الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن التلاعب الأميركي بأكراد سورية

عن التلاعب الأميركي بأكراد سورية

28.01.2018
خالد غزال


الحياة
السبت 27/1/2018
طغى موضوع الأكراد في سورية خلال الأيام الماضية، إذ غطى على معظم الصراع الدائر في سورية. أعلنت الولايات المتحدة نيتها تجنيد ثلاثين ألف مقاتل معظمهم من الأكراد لوضعهم على الحدود مع تركيا، وضمن استراتيجية البقاء الأميركي في سورية، حماية للأمن القومي الأميركي. في المقابل، استنفرت الحكومة التركية ضد هذا الإجراء، معلنة صراحة رفضها هذه القوة، وترجمت ذلك ببدء عملية عسكرية في عفرين السورية، المنطقة ذات الغالبية الكردية، واعدة بتوسيع الحملة الى منبج. حجة الأتراك أن الخطة الأميركية بدعم الأكراد ستصب في إقامة دويلة كردية سيكون لها أثر على الوجود الكردي داخل تركيا لجهة إحياء الشعور القومي بكردستان الأصلية.
تنصّل الروس من الأحداث الجارية، وسحبوا القوة التي كانوا يملكونها في المنطقة، أما النظام السوري، فقد أعلن رفضه الدخول التركي، فيما صرّحت تركيا بأنها أبلغت النظام السوري سلفاً بالعملية. هكذا تختلط الأمور بحيث يبدو أن الوضع السوري أشبه بكلمات متقاطعة، يصعب تفكيك التحالفات ومعرفة من مع من، ومن ضد من؟
في المرحلة الراهنة من الصراع، لا شك في أن الأكراد في سورية هم وقود المعركة، وهم الخاسرون سلفاً، وسيدفعون ثمناً غير قليل فيها. منذ أن عاد الأميركيون الى التدخل بقوة في سورية، كانت خطتهم مزدوجة، تعطيل أي حل سياسي يسعى الروس الى فرضه، ما لم يتم التفاهم معهم، وتعيين حصتهم في سورية وخارجها، ثم الاعتماد على منطقة نفوذ داخلية تشكل مرتكزاً لإدارة معركتهم المحلية. حدد الأميركيون الأكراد الطرف الذي يمكن الاستناد اليه داخلياً. شجعوا المجموعات الكردية على إعلاء الصوت للمطالبة بحكم ذاتي، وصل بهم أحياناً الى الانفصال عن سورية والانضمام الى دولة كردستان المحتمل قيامها. زودوا المجموعات الكردية بأسلحة ثقيلة، ودربوا عناصر كثيرة منهم، وأدخلوهم في المعركة ضد "داعش"، وراهنوا عليهم للمستقبل.
لعب الأكراد دوراً مهماً في محاربة "داعش"، كما أن من حقهم أن تكون لهم حقوق كسائر السوريين، وهم العنصر المضطهد منذ حكم حافظ الأسد الى زمن ابنه. لكن تكبير الطموحات بما يتجاوز موازين القوى القائمة له أثمان سلبية، بدأ الأكراد يدفعونها. لم يجف الحبر على تجربة العراق، حيث اندفع الأكراد بعيداً في تجاوز ما هو معطى لهم من حكم ذاتي، الى القفز من أجل الاستقلال والبدء ببناء دولة كردستان. لقد شجع الأميركيون أكراد العراق، وهو تشجيع جعل الأكراد لا يحسبون الحساب للنتائج المتوقعة. فجأة، تخلى الأميركيون عن دعم استقلال أكراد العراق، ونفضوا يدهم من طموحاتهم، بل تمّ تقريعهم على ما قاموا به. ما يظهر اليوم على الساحة السورية، يبدو كبير الشبه بما حصل في العراق. خفف الأميركيون من دعم الأكراد، وتنصلوا من القوة التي وعدوا بها، وتركوهم فريسة للقوات التركية الغازية، بما يهدد بإلغاء الحد الأدنى مما كسبوه في الحرب ضد "داعش".
مرة جديدة، يستنفر الحراك الكردي، لتوسيع الحقوق أو السعي الى تحقيق حلم الدولة الكردية، القوى الإقليمية المحيطة، من تركيا الى إيران الى سورية. الكلام المتناقض من هذا الطرف أو ذاك، تأييداً لمطالب الأكراد هو كلام غير صحيح ومخادع. فالنظام السوري، على رغم أن مجموعات كردية أساسية تحالفت معه، يضمر العداء لأي تطلعات كردية في توسيع الحقوق، وهو نظام أمعن طويلاً في قمعهم وتهميشهم وحتى حرمانهم الجنسية السورية. الأمر نفسه ينطبق على النظام الإيراني الذي لا يقل عدائية تجاه الحقوق الكردية، وهو يترجمها حرماناً وقمعاً داخل إيران. أما تركيا، فموقفها واضح وهي تترجمه الآن حملة عسكرية واسعة ضد المناطق الكردية.
لا يمكن فصل المعركة الدائرة الآن تحت عنوان الأكراد، عن التخبط الذي يعانيه أقطاب "السلطة الفعلية" في سورية، واستعصاء الوصول الى تسوية للصراع. فروسيا وإيران اللتان سبق لهما وأعلنتا الانتصار في سورية، وحددتا المغانم لكل طرف، ها هما في مأزق، ومراوحة وعدم القدرة على تحقيق تسوية تنهي الحرب. إن الإعلانات الأميركية عن العودة الكبيرة الى سورية، أربكت القوى "المنتصرة"، بل أعادت الأزمة السورية الى المربع الأول. تتصرف أميركا بعدم الاهتمام بالوصول الى تسوية، ولا ترى مانعاً من إطالة الحرب، طالما أن هذه الإطالة تغرق الروس والإيرانيين في وحول هذه الحرب. فالاستنزاف من جانب أميركا للقوى المحلية والدولية، يبدو الاستراتيجية الراهنة للتعاطي مع الأزمة. وبدلاً من التهيؤ لانسحاب الجيوش، ها هي الولايات المتحدة تعلن عن وجود ثماني قواعد عسكرية في سورية.
وسط هذه المعمعة، لا يبدو النظام السوري في موقع الفاعل أو المؤثر في ما يخطط وينفذ في بلده. أما الثمن الأكبر فيدفعه الشعب السوري من دمه ودمار ممتلكاته وتشريده خارج البلاد.