الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن "أداة" صغيرة تدعي أنها "لاعب إقليمي"!

عن "أداة" صغيرة تدعي أنها "لاعب إقليمي"!

14.04.2014
محمد مشموشي


الحياة
13/4/2014
لا يمل "الممانعون" من تكرار أن "حزب الله" لم يعد حزباً لبنانياً فقط، ولا حزباً شيعياً بالطبع، ولا حتى حزب مقاومة للاستكبار والصهيونية العالميين وحدهما، إنما تحول إلى "لاعب إقليمي" على مساحة المنطقة كلها. وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، لا يقف الحزب عند هذه النقطة فحسب، بل يصبح، كما قال أمينه العام السيد حسن نصرالله في تصريحات أخيرة له، هو من يحدد قواعد اللعبة وظروف الاشتباك ويفرضها على الطرف الآخر.
كيف؟ لا أحد يعرف. ولماذا؟ لأن أحداً بدوره لا يجوز أن يسأل عما يقوم به الحزب في سورية، أو لبنان أو في غيرهما. هو "لاعب إقليمي"، في السلم كما في الحرب، وليس لأحد أن يجادل في ذلك، بما فيه الدولة اللبنانية التي يشترك في حكومتها ومجلس نوابها والكثير من مؤسساتها وأجهزتها الإدارية. وإلى متى؟ إلى أن يقرر الحزب، أو "الولي الفقيه" الإيراني، أنه حقق ما يريده (عملياً، ما يراد له!) أو تخلى عن هذا الدور.
لكن المسألة ليست ببساطة هذه الأسئلة، ولا ببساطة الإجابات عنها.
ذلك أن القائلين بهذا الدور الإقليمي للحزب، ينسون (ولعلهم يتجاهلون قصداً) أن في لبنان دولة، وأن من شأن هذه الدولة أن تقرر أن تلعب، أو لا تلعب، مثل هذا الدور في أي ظرف من ظروف المنطقة بافتراض حاجة البلد والشعب في لبنان إليه من ناحية، والقدرة المادية عليه من ناحية ثانية.
وأكثر، فهؤلاء يعرفون أن نصف اللبنانيين على الأقل يتحفظ ليس عن سلاح الحزب ودوره في لبنان وسورية فقط، وإنما أيضاً على علاقته الأيديولوجية والمادية بـ "الولي الفقيه" الإيراني ومخططاته المعروفة للمنطقة... أي تماماً على ما يوصف بدور الحزب كـ "لاعب إقليمي" لحساب تلك العلاقة مع النظام في طهران.
كذلك، فهذا البلد الذي اسمه لبنان، الصغير في حجمه وإمكاناته، والضعيف في بنيته المجتمعية لأسباب يعرفها الحزب أكثر من غيره، لم يفكر يوماً في أن يلعب مثل هذا الدور، لا على المستوى الإقليمي الضيق، أي العربي، ولا طبعاً على المستوى الأوسع.
ثم ما هي الميزات وعناصر القوة والأوراق التي يملكها "حزب الله" وتؤهله للعب مثل هذا الدور؟ هو لا يملك غير السلاح الذي تتحفظ عنه الغالبية العظمى من اللبنانيين، بمن فيهم من يطلق عليه اسم "البيئة الحاضنة" التي ترفع في وجهه مئات علامات الاستفهام عندما يستخدم في غير الموقع الذي حمل من أجله... كما في بيروت والجبل في 2008، أو في سورية كما هي حاله الآن.
لا يملك الحزب، مثلاً، ما كان لدى نظام الأسد الأب عندما طرح لنفسه دوراً إقليمياً في السبعينات والثمانينات. كان هذا النظام يستحوذ، بالقوة أو بالابتزاز، على الورقتين اللبنانية والفلسطينية بصرف النظر عما ألحقه بهما من خسائر وحتى تمزيق. وهو لا يملك بالطبع وزن مصر أو دور السعودية أو العراق، أياً كان حجم التراجع الذي لحق بأدوار هذه البلدان في المنطقة. وإذا ذكرت دول مثل تركيا وإيران وإسرائيل التي تحاول أن تلعب مثل هذا الدور، ففي هذه الدول شعوب وجيوش واقتصادات وموارد مالية وبشرية قد تسمح لها بادعاء السعي إلى دور "لاعب إقليمي"، وحتى دولي أو شبه دولي في بعض الأحيان.
كيف يتأتى لهذا الحزب إذاً، وفي هذه الفترة التي بات فيها الإقليم كله ساحة حرب محلية ودولية، أن يتوهم بأنه بات ما يصفه إعلامه بـ "لاعب إقليمي"، بل وبأنه هو من يحدد قواعد اللعبة ويرسم حدود الاشتباك مع إسرائيل في الجنوب اللبناني؟
غني عن القول إن "حزب الله" لا يدع فرصة إلا ويعلن فيها أنه "يختصر" الدولة اللبنانية، أو يصادرها، إن على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو حتى الدولي.
ولا يعني غير ذلك عملياً قبوله داخل مجلس الوزراء (في الحكومة التي كانت حكومته بامتياز برئاسة نجيب ميقاتي) على ما وصف بسياسة "النأي بالنفس" عن الحرب الدائرة في سورية، ثم تدخله بقواته فيها وقتاله إلى جانب النظام وباقي الميليشيات الإيرانية والعراقية واليمنية والأفغانية من دون سؤال أحد. تعليقاً على ذلك، لا يجد الأمين العام للحزب ما يقوله، من دون أن يرف له جفن، سوى أنه تأخر كثيراً في التدخل... أو أنه كان في نهاية المطاف آخر المتدخلين فيها.
وفي آخر تصريحات السيد نصرالله، لم يجد حرجاً في إعلان أن أفراداً من حزبه زرعوا عبوة ناسفة انفجرت في طريق دورية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا، وأن هذه العبوة كانت رداً على غارة إسرائيلية قبل مدة استهدفت قواته المقاتلة في سورية على الحدود المشتركة بينها وبين لبنان، في الوقت الذي يؤكد فيه التزام لبنان (والتزامه هو؟!) نص قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الذي يمنع عمليات من هذا النوع عبر ما يسمى "الخط الأزرق" في منطقة الجنوب.
هل هذا فقط؟
لم يعد خافياً، أن الحزب يخاطب بكلامه هـذا ما يسميه بيئته الحاضنة... تلك التي قال الســيد نفسه إنها رفضت عملياته القتالية في سورية، لكنها عادت ووافقت على التدخل.
كما لم يعد خافياً أن قيادة الحزب قد "تورمت" كثيراً في خلال الفترة الماضية: من الإعلان الفج عن إسقاطه حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم الإعلان الفج الآخر عن تشكيله حكومة ميقاتي، ثم دعوته الفرقاء الآخرين في لبنان إلى "اللحاق بأنفسهم" والموافقة على ما يطرحه لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى مطالبتهم قبل أيام بإعادة النظر في مواقفهم من تدخله في سورية (لا ندعوهم إلى القتال معنا هناك، إنما فقط إلى إعادة النظر في رفضهم هذا القتال) إلخ...
لكن ما يبقى هو الأساس: مصادرة الدولة اللبنانية من داخلها، كما في العالم العربي والمنطقة والعالم أيضاً.
وهو يحاول من أجل ذلك أن ينفي حقيقته الدائمة: حقيقة أنه مجرد "أداة" صغيرة تدعي أنها "لاعب إقليمي"!