الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن التدخل الأميركي وشرطه الجديد

عن التدخل الأميركي وشرطه الجديد

14.09.2014
عمار ديوب



الحياة
السبت 13-9-2014
انقسم السوريون، سياسيين ومثقفين وعامة الناس، بصدد التدخل الأميركي، بين رفض كامل له، وهم جمهور النظام وبعض المتخوفين مما رأوه في العراق من قبل، والتيارات اليسارية والقومية، والتي قام رفضها على رأي يقول إن الإمبرياليات لا يمكن أن تناصر الشعوب. وهذه التيارات منها داعم للنظام ومنها رافض له ومؤيد للثورة. وهناك تيار آخر ينوس بين رأيين، يقول إن حصل التدخل فليس لنا قدرة على مواجهته، وبالتالي لا داعي لاتخاذ موقف من قضية لم تحصل بعد، وليست مطروحة من الأصل. هذا الرأي، يتجاهل الطبيعة الإمبريالية للدولة الأميركية كدولة مهيمنة عالمياً، ولا يرى النتائج الكارثية في العراق وأفغانستان، ويتحدث بحتمية عن أكلاف لا بد من أن تدفعها الشعوب للتخلص من شمولياتها. وهناك رأي آخر دعا إلى استجداء أميركا كي تتدخل، زاعماً أنه من دون ذلك لن تأتي أميركا، وبالتالي لا بد من تهيئة الشروط والعمل من أجل ذلك.
التيار الأخير، برز في شكل رئيسي في أوساط المجلس الوطني والائتلاف لاحقاً، وكان يلي هذه الدعوات، خيبة أمل كبيرة وشعور عارم بالخذلان، ولا سيما حينما انتزعت أميركا الكيماوي الذي قتل به الشعب، بدلاً من قصف النظام، وكذلك حينما كانت تحدث المجازر ذات الصبغة الطائفية وفي لحظات أخرى. هذا التيار راح يصف أميركا وبعد رفضها المتكرر التدخل، بأنها منكفئة عن المنطقة، وهذا صحيح، ولكن انكفاءها كان بادياً منذ اللحظة الأولى للثورة.
ما غاب عن هذا التيار تجاهل الأزمة الاقتصادية في أميركا وأوروبا، والتي تمنعها من التدخل. فبعد النتائج البائسة للحرب في العراق وأفغانستان والكلفة العالية لها، أصبحت الحرب أداة استنزاف للاقتصاد وتفعيل للأزمة وليس أداة مساهمة في الخروج منها. هذه الأزمة، إضافة لضرورات الدفاع عن النفط وإسرائيل كانت الأولية في المنطقة في السياسة الأميركية ولا تزال، وكذلك مسألة مواجهة الصين في الشرق الأقصى. وهنا، من الخطأ أن نغفل السياسة الأميركية إزاء تونس ومصر، والتي لم تكن راغبة بالتغيير، ولكنها كانت مجبرة على الموافقة عليه، وذلك حالما تصبح إمكانية البقاء مستحيلة. ما حدث في مصر واضح الدلالة حيث تم إجبار مبارك على الاستقالة لإيقاف تطور الثورة. وبالتالي فهذا أحد أسباب رفض الأميركيين المستمر للتدخل في سورية.
يمكن سرد أسباب أخرى، تتعلق بسورية، كتدمير بنيتها الاقتصادية وخلخلة العلاقات المجتمعية ودفعها لتكون في حالة حرب مستمرة، وتجميع الجهاديين فيها وتوريط "حزب الله" وإيران وروسيا واستنزافها في معركة خاسرة سلفاً، أو لا خسارة فيها ولا ربح.
شكل تطور "داعش" الذي يشبه "القاعدة" ويفوقه سوءاً، حالة جديدة، فوضع تحت المراقبة وربما تم اختراقه من قبل الاستخبارات الأميركية، ولكن "داعش" كان مفيداً لأميركا في تثبيط الجيش الحر وإجباره على أي حل تعمل من أجله أميركا، وبواسطته يتم تدمير فكرة الثورة الشعبية وكونها قادرة على إسقاط النظام. بالنسبة للأخير كان "داعش" بمثابة حبل النجاة من الثورة والجيش الحر، وكي يقدم نفسه كمحارب ضد الإرهاب لدى الإدارة الأميركية، والاعتراف به مجدداً، وإعادة الاعتماد عليه. وهذا الدور كان قد لعبه النظام أكثر من مرة سابقاً، المرة الأولى كانت حينما كان الأميركيون في العراق، فمد النظام السوري المقاومة بالمساعدة، وكذلك سمح لعناصر من تنظيم "القاعدة" بالعبور إلى سورية. وبخصوص "داعش" سمح النظام له بالتمدّد والتوسع، لا سيما أن كل التصريحات الأميركية كانت تنزع عنه الشرعية، أو في أحسن الأحوال سمح ببقائه مع تشكيل حكومة انتقالية مع المعارضة، وتكون نتيجتها الحد من صلاحياته، والبدء بالتخلص من شكل حضوره الإقليمي والدولي القديم، والمرتبط بمرحلة الحرب الباردة.
"داعش" الذي أعاد تموضعه من جديد في العراق، بعد أن شنّ المالكي الحرب ضد الأنبار، ولاحقاً حالما تم الهجوم على الموصل وبقية المدن ووصولاً على بغداد، كان يتحدد دورها بتدمير الثورة في العراق كما فعل من قبلها الزرقاوي. هذا التحرك الواسع حالما هددت الثورة بغداد، بدأَت عرقَلته بممارسات من "داعش" عبر تخيير المسيحيين بدفع الجزية أو الأسلمة أو التهجير وقتل منهم أعداد، وكذلك أعلن زعيمه الخلافة، وقاتل الإيزيديين، وكل ذلك لم يكف لإيقافه الثورة، فكان لا بد من التحرك جهة مناطق النفط، وهذا ما أتاح فوراً التدخل الأميركي، بالتالي جاء التدخل الأميركي بسبب شعور أميركا أنها ستخسر الكثير من مصالحها هناك، وحتى شكل التدخل بدأ محدوداً وسيظل كذلك.
تميل التحليلات الآن إلى القول إن معركة العراق ستمتد إلى سورية. ف "داعش" في سورية هو نفسه في العراق؟ ولكن، هل سيتم ذلك بالتوافق مع النظام؟ أم مع الجيش الحر؟ أو مع النظام والجيش الحر معاً؟ إن هذا التدخل وقياساً بما حدث في العراق سيكون بالضرورة مشروطاً بحلٍّ سياسيٍّ. أي سيكون هناك مؤتمر جديد شبيه بما حدث في جنيف. إذاً، لن يحصل تدخل أميركي كما تم من قبل في العراق وفي أفغانستان، والممكن الوحيد، كما تم في ليبيا وفي العراق أخيراً، أي تدخل محدود، وحينما تتهدد المصالح الأميركية.
وفي حال صحت فكرتنا حول التدخل، فإن على المعارضة، تأهيل نفسها للتساكن مع النظام، ربما هذا ما سيكون شرط التدخل الأميركي ومحاربة "داعش". لكن، هل المعارضة والنظام مؤهلان للمرحلة الجديدة في سورية؟!
* كاتب سوري