الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن الواقعية السياسية وابتذالها

عن الواقعية السياسية وابتذالها

13.12.2020
بسام يوسف


سوريا تي في
السبت 12/12/2020
أوصلنا "كومبارس المعارضة" الذين يتبعون تعليمات أسيادهم في الخارج، إلى إزاحة جوهر القضية السورية جانباً، وغرقوا وأغرقونا في هوامشها، وكأنَّ حقوقنا نحن السوريين ليست مهمة إلى حد اعتبارها لب المشكلة وجوهرها، أو كأنَّ مصيرنا ومصير وطننا هو تفصيل، ليس أكثر أهمية من مصالح تركيا، أو روسيا، أو عصابة عائلة الأسد... أو غيرهم.
أصبحت معاركنا الكبرى هي منصات الوهم المتعددة، أو هي نقاش دستور مخصي، يُمكن لعشيقة من عشيقات بشار الأسد أن تقذف به إلى المزبلة، أو هي لقاء معارض مسخ لمسؤول في هذه الدولة أو تلك، ولم تعد ثورة شعب، وحقوقه، ومصيره ومصير أجياله.
منذ أن أدار أول جندي سوري وجهه باتجاه الداخل السوري، وغادر ثكنته متوجهاً لمواجهة الشعب السوري، الذي ثار ضد النظام البوليسي الحاكم في دمشق، فقد بشار الأسد كل شرعيته، ورغم أنها شرعية ضحلة أساساً، ولا يُمكن لأحد أن يعتدَّ بها، إلا أنها كانت رغم تفاهتها تستر فضيحته.
عندما اختار بشار الأسد التمسك بالسلطة، مهما يكن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري، مقابل ذلك التمسك، فإنّه اختار بوضوح شديد أن يكون عدواً للشعب السوري، وبالتالي فإن الأسس التي يقوم عليها وجوده في موقع رئاسة الجمهورية أصبحت لاغية، والمعادلة التي تنظم علاقة الدولة والحكومة والشعب، بموجب الدستور، أصبحت بالضرورة بحاجة إلى استعادة شرطها الحقيقي، وهو أن يكون موقع الرئاسة لخدمة وحماية الدولة والمجتمع.
يكفي أن يُطلق جندي سوري طلقة واحدة بأمر من بشار الأسد على مواطن سوري متظاهر، ليفقد بشار شرعيته كلّها
إن ما يجري الآن من تجاهل لهذا الأمر، ومحاولة تعويم بشار الأسد، هو انتهاك وقح لحق السوريين، ولروح دستورهم، ونسف كامل لمعنى الديموقراطية، ولمعنى الدولة، إذ يكفي أن يُطلق جندي سوري طلقة واحدة بأمر من بشار الأسد على مواطن سوري متظاهر، ليفقد بشار شرعيته كلّها، فكيف تتجرؤون إذاً بعد عشر سنوات من الجرائم، والإبادة والتهجير والنهب، التي ارتكبها بحق الشعب السوري، على أن تتفاوضوا على وجوده في موقع الرئاسة؟
لم يكتفِ بشار الأسد بوضع الجيش السوري في مواجهة الشعب السوري، وهذه لوحدها خيانة عظمى بالمعنى الوطني، بل استقدم جيوشاً وميليشيات واستقوى بها على الشعب، ثم راح يهدر إمكانات وثروات سوريا، ويرهنها للمحتلين، وغطى الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها هذه الاحتلالات والميليشيات.
اليوم وباسم الواقعية السياسية، يتم تجاهل الحقائق الأهم في الحدث السوري، ويتم وأد جوهر الثورة السورية، ووأد حقوق السوريين.
إنّ أقصى ما يمكن للواقعية السياسية أن تنحطَّ إليه، هو الموافقة على عدم محاكمة بشار الأسد بتهمة الخيانة العظمى، وبتهمة جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، وغيرها من الجرائم، والسماح له ولعصابته بالإفلات من العقاب، وهذه الموافقة بحد ذاتها هي عار، ليس على من يوافق من السوريين عليها فقط، بل هي عار على البشرية، وقيمها، وامتهان وقح للحقوق الأساسية التي أقرتها القوانين الدولية.
إنّ رفض السوريين لتعويم بشار الأسد، لا يستند فقط على ما ارتكبه من جرائم بحقهم وبحق وطنهم، بل لأن ما سوف يترتب على بقائه هو كارثة وطنية، ستقود سوريا إلى تداعيات خطيرة، قد تصل حد انتهاء سوريا كدولة.
ماذا سيحصل لو بقي بشار الأسد في موقع الرئاسة؟
أولاً - ترسخ الاحتلالات لوجودها في سوريا، وبالتالي فإن سوريا ستدخل في نفق مناطق نفوذ متعددة، سيفضي إلى تقسيم سوريا لاحقاً، أو إلى قيام كيان هش غير منسجم، وقابل للانفجار والانهيار في أي لحظة.
ثانياً - توقف مشاريع إعادة بناء سوريا، وإبقاء الحصار عليها، وخوض تجربة تشبه إلى حد كبير تجربة العراق مع الحصار، والتي استمرت أكثر من عشر سنوات، ذاق الشعب العراقي خلالها الويلات، ودفع ثمنها باهظاً جداً.
ثالثاً - تحطم القليل المتبقي من إمكانات سوريا، واستنزاف كل إمكاناتها، وارتهانها لسنين طويلة قادمة، لدول واتفاقات، وعقود لمصلحة أطراف خارجية.
رابعاً - تحوّل الدولة السورية بكاملها إلى دولة مارقة، دولة تديرها مافيات، ويمكننا تلمس التوجه الجديد لهذه المافيات، من حوادث تهريب المخدرات التي أصبحت فضيحة، والتي وضعت المرافئ السورية موضع الشبهات في كل مرافئ العالم.
خامساً - انهيار المجتمع السوري، وانهيار علاقاته، وما تبقَى من مؤسساته الصحية، والتعليمية، والقضائية.
إذا استثنينا عائلة الأسد وزمرة اللصوص المحيطة بها، فليس هناك مصلحة لسوري واحد في بقاء بشار الأسد
سادساً - إفلات كل المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين من المحاسبة، وإهدار حقوق الملايين من السوريين، ونهب أملاكهم.
إذا استثنينا عائلة الأسد وزمرة اللصوص المحيطة بها، فليس هناك مصلحة لسوري واحد في بقاء بشار الأسد، مهما تكن طائفة هذا السوري، أو دينه، أو رأيه السياسي...الخ.
إذا كانت مصالح الأطراف الخارجية الطامعة بسوريا، تتطلب الإبقاء على بشار الأسد من أجل حماية مصالحها، فليس هناك أية مصلحة للسوريين في ذلك، ولا يمكن لأي انتخابات يُطرح فيها اسم بشار الأسد، ومهما تكن نسبة المشاركة فيها، أو مهما تكن نتائجها، أن تكون شرعية.
في المادة 84 من الدستور السوري، الذي وضعه بشار الأسد وصاغه على هواه وكما يشتهي، وفي البند الثالث منها: "يشترط في المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره"، هل هناك جريمة أو فعل شائن لم يرتكبه بشار الأسد بحق السوريين؟
أي مستقبل لسوريا وللسوريين أن يكون رئيسهم مجرما، ومطلوبا لمحاكم دولية، وضعيفا ومرتهنا لأطراف خارجية تتحكم به وبقراراته، ويعمل كواجهة لها ولمصلحتها فقط، خصوصاً في الوضع الراهن الذي تعيشه سوريا والسوريين، حيث نصف الشعب السوري نازح أو لاجئ، وحيث الانهيار التام في البنية التحتية، وفي الاقتصاد، ومؤسسات الجيش، والتعليم، والصحة والقضاء؟
لا معنى هنا لهذا التشاطر السياسي المفضوح، ولا لألاعيب المصالح، ولا لمفاهيم الواقعية السياسية المبتذلة، وموازين القوى، ففي هذه الحالة ثمة حقيقة واحدة يمكن اعتبارها، وهي أنه من يريد لسوريا أن تخرج من كارثتها، وأن توضع على سكة التعافي التي قد تطول لأجيال، ومن يريد أن تنتهي مأساة السوريين كلّهم، وبغض النظر عن أي تصنيف لهم، هو أن يطالب بمحاكمة بشار الأسد وعصابته، وإن لم يكن هذا ممكناً، فليس أقل من اقتلاعهم من سوريا.
ما تقوم به روسيا وإيران اليوم، وعبر أدوات سورية من نقاش حول دستور، وحول ترتيب جديد لسوريا، يسمح بالإبقاء على بشار الأسد بهذه الصيغة أو تلك، هو إجهاض كامل لحق السوريين في تقرير مصير وطنهم، وتسفيه لحلمهم، وإنكار وقح لدماء أبنائهم، وهو فضيحة لهذه الدول، وخيانة يرتكبها السوريون المشاركون بهذه المهزلة، بحق وطنهم وشعبهم.
عن أي هيئة عليا للانتخابات يتحدث أولئك؟ وعن أي دستور؟ إنها الفضيحة...فضيحة عارية وصفيقة.