بأبنائهم، وتلا ذلك الحملات العسكرية التي شنّت على نبل والزهراء وحالة المواجهة المستمرة بين الطرفين منذ عام 2012- إلى ساعة سقوطها عام 2020. 
وبذلك استطاع النظام تأمين خاصرة حلب الشمالية الغربية وتأمين محيط الطرق الدولية الرابطة بينها وبين العاصمة. 
ومن ناحية أخرى فقد كانت المدينة ثوريّة وتشكلت فيها كتائب عديدة وفصائل عسكرية ذات ثقل عسكري في شمال سوريا مثل لواء التوحيد ولواء أحرار سوريا والجبهة الشامية لاحقًا وانضم بعض أبنائها للنصرة التي تحولت فيما بعد لهيئة تحرير الشام، ولذا فقد كان سقوطها وابتعاد أبنائها عنها مكسبًا معنويًا كبيرًا للنظام. 
نبش القبور 
للجيش الروسي، بصمة أيضا في المدينة، ففي شهر أيار/مايو من العام الحالي، أقدمت الشرطة العسكرية الروسية وقوات النظام السوري على نبش قبور أجانب، يحملون الجنسية الروسية، قتلوا في وقت سابق، ودفنوا في مقبرة “الشهداء” بمدينة عندان بريف حلب الشمالي. 
وذكر موقع تلفزيون سوريا في تقرير له، أن “الشرطة العسكرية الروسية نبشت 14 قبرًا لمقاتلين أجانب، وأخذت بقايا رفاة وعظام جثامين المقاتلين إلى جهة مجهولة، حيث ساعد عدد من أهالي مدينة عندان الذين ينتسبون لقوات الأسد الشرطة العسكرية الروسية في العثور على القبور”. 
وتقع مقبرة “الشهداء” في مدينة عندان، دفن فيها أكثر من 2000 جثة، بينهما 100 تعود لأشخاص مجهولي الهوية، والقسم الأكبر من المدفونين، من أبناء المنطقة ممن قتلوا خلال المعارك مع النظام وروسيا وإيران في مختلف المحافظات السورية.