الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما يغازل السارين غاز الخردل وروحه

عندما يغازل السارين غاز الخردل وروحه

06.11.2017
آزاد عنز


الحياة
الاحد 5/11/2017
انتشر كثيفاً في الفراغ المسترخي على يقينه. لا هواء يلجمه. لا هواء يستيقظ من نعاسه ليورث الرئات حياة. لا حائط يرد الهواء ليبقي صدى الموت بعيداً من هنا. لم يستضف أحد ذاك الموت الهائج إلّا رئات خاوية. موت زاحف. سارين زاحف يتسلل خلسة مع نعمة الهواء الجليل. غاز لا يفقه شيئاً من نعمة الوجود والحياة إلّا القبض على أرواح تحمل على خاصرتها رئات خاوية. سارين ينفث الموت على الأرض السورية من آلة الضجر والموت. أرض مستباحة فتحت الأبواب على مصراعيها لتحتضن الموت بمختلف أشكاله وأحجامه. لا مهرب من موت يقذفه السارين من رئته إلى رئات سورية خاوية تنتظر الموت بصبر. لم تلجمك إلا رئات سورية على الرقعة السورية أيها السارين، فالسارين لا يحيا إلا في الرئات متى قام بخنق الهواء وإلزامه عن الرجوع في أداء المهمات الموكلة إليه.
لا تخف أيها السارين. أيها الغاز السكران. رائحتك لن تملأ إلا رئات سورية تنتظرك على أرض الويلات، أرض الحسابات الكبرى وأرض المفاوضات الكبرى. لم يكن صادقاً معك أحد أيها السوري إلا غاز السارين. وعدك بالهلاك فقبض على رئتك بيده اليمنى وقام بخنقها بعد أن قام بتجفيف الهواء المحاصر بين جدرانها وركله بعيداً من هنا.
مواجهات متتالية تعاقبت على الرقعة السورية الجريحة المليئة بالدماء. أنهار دماء تسيل. شلالات دماء تهرول وتجرّ الأخرى بحبال دم وجثث تطفو فوق دمائها لتقذفها الدماء إلى منفاها الأخير.
جثث منتفخة يسيل لعابها من بين شفتيها، وأجساد لم يفلح الهواء في إبقائها حية وإسعافها، بل وإنقاذها من هبوب السارين الأحمق. وفي الضفة المقابلة من نهر دجلة العظيم، النهر الذي يجرّ مأساة الأكراد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، على تراب حلبجة في جنوب كردستان الكبرى أو الجزء الملحق بالأرض العراقية، جُهزت عدّة الموت على عجل، ووُضِع الهواء الفاسد في أنابيب مخصصة لخنق الرئات الكردية المليئة بالهواء. أنابيب حُمّلت على ظهر صاروخ واحد وأُسقطت من الأعلى لترتد على أرض حلبجة صاروخ واحد لا غير كان كفيلاً بنثر الخردل وغازه وروحه على هذه التراب ليصبح قاحلاً. أرض كردستان تُباد وتُخنَق. ماء كردستان يباد ويُخنَق. هواء كردستان يباد ويُخنَق. ترابه وماؤه وهواؤه ودوابه ونباته وأشجاره وأحجاره ورئاته وقصباته وشرايينه شربت الخردل حتى الثمالة. نظام لم ولن يتوانى أبداً عن نفث الموت من روح الخردل ليملأ بها رئات الأكراد. غاز فاسد حلّق في سماء الأكراد ليغطي الغلاف وما دون الغلاف بموت قادم لن يتردد مطلقاً في خنق أرواح وقذفها إلى هلاك منتظر.
خردل فاسد عُدّل أخيراً في أقبية النظام العراقي بعد أن رُش عليه قطرات من رائحة التفاح ليكون مصيدة كي لا تفر رئة من العقاب. رئات تسارعت إلى تنفس الصعداء من الهواء في زحمة الخردل المهرول على تراب حلبجة. غاز خردل جُهز على عجل ودُفن في بطن غراب أسود، فلم يتردد الغراب في إجهاضه من الجو ليرتد على تراب كردستان، بعد أن اتخذ من نكهة التفاح غطاء.
* كاتب كردي سوري