الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن الأردن والأزمة السورية من جديد

عن الأردن والأزمة السورية من جديد

05.05.2013
ياسر الزعاترة

الدستور
الاحد 5/5/2013
لا أحد يمكنه الزعم بأنه يملك إجابات حاسمة بشأن تطورات الملف السوري، ولا تداعياته على مختلف الأصعدة، بخاصة ما يتعلق بالمدى الزمني الذي يمكن أن تستغرقه المعركة حتى سقوط النظام أو التوصل إلى تسوية سياسية ما، مع وضوح الميل إلى أنها قد تطول.
لكن أحدا من العارفين بظروف المنطقة، وتحولات الداخل السوري لا يمكنه الحديث عن عودة الوضع في سوريا إلى ما كان عليه قبل اندلاع الثورة، بما في ذلك إيران ذاتها، لكن الأمر لا يبدو مختلفا فيما خصَّ الحل السياسي، ذلك أن الطبيعة الأمنية والطائفية للنظام تجعل الحديث عن حل كهذا أشبه بالتعويل على المستحيل، فهنا في حالة من هذا النوع لا معنى للحل السياسي في ظل بقاء بشار رئيسا، ولو إلى العام القادم غير هزيمة الثورة، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا من قبل القوى الفاعلة فيها، ولا حتى من قبل تركيا، ومعها بعض القوى الداعمة للثورة على تباين في مواقفها من الحل.
لا أحد ضد الحل السياسي إذا كان يعني خروج بشار وتشكيل حكومة انتقالية بموافقة المعارضة السورية، بصرف النظر عن تشكيلة تلك الحكومة، وحيث لا تبدي قوى المعارضة تشددا بشأن طبيعة تشكيلتها ما دام الأمر سينتهي إلى انتخابات يختار من خلالها السوريون ممثليهم، وتبعا لذلك حكومتهم. لكن الحل ببقاء بشار، وحتى لو وافقت عليه بعض القوى الداعمة للثورة لا يمكن أن يكون قابلا لأن يوضع موضع التطبيق، أقله في المدى القريب والمتوسط في حال وافقت عليه تركيا، أما في حال رفضته فإنه لن يكون قابلا للتطبيق بأي حال.
ما هو واضح إلى الآن هو أن الوضع يسير نحو تأكيد النموذج الأفغاني، وهو نموذج يعني بالنسبة للأردن مزيدا من تدفق اللاجئين، وربما مزيدا من الأعباء الأمنية أيضا، ولا يمكن لأية صيغة مهما كانت أن تجنب الأردن تداعيات ما يحدث، حتى لو جرى إنشاء منطقة عازلة لاستيعاب اللاجئين، وهي عملية معقدة ستعني بالنسبة للنظام موقفا أكثر عدائية من مجرد التسامح مع دخول بعض المقاتلين والسلاح، لاسيما أنها ستؤكد أن الثورة ستنتهي برحيله مهما طال الزمن.
خلاصة القول هي ان انتصار النظام يبدو مستحيلا بعد كل الذي جرى، تماما كما أن الحل السياسي الذي يقبله السوريون أقرب إلى المستحيل أيضا، ولذا فإن التفكير بما يسرِّع إنهاء المأساة هو الخيار الأفضل، بعيدا عن مجاملة الهواجس الغربية؛ التابعة بدورها للهواجس الإسرائيلية، فيما خصَّ السلاح الكيماوي، والأسلحة التي تؤثر على أمن الاحتلال. وتسريع الحسم لا يكون إلا بمنح الثوار مزيدا من التسهيلات للوصول إلى دمشق وحسم معركتها.
إن نهاية النظام لن تعني في نهاية المطاف غير تمكين السوريين من حكم أنفسهم، حتى لو مرت الفترة الأولى ببعض التوتر بين الفصائل المقاتلة. وحين يحكم السوريون أنفسهم، فإن الأمر سينتهي بتعددية تعكس تنوع المجتمع السوري أكثر مما تعكس لونا واحدا، حتى لو كان للإسلاميين بشتى ألوانهم حضور لافت فيها.
إنه الربيع العربي الذي يبشر بتعددية لا سيطرة مطلقة فيها لأحد، وهو وضع سيشمل إن عاجلا أم آجلا جميع الدول في المنطقة، ومن الأفضل للجميع أن ينسجموا مع هذا الخيار الذي بات سمة الحكم في العالم أجمع باستثناءات محدودة لا يمكن أن تستمر طويلا.
أما الهواجس الإسرائيلية حيال ما يجري في سوريا وعموم الربيع العربي فلا ينبغي أن تشغل صانع القرار، لاسيما أننا إزاء مواقف صهيونية موغلة في الغطرسة والاستخفاف بالفلسطينيين والعرب. ثم إن الربيع العربي لن يترك “فلسطين” بأي حال، وهو سيشملها إن عاجلا أم آجلا، وحين يكون بالإمكان الحديث ولو عن تحرير جزئي دون قيد أو شرط عبر انتفاضة شاملة، فإن ذلك سيدفن قصة التوطين والوطن البديل، بدل حديث الكونفدرالية قبل ذلك، وهو مسار لا يعدو أن يكون وصفة لإراحة الصهاينة من عبء السكان الفلسطينيين، ومن ثم تهديد قضية فلسطين والأردن في آن معا.
إن قراءة الموقف في سوريا ومن عموم الربيع العربي من زاوية الخوف من التعددية الحقيقية لا يمكن أن يكون في مصلحة الشعوب والأوطان، في الدول التي تتحرك سياسيا على إيقاع إبعاد شبح الربيع عن حياضها، بل إفشال ما نجح منه بكل الوسائل الممكنة.
شعب سوريا لن يهزم، وهو سينتصر إن عاجلا أم آجلا، وستستمر مسيرة الربيع العربي نحو أفقها المنشود، والعقلاء هم من يتعاملون مع الوضع بهذه الروحية، ومن يقف إلى جانب الشعب السوري ويساعده في التخلص من الطاغية سيكون موضع تقدير من قبل ذلك الشعب، ومن الشعوب العربية جمعاء.