الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن "خطاب القوة والنفوذ ... من اليمن إلى لبنان!

عن "خطاب القوة والنفوذ ... من اليمن إلى لبنان!

22.12.2014
محمد مشموشي



الحياة
الاحد 21-12-2014
لا أحد يدرك ما يهدف إليه المسؤولون الإيرانيون عندما يخرجون على العالم، بين فترة وأخرى، للحديث عن "نفوذ إيران الذي يمتد من الخليج إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط"، ولا كذلك مغزى المكابرة في تضخيم هذا النفوذ وتعظيم شأنه وكيل المدائح له، عندما يجعلونه جزءاً ليس فقط من علاقات بلادهم مع العالم (ربما لمحاولة بيعه إياه؟)، إنما أيضاً في علاقاتها مع بلدان وقوى المنطقة التي تدرجها واحدة بعد أخرى باعتبارها ساحة مشمولة بهذا النفوذ. لكن لا يمكن أن يلقى مثل هذا الكلام على عواهنه، بقدر ما لا يجوز أن ينظر إليه من هذه الزاوية.
ذلك أن من عادة الدول أن تنفي، أو تلتزم الصمت، أو أقله تتحدث بخفر وحياء، عن كل ما يتعلق بنفوذ أو دور لها خارج حدودها الجغرافية.
آخر ما قيل في هذا السياق، كان التصريح الذي أدلى به قبل أيام مستشار الشؤون الدولية لـ"الولي الفقيه" علي أكبر ولايتي، وحدد فيه نطاق نفوذ بلاده بأنه "يمتد من اليمن إلى لبنان". وكان قد سبقه زملاء كثيرون له، بمناسبة ومن دون مناسبة، فأعلنوا أن قواتهم (المقصود قوات "حزب الله") باتت على تماس مباشر مع إسرائيل، وأن العراق وسورية يشكلان مع إيران والحزب "رأس الحربة" في مواجهة ما يسمى "الاستكبار العالمي"، وصولاً في المدة الأخيرة، بعد تقدم الحوثيين في اليمن، إلى القول بصفاقة إن صنعاء كانت العاصمة العربية الرابعة التي سقطت في أيدي إيران عقب شقيقاتها دمشق وبغداد وبيروت الخ...
لكن لماذا هذه المكابرة في الحديث عن نفوذ إيران في المنطقة، على افتراض صحته، خاصة على المنابر الدينية والسياسية الإيرانية وفي الإعلام؟!.
إذا قيل إن الهدف هو اطلاع دول العالم، الكبرى تحديداً، على مدى قوة "الجمهورية الإسلامية في إيران" ونفوذها في المنطقة، وبالتالي انتزاع الاعتراف بها كقوة فاعلة ومؤثرة فيها كما في العالم، فغني عن البيان أن هذه الدول تعرف جيداً حدود القوة والنفوذ هذين ولا حاجة بها إذاً إلى تصريح أو بيان من مسؤول إيراني، لتبني على رأيه موقفها من طهران من ناحية، وموقفها من أي دور يمكن أن تلعبه في الإقليم أو في العالم من ناحية ثانية.
ولعل المفاوضات النووية التي تجري بينها وبين القوى الكبرى الست منذ أكثر من عام، كما العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية المفروضة عليها منذ أعوام، تعني عملياً الكثير، إن بالنسبة إلى وضع إيران الداخلي، أو بالنسبة إلى دورها الإقليمي، أو بالنسبة إلى المجتمع الدولي وإمكان اعترافه بهذا الدور.
إذاً، مكابرة القادة الايرانيين في الحديث عن نفوذ دولتهم خارج حدودها، وحتى هيمنتها المباشرة ليس على دول وأنظمة حكم وأراض فيها فقط، بل أيضاً على شرائح طائفية واجتماعية وميليشيات مسلحة، إنما تهدف على الأغلب إلى أمر مختلف. أما سبب ذلك فيعود إلى أن رجال الدين الذين يحكمون هذا البلد منذ أكثر من ثلاثة عقود لم يظهروا سابقاً كمجموعة من السذج أو المبتدئين في السياسة، لا في الداخل الإيراني ولا في الخارج، ولا خاصة في الإعلام وطريقة مخاطبة الناس.
فواقع الحال أن نظام "الولي الفقيه" في إيران، لا سيما في الفترة الراهنة، يحس بأنه في حاجة إلى إعادة تمكين فئتين من رعاياه في وقت واحد: المؤمنين به والمؤيدين لسياساته في الداخل، في ظل الضائقة الاقتصادية/ الاجتماعية الخانقة التي يعانون منها وتصاعد وتيرة التململ الشعبي من فقدان الحريات العامة، وفئة المنتمين إلى المذهب الشيعي في العالم العربي الذين محضوا ثقتهم لـ"الولي الفقيه" بوصفه ممثل "الإمام الغائب" الذي طالما حدثهم عن قرب ظهوره، وتالياً قرب الخلاص بعد هذا الظهور، والذين يشاهدون بأم العين نتائج سياساته في العراق وسورية على وجه التحديد.
وليس من المبالغة في شيء أن هذا النظام حقق، لهاتين الفئتين، ما اعتبره واعتبرتاه إنجازات في خلال الأعوام الـ35 الماضية، إن في نظر دول العالم التي تحاوره حول ملفه النووي كما في شأن شبكة صواريخه العابرة للقارات وميليشياته المنتشرة في العالم، أو في نظر دول المنطقة التي تجد نفسها في حرب يومية معه، بسبب أطماعه فيها من ناحية وتواجد مواطنين من الطائفة الشيعية في الكثير منها من ناحية ثانية.
وما يريده هذا النظام، في خطاب القوة والنفوذ والغلبة الدائمة الذي يستخدمه، هو تثبيت "المؤمنين" به وبسياساته، فضلاً عن "انتصاراته الإلهية" (كما في 2006 في لبنان)، على إيمانهم، خوفاً بالدرجة الأولى من انهيار وضعه في سورية والعراق، وتحوطاً كذلك لفشل مفاوضاته المؤجلة مع الدول الست، وبالتالي بقاء العقوبات الاقتصادية والمالية على ما هي عليه لفترة أخرى.
وإذا كان صحيحاً ما يقال عن تقلص تقديمات إيران المالية للميليشيات والحلفاء في الخارج، نتيجة الضائقة التي تعاني منها، لا سيما بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط، وإذا كان صحيحاً في الوقت ذاته ضيق الرئيس حسن روحاني بتشدد المحافظين حول المفاوضات مع الدول الست في شأن الملف النووي والعقوبات (تعهد أخيراً بأنه سيقف في وجههم)، فلن يكون مبالغاً به اعتبار أن خطاب القوة والنفوذ والغلبة يصب في السياق إياه.
للمناسبة: لا يتحدث إعلام "حزب الله" بدوره حالياً إلا عن "رعب" إسرائيل من احتمال أية مواجهة مع الحزب الآن أو في المستقبل.