الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن المحاباة "الأممية" لنظام دمشق

عن المحاباة "الأممية" لنظام دمشق

06.09.2016
عبدالوهاب بدرخان


العرب
الاثنين 5/9/2016
لعل كثيرين استهجنوا تقارير عن عشرات ملايين الدولارات، قدّمتها الأمم المتحدة في إطار برامجها الإغاثية إلى مؤسسات وهيئات قريبة من النظام السوري. ورغم أن أوساطاً في المعارضة السورية، كما في بعض المنظمات الدولية، تعتبر ما ذُكر عن هذه الأموال قديماً، إلا أنها رحبت بكشفه، وإنْ لم تكن متفائلة بأنه سيغيّر شيئاً في نهج المحاباة الذي تعاملت به الأمم المتحدة ووكالاتها مع نظام دمشق. ذاك أن ملاحظات وانتقادات موثّقة وجّهت إلى المعنيين بالتفاوض على تخفيف الحصارات وإيصال المساعدات الإنسانية، لم تلقَ صدىً ولم تنعكس على أداء المبعوثين الدوليين. فهؤلاء كانوا ولا يزالون مدركين مأساوية الأوضاع الصحية والمعيشية لسكان مناطق محاصرة، لكنهم تذرّعوا دائماً بأن الأمم المتحدة محكومة بالمرور من خلال "الحكومة" القائمة، طالما أن مجلس الأمن لم يقرّر تجاوزها مع حماية دولية للإغاثيين.
معنى ذلك عملياً أن يجوع الناس ويموت الأطفال والعجزة لنقص في الأغذية والأدوية، وأن يرضخ المجتمع الدولي لدور المتفرّج. لم تتأخّر الأزمة في إظهار الصعوبات، فمنذ أواخر 2011 أدرك الخبراء الأمميون أنهم إزاء حال غير مسبوقة، لكنهم لم يحاولوا الابتكار ولا الالتفاف على البيروقراطية لإقامة برامج مساعدة ثابتة لمناطق خرجت عن سيطرة النظام. والواقع أن أحداً لم يحتج على مساعدة المهجّرين الذين لجؤوا إلى مناطق تحت سيطرة النظام، بل كانت هناك شكوك في صواب الاعتماد على مؤسسات النظام أو أخرى قريبة منه لإيصال المساعدات إلى المحتاجين. ومنذ منتصف 2013 على الأقل، بدأ سوريون موالون ومعارضون يلمسون وجود ما سمّوه "بزنس الإغاثة" الذي ظهرت نتائجه في إثراء سريع لمدنيين وعسكريين قريبين من رأس النظام.
سواء كانت المساعدات مالية أو عينية، فإن الأمم المتحدة كانت عاجزة عن التحكّم بوجهة صرفها وطرائق توزيعها، وإذا كان لديها خبراء للمراقبة فإما أنهم تعرّضوا للتضليل أو للابتزاز أو حتى لإغراءات. إذ لا يمكن مثلاً تفسير مساعدة من "يونيسيف" (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، بمعزل عن قيمتها، لجمعية خيرية اسمها "البستان" يملكها ابن خالة بشار الأسد رجل الأعمال رامي مخلوف، أغنى أغنياء سوريا ومحتكر معظم تجاراتها، وأحد أوائل المدرجين على لائحة العقوبات الغربية. لكن الأسوأ أن القاصي والداني يعرف، ويُفترض أن ممثلية الأمم المتحدة في دمشق تعرف، أن جمعية "البستان" هو الاسم الخادع لميليشيا يرتكب "شبّيحتها" جرائم وانتهاكات شتى حتى في مناطق موالية.
يمكن أي تدقيق في المجالات الصحية أو الزراعية أو الغذائية أن يتوصّل سريعاً إلى حقيقة أن ربع المساعدة يذهب الى الجهة الصحيحة بغية إعداد التقارير الإدارية، أما الباقي فيوزّع على هيئات تابعة لمحاسيب يتصرّفون بها كما يشاؤون، لذا تلهج أوساط القريبين من النظام بالنقمة على تفضيله أشخاصا على حساب آخرين. وقد حصل مثلاً، أكثر من مرّة، أن اختفت فجأةً سلعٌ معيّنة ثم ظهرت فجأة أيضاً لكن بأسعار أعلى. فثمة جهة في النظام أمرت بالإخفاء لتعطيش الأسواق، ثم باعت السلع التي تلقتها مجاناً (من الأمم المتحدة) إلى التجار، أما العائد الإجمالي فيذهب إلى "جمعيات" تترأس إحداها زوجة رئيس النظام، أو إلى أخرى تشرف عليها هذه المستشارة أو تلك المساعدة.. لكن المحاباة الأممية لم تقتصر على المساعدات والتقديمات بل امتدت إلى تمكين النظام من تحريف بعض الوثائق، كما حصل لتقرير يصف المجاعة التي ضربت بلدة مضايا.;