الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن الصراع السني ـ الشيعي: الفقراء هم الضحايا و القتلة أيضاً

عن الصراع السني ـ الشيعي: الفقراء هم الضحايا و القتلة أيضاً

10.05.2014
مازن كم الماز


القدس العربي
الخميس 8/5/2014
منذ وقت مبكر جدا من تاريخ الدولة، ثم الدول، العربية الإسلامية القروسطية أخذ الصراع على السلطة شكل الصراع المذهبي أو الطائفي .. عادة ما جرى التعبير عن معارضة السلطة القائمة عبر فرق مهرطقة أو معارضة لمذهب الدولة الرسمي .. شكل الخوارج والشيعية الزيدية وبعض القدريين المعارضة الفعلية لسلطة بني أمية قبل أن تتمكن الحركة العباسية من أن تحل مكان سلالة بني أمية عبر انقلاب دموي، لتتدرج السلطة الجديدة فيما بعد نحو تبني تفسير جامد شكلاني للنص ( أصبح ما يسمى بمذهب أهل السنة والجماعة ) بعد تقارب مؤقت عابر مع المعتزلة .. مع صعود الحركة الإسماعيلية عاد الصراع على السلطة ليدور على المحور السني – الشيعي، وسيتجدد ذلك مرة أخرى في القرنين الرابع والخامس عشر مع اشتداد الصراع بين السلاطين العثمانيين والصفويين .. قد يمكن فهم رد فعل المقهورين السنة في سوريا والشيعة في العراق (أيام حكم صدام) حيث قد تبدو لهم الطائفية المضادة لطائفية السلطة التي تقهرهم وكأنها عنوان المقاومة الحقيقي لنظام يغطي قهره لرعاياه بشعارات ‘علمانوية – قومجية’ الخ، تماما كما يمكن فهم ميل الأوكرانيين اليوم إلى الشوفينية القومية، وحتى النازية، التي تبدو وكأنها النقيض الفعلي ‘للأممية’ المزعومة للنظام الستاليني الذي قهرهم لعقود والذي يمثل بوتين استمراره المنطقي، لكن لا يمكن أبدا فهم موقف النخب من الطائفية، مثل موقف أسلافها من الصعود القومي بالأمس، إلا من موقع سلطوي يحرص على استلاب الجماهير وخداعها .. النظام السوري مثلا في محاولته لاستثمار الورقة الطائفية قسم الامتيازات بين غالبية العلويين ( الفقراء ) وبين النخبة السنية الثرية بحيث حصلت الأخيرة على حصة ‘الأسد’ من الثروة الوطنية طبعا بعد رأس النظام وكبار جنرالاته .. بينما حرص نظام آل الأسد على إبقاء الكتلة الرئيسية من العلويين البسطاء كعمالة فقيرة رخيصة ومتاحة ليوظفها في أجهزة أمنه وقطعان شبيحته مقابل رواتب وامتيازات تافهة ليموتوا اليوم بالآلاف دفاعا عنه وسط ازدراءه واحتقاره لهم، بالمقابل منح النظام كبار تجار وصناعيي حلب ودمشق، السنة في معظمهم، حرية واسعة نسبيا في تجميع ثروات طائلة من خلال نهب الفقراء من كل الطوائف ونهب البلد طبعا بعد دفع ما عليهم من خوات لصالح أكثر شبيحة النظام مجونا وعربدة، رامي مخلوف وأزلامه .. الطائفة كيان وهمي، لا وجود له في الحقيقة، ولا معنى له، وإذا استثنينا السفسطة اللغوية والهذر ‘التاريخي’ لرجال الدين الطائفيين عن أشخاص وأحداث لا علاقة لها بحاضرنا ومستقبلنا من قريب أو بعيد وحتى مشكوك بحقيقتها التاريخية، على الأقل كما تذكر في الرواية الرسمية السائدة للتاريخ، يستحيل حتى تقديم تعريف ذا معنى للطائفة، وينكشف هذا بكل وضوح عندما نجد النخب تدرج تحت مصطلح الطائفة بشرا كفقراء باب التبانة مثلا إلى جانب مليارديرات بيروت وطرابلس ناهيك عن ملوك وأمراء الخليج، أوفقراء مدينة الصدر والضاحية وعش الورور والسومرية إلى جانب كبار موظفي وجنرالات نظام طهران والمنطقة الخضراء ببغداد وآل الأسد بدمشق .. خلافا لكل المزاعم، لا يدور الصراع السني الشيعي اليوم في سبيل حرية فقراء سنة أو شيعة ..
الصراع السني الشيعي هو اختزال للصراع على الهيمنة على الشرق وثرواته الطائلة، تحديدا بين نظام ملالي طهران من جهة ومشايخ وأمراء الخليج على الضفة الأخرى .. لا علاقة للمقدس أو الجنة أبدا بهذا الصراع، ولا الفقراء ولا حريتهم .. يتركز هذا الصراع تحديدا حول النفط، على الثروة .. إذا كان ملالي طهران او شيوخ الخليج وموظفوهم من ‘رجال دين’ من الذين يأججون مقتلة الفقراء المسماة بالصراع السني الشيعي، إذا كان هؤلاء السادة ومرتزقتهم يرغبون بالجنة فعلا، يمكنهم عندها بكل بساطة التنازل عن النفط وثروات ‘الدنيا’ لفقراء بلادهم وأن يتوقفوا عن نهبهم وقمعهم وأن يذهبوا ليقاتلوا بعضهم البعض في سبيل طائفتهم ومقدسهم .. إنها أسوأ مجزرة في تاريخ البشرية منذ عقود، إنه هولوكست الفقراء، وأسوأ ما فيه هو أن الفقراء هم القتلة والضحايا في نفس الوقت .. لكن مع ذلك لا يجب على الفقراء أن يلوموا إلا أنفسهم، لا طريق آخر، لا بديل عن هذه المقتلة إلا ان يكتشف الفقراء من كل الطوائف إخوتهم الحقيقيين على الطرف الآخر من الخندق، لا في قصور سادتهم ‘من ذات الطائفة’، عندها فقط سيستعر الصراع الحقيقي بين المقهورين ومن يضطهدهم وينهبهم حتى قيام شرق يعيش فيه كل البشر من كل الطوائف والقوميات والأجناس أحرارا ومتساوين، حتى إلغاء القهر والاستبداد نهائيا من الشرق، الأرض كلها.