الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن حسين العودات

عن حسين العودات

11.04.2016
معن البياري


العربي الجديد
الاحد 10/4/2016
أجمعت كتاباتٌ نعت، في اليومين الماضيين، الكاتب السوري، حسين العودات، على "ميزةٍ" حازها، من بين كثيرين من أترابه المثقفين من بني جلدته، هي بقاؤه في سورية في أثناء محنتها الراهنة، محافظاً، في الوقت نفسه، على انحيازه ضد التسلط والاستبداد والفساد، وعلى قناعته بوجوب حلّ سلمي للأزمة الحادثة في وطنه، وعلى إيمانه المؤكد بأهداف الثورة السورية التي انطلقت من مدينته، درعا، قبل خمس سنوات. بدا أن التنويه بمرابطة حسين العودات في دمشق، في استعراض سيرته، وفي الإضاءة على مؤلفاته وتجربته الثقافية والسياسية، مع وفاته يوم الجمعة الماضي، ينطوي على إعجابٍ مضاعفٍ بالرجل، وعلى سؤالٍ مضمر عن أسباب من غادروا بلدهم، وكان في وسعهم البقاء فيه، أو ربما كان لازماً أن يبقوا فيه. وأتذكّر، هنا، عدم استحسان الروائي السوري، خالد خليفة، السؤال الذي كثيراً ما يُطرح عليه، في غير بلدٍ عربي، عن سبب بقائه، إلى الآن، في سورية. وفي الوسع أن يُقال إن حسين العودات لم يكن يرى في "صموده" في دمشق أفضليةً لديه على غيره من زملائه المثقفين السوريين، الوطنيين ذوي الخيار التحرّري الديمقراطي، والذين ما "نفوا" أنفسهم خارج بلدهم إلا لشعورهم بأن أدواراً في وسعهم النهوض بها، لخدمة القضية السورية، بشكل أكثر جدوى ونفعاً مما لو ظلوا تحت الحصار المعلوم، وفي أجواء التضييق المعروفة، وفي ظل سقوف السلطة، ولعبتها السخيفة في التمييز بين "معارضة وطنيةٍ" و"معارضة غير وطنية".
من شمائل غير قليلة في الراحل النظيف، حسين العودات، أنه كان مطبوعاً بمقادير غزيرة من البساطة والروح السمحة التي تكاد بلا حدود، وربما الوداعةُ التي كانت باديةً في شخصه هي التي جعلته غير جذريٍّ في ثوريّته، وغاندياً في معارضته السلطة في بلده، ربما يراها بعضنا، من زاويةٍ راديكاليةٍ، مشوبةً ببعض المحافَظة. وفي الوقت نفسه، حظي بإجماعٍ تام (بلا مبالغة؟) من كل تلوينات المعارضات السورية الوفيرة، على مناقبيّته الوطنية، وأخلاقيّته الرفيعة في تمسّكه المؤكد بوجوب تخلص السوريين من الدولة الأمنية، ومن حكم النظام الشمولي. عمل موظفاً رفيعاً في الدولة السورية، سنواتٍ طويلة، وكان في وسعه أن يصير وزيراً لو جال في خاطره أمرٌ كهذا، غير أنك، في غضون وظائفه الحكومية، قبل عهد حافظ الأسد وفي أثنائه، لا تعثر على ما يخدش الحيّز الذي أراده لنفسه، مثقفاً صاحب خيار آخر غير الذي تُريده السلطة، أي الالتحاق الذيلي بها من النوع إيّاه. وفي الوسع أن يُقال، هنا، إنها ليست مصادفةً أن يكون آخر كتب الراحل هو "المثقف العربي والحاكم" (دار الساقي، 2012). وقد جاء فيه على محاولات الحاكم العربي فرضه على المثقف "الطاعة في مقابل امتيازاتٍ يقدّمها له". كأنه ودّ أن يودّع الحياة (عن 79 عاماً) وقد قال كلمته في هذا الشأن الشائك، وفي سورية خصوصاً التي تقيم منذ أزيد من خمسين عاماً تحت سلطةٍ لم تر للمثقف غير دور الطاعة.
تابع حسين العودات نشاطه مثقفاً مدنياً، صاحب موقف، في مقالاته التي واصل نشرها، في صحيفتين عربيتين، من دمشق نفسها، عن الاستبداد والتوحش، عن راهن سورية وتشابك المصالح والمناورات والمعارك حولها. وفي كل ما كتب، بقي، رحمه الله، على مبدئيته في تأكيد حق السوريين بدولةٍ حديثة، تقوم على مرجعية المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. وهذه كلها، وغيرها، ثوابتُ في التشكيلات المدنية التي كان الراحل من مؤسسيها وفاعليها النشطين، منتدى الأتاسي وإعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وغيرهما، قبل أكثر من عشرة أعوام. وقد توازى حضور هذه المرجعيات في مؤلفات حسين العودات (منها "النهضة والحداثة بين الارتباك والإخفاق"، دار الساقي، 2011) وحضوره الفكري والثقافي في بلده مع شغفٍ بثقافة الجمال والإبداع، دلّت عليه إطلالة له على "السينما والقضية الفلسطينية"، في كتاب أنجزه بهذا العنوان (للتذكير فقط)، وكان من إصدارات دار الأهالي للنشر التي أسّسها، وطالعنا منها غير القليل الذي أحببنا وأمتعنا..