الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما يتماهى بوتين مع الأسد

عندما يتماهى بوتين مع الأسد

25.06.2013
عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد
الثلاثاء 25/6/2013
يبذل الرئيس الروسي جهداً ملموساً في سبيل تجميل وجه النظام السوري يتنقل في الحديث من الإرهاب والإرهابيين إلى السخرية من «آكلي الأحشاء البشرية» إلى تخويف الأوروبيين من تسليح الذين سيعودون إليهم لاحقاً حاملين الأسلحة التي زوّدوهم بها ليقتلوهم. ولعله استلهم الفكرة الأخيرة من تصريحات الرئيس السوري إلى صحيفة ألمانية. فالاثنان يعرفان أن استطلاعات الرأي أظهرت الأوروبيين معارضين لأي تدخل في سوريا، لكنهم واقعياً لا يمانعون مساعدة الشعب السوري لمعارضة حرب الإبادة التي يتعرّض لها.
والأكيد أن كل شعوب العالم لا ترى أن «بوتين» يقدِّم السلاح - بالأحرى يبيعه - إلى الجهة الصالحة، فثمة مقاتل صار مجرماً إذ أكل قلب ضحيته، لكن ثمة نظاماً تصنعه تقارير محققي لجنة حقوق الإنسان مجرم حرب، إذ لا يتوقف عن القتل والتدمير، وصار الآن يستخدم السلاح الكيماوي ضد شعب سوريا وليس ضد الإرهابيين.
عشية وصوله إلى بلفاست (أيرلندا الشمالية) للمشاركة في قمة الدول الثماني، أنذر بوتين بأن تسليح المعارضة السورية سيؤدي إلى تدمير «كل سوريا». ويمكن فهم ذلك بأكثر من صيغة، لكن بوتين بلغ خطاً «أيديولوجياً» لا رجعة عنه في إدارته للأزمة، إلى حدّ أنه يبدو كمن يقول «سأدمر كل سوريا طالما أنكم تسلحون أعداء حليفي».
وبالتالي انتقل بوتين من النأي عن النظام، وإبداء عدم الاكتراث به، إلى التماهي معه. وهذه هي الحقيقة، فالمسألة غدت أكثر من مجرد علاقة بين تاجر سلاح وزبون، لتصبح تحالفاً سياسياً واستراتيجياً تتجند الدبلوماسية الروسية بكامل طواقمها لخدمته والدفاع عنه. حتى أن نظرية المؤامرة تقول إن روسيا نفسها ستكون التالية بعد سقوط نظام بشار، وإضعاف النظام الإيراني. ويساق في هذا المجال أن التظاهرات التي قامت بعد انتخاب بوتين استهدفت زعزعة رئاسته وصورته لكنها أجهضت قبل أن تتوسع، غير أن هذا التبرير يرمي خصوصاً إلى الترويج للسياسة الروسية التي فقدت معقوليتها وتوازنها في سوريا.
يبقى الروس الأكثر معرفة الآن بالضعف والتراجع اللذين أصابا نظام الأسد، بحيث إن إنجازاته العسكرية، مهما بلغت، لن تبقيه حاكماً، ولولا الدور الروسي في تعطيل مجلس الأمن وأي نوع من التدخل الخارجي لاختراق الأزمة سياسياً، لكانت أوضاع النظام أكثر تدهوراً. لكنهم يحتاجون إليه للمساومة، ويبدون حالياً حماسة ملموسة لإطلاق عملية «جنيف 2»، طالما أن الوضع الميداني لمصلحته، ما يعني أن «الحل السياسي» يمكن أن يأتي لمصلحته. ولأجل ذلك، يرفض الروس أي حديث عن «مصير الأسد»، لأنه ومصيره محور كل المناورة التي يلعبونها تحت عنوان «دعوا الشعب السوري يقرر»، وهم يعرفون طبعاً أن هذا مجرد شعار صحيح سياسياً لكنه معدوم المعنى واقعياً، إذا كان سيخضع لموازين القوى العسكرية.
فالشعب لم ينتفض على النظام بغية الحصول على ترسانة أسلحة، وإنما ليقول إنه لا يريد أن يُحكم بهذه الترسانة.
بعد انتهاء قمة الدول الثماني، سئل بوتين وأجاب بأنه كان معزولاً من جانب نظرائه السبعة ودليله أن البيان الختامي لم يشر إلى تنحي الأسد، أي أنه على العكس نال ما يريده، وأنه سيتابع تطبيق سياسته السورية من دون تعديل.
لم يُعزل بوتين في القمة، لكنه وُضع أمام ضغوط استطاع أن يحبطها، مدركاً أن الجميع يريد الخروج بصيغة توافقية، أما الضغوط فتناولت تحديداً «عدم التعاون الروسي» في تهيئة مناخ مؤات للمضي نحو «حل سياسي» للأزمة، إذ لا يستقيم استمرار روسيا في توفير السلاح للنظام، وفي تقديم خبراء، بل في القتال معه عملياً، مع ادعائها السعي إلى «مؤتمر للسلام» في جنيف. كذلك لا يمكن موسكو حتى النظام على مواصلة العمل للحسم العسكري، فيما هي تحاضر الآخرين بأن «الشعب هو الذي يقرر». ثمة مسؤولية ينبغي أن تتحملها روسيا بالنسبة إلى سلوك النظام، ولا تزال تتهرب منها.
للأسف، افترق القادة الثمانية بعد القمة من دون التزامات، ليتابع كلٌ منهم سياسته السورية كما فعل منذ عامين ونيف. هناك من يريد «انقلاباً يطيح الأسد»، ومن سيمضي في تسليح المعارضة - ومن لم يفعل شيئاً وليس لديه اهتمام خاص بسوريا. وحده الرئيس السوري يعرف من الذي يفعله ولماذا، فلديه ما يكسب على حساب الآخرين. لا يعني ذلك أن سياسته خالية من التناقضات، فهي بمجرياتها الحالية لا تقود إلى حل سياسي بمشاركة جميع الأطراف، ولا إلى استعادة النظام السيطرة والحكم، بل إلى أفغنة سوريا، أو صوملتها. لكن بوتين لا يهتم، فهو لم يتعوّد على تعداد الضحايا، كما أن أحداً لا يستطيع اتهامه بأنه يؤمن بأي قيم.