الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن اللاجئين والنازحين... في لبنان الحزين!

عن اللاجئين والنازحين... في لبنان الحزين!

23.03.2014
سليم نصار


الحياة
السبت 22/3/2014
استقبل لبنان في القرن الماضي، موجتين من اللاجئين أحدثتا اضطراباً سياسياً واجتماعياً داخل تكوينه الديموغرافي: أولاهما موجة هجرة الأرمن في آخر عهد الامبراطورية العثمانية... وثانيتهما موجة الهجرة الفلسطينية بعد حرب 1948.
يتحدث المؤرخون بإسهاب عن مصير مليونين ونصف المليون أرمني مسيحي كان السلطان عبدالحميد (1894-1896) يعتبرهم شوكة في خاصرة الامبراطورية الهرمة.
وقد اتهمهم بالانحياز الى روسيا، الأمر الذي عرّضهم لانتقامات الشعب العثماني بحيث قضى على خمسين ألف شخص منهم في مذابح متفرقة.
عام 1915، أنشأ الأرمن كتيبة مساندة للجيش الروسي كانت تنشط وراء خطوط جبهة القتال. لذلك قررت الحكومة في اسطنبول التخلص ممن تعتبرهم طابوراً خامساً، مستخدمة لتحقيق ذلك الهدف كل وسائل الترهيب والطرد الجماعي.
وكان من نتيجة ذلك التهجير القسري أن مات من الجوع والإرهاق والتشرد نحو مليون عجوز وإمرأة وطفل.
الحرب التي افتعلتها اسرائيل عام 1948، بغرض تثبيت قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، كانت محطة محورية في تاريخ القضية الفلسطينية. خصوصاً بعدما أتبعت عصابات الهاغانا والارغون انتصارها بارتكاب مجازر جماعية كانت أبشعها مجزرة دير ياسين (آذار-مارس 1948). ذلك أنها لعبت دوراً فاصلاً في خلق أجواء الذعر والترهيب، الأمر الذي دفع بالفلسطينيين الى الهرب عبر البحر والبر باتجاه الأردن وسورية ولبنان.
أول تقرير صدر عن الأمم المتحدة قدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين عام 1949 - أي بعد مرور سنة على النكبة - بأكثر من 726 ألف نسمة.
الموجة الثالثة كانت من اللاجئين السوريين، الذين تدفقوا باتجاه الدول المجاورة، أي الأردن وتركيا ولبنان، هرباً من حرب أهلية انفجرت قبل ثلاث سنوات في درعا. وقد ارتأت الدولة اللبنانية أن تصنّفهم في خانة "النازحين" كونها تعتبر وجودهم موقتاً بانتظار حسم الوضع العسكري في بلادهم. وعليه قررت اعتماد سياسة النأي بالنفس بحيث تتجنب سياسة الانحياز الى النظام أو الى المعارضة، حفاظاً على سلامة الاستقرار الداخلي.
في هذا الوقت، أخذ الأردن الاحتياطات اللازمة لإقصاء مشكلة النازحين السوريين عن الواقع المحلي، تحسباً لمواجهة الظروف الصعبة المتأتية من وجود أعداد كبيرة من النساء والأطفال والعجزة. لذلك قررت عمّان إنشاء مخيم "الزعتري" الذي تبلغ مساحته خمسة كيلومترات مربعة، بغرض توفير المأوى لأكثر من 590 ألف سوري.
وبسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض المعدية، فقد مات من النازحين أكثر من مئتي طفل ومسنّ خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. علماً أن العيادات تسجل ولادة مئتي طفل في نهاية كل شهر.
ويوجد في الأردن حالياً ثلاثة مخيمات، إضافة الى مشروع مخيم رابع صُمِّم لاستقبال مئة ألف شخص من النازحين الجدد.
أما في تركيا، فإن الحكومة اضطرت الى رفض عدد كبير من النازحين، بعدما ضاقت المساحة المخصصة للمخيم الضخم عن استضافة أكثر من 650 ألف سوري. وذُكِر في هذا السياق، أن قرار المنع صدر بعدما تأكدت الدولة من أن بعض النازحين شارك في عمليات تفجير خدمة للنظام السوري.
تفيد معلومات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بأن عدد السوريين الهاربين من الحرب تخطى الأربعة ملايين نسمة. وقد نال منهم لبنان النصيب الأكبر بحيث وصل عدد المسجلين رسمياً الى 962 ألف شخص، إضافة الى غير المسجلين الذين يشكلون معهم رقماً مذهلاً يصل الى مليون ومئتي ألف نسمة.
وترى وزارة الخارجية والمغتربين أن هذا الوضع المستجد سيدفع الشباب اللبناني الى الهجرة بحثاً عن فرص عمل في الخليج أو افريقيا أو أي مكان آخر. وتشير أرقام الإحصاء الى أن هناك أكثر من 16 ألف مواطن لبناني يهاجر شهرياً الى الخارج.
صحيح أن التحويلات النقدية التي يرسلها المغتربون الى ذويهم سنوياً تصل الى تسعة بلايين دولار... ولكن الصحيح أيضاً أن لبنان فقد ما نسبته 22 في المئة من أبنائه الشبان، في حين يحتل النازحون السوريون مواقعهم بتكلفة أقل.
ويحذّر المصرفيون من خطر الانهيار الاقتصادي، إذا استمر الطوفان البشري السوري في ملء الساحة اللبنانية بالفقراء والعاطلين من العمل. ومع استمرار هذا الوضع المقلق، فإن التطرف بدأ يطرق أبواب الفلسطينيين الذين اكتشفوا فجأة أن النازحين السوريين قد احتلوا مواقعهم حتى في الجنوب. وعلى رغم بُعد الجنوب من الحدود السورية، فإن انتشار النازحين ظهر كالغزو الاجتماعي في مواقع عدة بينها: مرجعيون وحاصبيا وكفرشوبا والهبارية وكفر حمام وشبعا وعين كنية والفريدس وعين جرفا وسهل إبل السقي.
واللافت أن مخيم جديدة-مرجعيون كان يؤوي منذ ثلاثة أشهر 7 آلاف نازح، بينما ارتفع عددهم هذا الشهر الى 32 ألف شخص. ومعنى هذا أنهم في تكاثر دائم بعدما أقفلت الأبواب في وجوههم، عربياً ودولياً.
وكان من الطبيعي أن يتساءل المواطنون عن دوافع الموقف الايجابي الذي اتخذه "حزب الله" من النازحين الى الجنوب. فعلى رغم الاختلاف المذهبي، فقد رحب الحزب بهم، وطلب من سكان الجنوب مساعدتهم وعدم التصدي لهم.
وكان هذا الموقف لافتاً كونه يتناقض وموقف الحزب من سنّة لبنان.
والسبب، كما يفسره بعض نواب الجنوب، أن نظام الأسد يسعده إفراغ سورية من غالبيتها السنيّة، ومن معارضة السنّة الذين يقاتلون لإسقاطه. وبما أن "حزب الله" قرر الدفاع عن هذا النظام بكل الوسائل المتاحة، فإن التخفيف من عدد السنّة يريحه.
وحول هذا السبب يمكن الرجوع الى مشروع قانون الانتخابات العامة الذي أقره، الأسبوع الماضي، مجلس الشعب السوري.
وكان المجلس أقر المواد المتعلقة بانتخاب السوريين غير المقيمين على الأراضي السورية. وتجيز المادتان 105 و117 حق الاقتراع بواسطة جواز سفر سوري عادي ممهور بختم الخروج من جانب الأمن العام. وبما أن هناك أكثر من خمسة ملايين سوري غادروا البلاد من دون ممارسة هذه الإجراءات الرسمية، فإن عملية انتخاب بشار الأسد لولاية أخرى بعد 17 تموز (يوليو) ستكون مريحة وسلسة. هذا، إضافة الى آلاف المعارضين الذين غادروا سورية، وانتهت مدة صلاحية جوازاتهم.
وفي هذا السياق، يجزم أنصار الأسد بأنه سيخوض معركة الرئاسة لأكثر من سبب: أولاً - لأن الرئيس فلاديمير بوتين يهمه تعزيز كتلة مؤيديه بين الدول، نكاية بالولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي. ثانياً - لأن ايران تعتبر نفسها منتصرة في سورية والعراق، وأن هذا التقدم سيؤثر في انتخابات الرئاسة في لبنان. ثالثاً - مطلع هذه السنة، أعلن الأسد أن خوض معركة الرئاسة "رهن بإرادة الشعب." وبما أن سورية بعد 3 سنوات حرب، فرغت من الشعب المعارض، فإن "شعب" الأسد جاهز لتحقيق هذه الرغبة.
بقي السؤال المتعلق بقرار امتناع لبنان عن بناء مخيم لاستيعاب النازحين السوريين، أسوة بتركيا والأردن!
جواب الدولة يدعو الى مراعاة الظروف السياسية التي تتحكم بقراراتها. ذلك أن اختيار مكان تشييد المخيم قد يُحدث عاصفة من الاعتراض. هل يقع الاختيار على منطقة مسيحية... أم منطقة إسلامية؟ وهل تكون قرب عرسال أم قرب طرابلس في عكار؟
القرار الذي اتخذته حكومة تصريف الأعمال في لبنان أثار موجة من التساؤلات المتعلقة بتطبيق سياسة النأي بالنفس على مسألة النزوح الجماعي. والسبب أن الدولة اللبنانية مصادقة على اتفاقية حقوق الانسان، الأمر الذي يستدعي معالجة هذا الموضوع من زاويته الانسانية.
وهذا ما أشار اليه رئيس الحكومة السابقة نجيب ميقاتي، خلال ترؤسه حفلة إطلاق التقرير السادس لخطة معالجة تداعيات الأزمة السورية على جارته. قال إن لبنان اعتمد سياسة النأي بالنفس عن النزاع الدائر في سورية. ولكنه لم يستطع تطبيق هذا المبدأ لأسباب إنسانية.
ومثل هذا التوجه يتحكم بالعمليات التي تقوم بها الدولة مع اللاجئين الفلسطينيين. ذلك أن مصادقة الدولة على اتفاقية حقوق الانسان، لا تعفيها من المسؤولية الأدبية والإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين أيضاً.
ومع تنامي خطورة هذه الأزمة، يتساءل المواطنون اللبنانيون عن مستقبلهم الغامض في حال استمرت اسرائيل في رفض تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين... أو في حال رفضت سورية استرجاع النازحين؟!
* كاتب وصحافي لبناني