الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن الرأسمالي الجشع والمواطن الفقير في زمن "كورونا"

عن الرأسمالي الجشع والمواطن الفقير في زمن "كورونا"

11.04.2020
ياسر الزعاترة



العرب القطرية
الخميس 9/4/2020
ماطل ترمب كثيراً في اتخاذ أي إجراء في مواجهة "كورونا" من شأنه أن يعطّل حركة الاقتصاد، ولولا ضغوط الدولة العميقة لواصل المماطلة، لكنه اضطر إلى التغيير تحت وطأة التصاعد المذهل في أعداد المصابين والوفيات، ووافق على حزمة ضخمة، من بينها إرسال مساعدات مباشرة للناس.
لكنه عاد بعد ذلك إلى التكشير عن أنيابه حتى وهو يبرر السياسات الجديدة، حيث قال: "فكروا في هذا الرقم: 2.2 مليون شخص كان من الممكن أن يتوفوا إذا لم نفعل أي شيء. وفي حال تمكّنا من تقليص هذا المؤشر حتى مستوى 200 ألف شخص كما تحدثنا عنه سابقاً -وعلى رغم أن هذا العدد لا يزال هائلاً- فإن ذلك سيعني أننا جميعاً قمنا بعمل جيد جداً".
200 ألف شخص لا يعنون الكثير في عرف ترمب، فهو ليس معنياً إلا بالاقتصاد الذي كان أساس دعايته، والذي يعوّل عليه لمنحه ولاية ثانية رغم كل فضائحه، وهجوم الإعلام اليومي عليه.
كذلك فعل نسخته البريطانية (جونسون)، إذ استخف بـ "كورونا" وتأثيراته، وذهب يتحدث عن "مناعة القطيع"، قبل أن تمارس الدولة العميقة الضغط عليه لتغيير المسار، وفرض شكلاً من أشكال الإغلاق الجزئي الذي تطلب حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 350 مليار جنيه إسترليني، وقبل أن يُصاب هو شخصياً بالفيروس ثم يدخل المستشفى.
كان جونسون قد شنّ هجوماً رهيباً على خصمه العمالي (كوربين)، بسبب أنه يدعو للإنفاق الحكومي، ولمحاباة الفقراء، فيما اضطر إلى أكبر عملية إنفاق منذ عقود طويلة.
في مصر، ذهب ملياردير شهير إلى رفض وقف العمال، وطالب بإعادتهم للعمل، على رغم أن فترة الإغلاق التي أعلنتها الدولة لم تتجاوز الأسبوعين، لكأن منح العمال راتباً عن تلك الفترة يمثل كارثة بالنسبة له، أو لكأن صحة العمال ومرضهم وموتهم لا تعني له شيئاً، فيما قال آخر: "لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلّس"، من دون أن يحدد مفهوم "الشوية"!!!
تلك هي "العولمة المتوحّشة"، أو "الرأسمالية المتوحّشة" التي لا تأبه لمصير الإنسان، ولا يعنيها سوى مراكمة المليارات، بينما تعيش غالبية الشعب بدخول محدودة أو تحت خط الفقر.
ذاك هو المعلم الأهم الذي جاء "كورونا" وهو يتسيّد المشهد العالمي، إن كان على صعيد التفاوت الاقتصادي بين الدول الغنية والفقيرة، أم على صعيد التفاوت الطبقي الرهيب الذي عكسته أرقام المنظمات الدولية، مثل "أوكسفام" وسواها، والتي لا نريد استعادتها، حيث أفردنا لها مقالاً خاصاً هنا قبل أسابيع.
في هذا السياق كان المشهد الأكثر حزناً في قضية "كورونا" والحجر المنزلي الذي فرضته كثير من الدول، وهي محقّة بالطبع، يتمثل في تلك الفئة العريضة من البشر التي تحصّل رزقها يوماً بيوم، ولا شيء توفّره بعد مصاريفها، فيما يئن كثير منهم تحت وطأة أقساط البنوك، جراء حاجيات اشتروها. هذه الفئة هي التي انتبهت إليها الكثير من الدول الغربية، وقدّمت لها المساعدات، وإن كان النصيب الأكبر من تلك المساعدات يخصّ الشركات المتضررة.
لكن هذه الفئة لم تحضر في سياسات الدول الفقيرة بسبب الإمكانات، وكان لا بد أن ينتبه إليها الموسرون من الناس، بحيث يمدّون إليها يد المساعدة، إن كان من أموال الزكاة لمن يدفعون الزكاة، أو من العطاء العادي. والبشر الذين لا تحركّهم للعطاء أوضاع مثل هذه الجائحة الصعبة، فلن يحرّكهم شيء.
لا شك أن التكافل والتضامن والعطاء في ديارنا جيد إلى حد ما، لكن تعزيزه في هذه المرحلة أمر لا بدّ منه كي لا تُترك الفئة التي تحدّثنا عنها نهباً للحاجة.
أما منظومة التفاوت الطبقي الرهيبة على مستوى العالم، فهي معضلة من المعضلات التي لن تبقى من دون شكل من أشكال الاحتجاج عليها من قبل الفقراء؛ ما لم تنشأ سياسات جديدة تحابي الفقراء، خلافاً للوضع الحالي الظالم.
تبقى المعالجة الأشمل، والتي ينبغي أن توازن بين مواجهة الوباء، وبين عدم التعطيل الشامل لحركة الاقتصاد، وهي التي بدأت أكثر الدول بالميل إليها، مع ضرورة أخذ كل حالة على حدة، وفق ما تسمح به الإمكانات، ومع محاباة الفقراء أيضاً.