الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن عاصفة الحزم

عن عاصفة الحزم

06.04.2015
ميشيل كيلو



العربي الجديد
الاحد 5-4-2015
في حياة الشعوب والأمم "أحداث كاشفة" تبين حقيقة أوضاعها. تكون مفاجئة غالباً، لكن نتائجها تفصح عن واقعها الذي يترك الكشف عنه آثاراً بعيدة المدى على أطرافه، تظهر في ردود أفعالها، كما حدث، مثلاً، بعد إعلان الكومندر الأميركي بيري فتح اليابان أمام التجارة الدولية عام 1852، وهزيمة روسيا أمام اليابان عام 1905، حيث أعقبت هزيمة اليابان إصلاحات الميجي، وهزيمة روسيا ثورتا 1905 و1917.
تكتسب عملية "عاصفة الحزم" سمات "حدث كاشف"، سيبين حقيقة أوضاع العرب وإيران، وسيظهر الجانب الذي سترشحه نتائجه لتغيير ما في أوضاعه، في حال خرج خاسراً منه.
كشفت "العاصفة"، أول ما كشفته، أن لدى العرب قدرات لا يستخدمونها، يمكنها نقلهم من حالهم الراهنة إلى حال توازن مع غيرهم، يمكن أن يخرجهم من مآزقهم، إن أحسنوا استغلاله، ووفروا له شروطاً وطنية وقومية متكاملة، يحدث اشتغالها تحولاً جدياً يطاول جوانب عديدة من أوضاعهم، إن هو ارتكز على تفعيل مجتمعاتهم والتقدم المتوازن بين بلدانهم، وجسد فهما واقعياً لطابع أمنهم الجماعي، كأعضاء في جسدية تفاعلية وتكاملية المصالح والعلاقات، تشبه ما نراه اليوم بين مكونات دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذا الاحتمال يؤيده ما بينته "العاصفة" من أخطاء في الموقف من إيران، الذي كان يرى فيها قوة كلية الجبروت، لا قبل للعرب بمواجهتها وطنياً وقومياً، من الأفضل التكيف مع سياساتها وخطب ودها، وملاقاتها بعد منتصف الطريق، والتسليم بدورها العربي، والسكوت عن عدائه لهم، والقبول على مضض بما حققته طهران من اختراقات في بلدانهم، عبر قوى مذهبية تابعة لها، ما دامت أية معركة ضد أي تنظيم من تنظيماتها المحلية ستعني التورط في معركة مباشرة معها، من الحكمة تفاديها، لأن نتيجتها ستكون هزيمتهم.
إذا كان صحيحاً أن هدف "عاصفة الحزم" هو مواجهة إيران، وإخراجها من مواقع تحتلها في وطننا العربي، وكان صحيحاً، أيضاً، أنها ستكون معركة طويلة ومتشعبة، فإن من الصحيح، أيضاً، أن الطرف الذي ستنكشف هشاشته هو الذي سيكون أقل قدرة على الصمود والتحمل، وعلى التخطيط المحكم والقرارات الصائبة، وعلى حشد طاقاته، واستخدامها بطرق يعجز خصمه عن مقاومتها، وإدامة معركته في ظلها. هل أخذ من خططوا "للعاصفة" هذه الأسئلة بالحسبان، وأعدّوا للأمر عدته؟ أم أنهم بنوا عمليتهم على فرضية قبول إيران بهزيمة الحوثيين التي لا شك في أنه سيكون لها ذيول كارثية على أتباعها في ديار العرب، وداخل حدودها الخاصة، لأن هزيمة الحوثيين ستظهرها بمظهر العاجز عن حماية حلفاء غزوا بلدانهم، بتكليف منها، ونيابة عنها، لكنها تركتهم لمصيرهم وتخلت عنهم، مع ما سيرتبه ذلك من نتائج كارثية على نظامها الذي سيظهر حدث اليمن الكاشف كم هو هش وفاشل، وسيرغمه على الانكفاء على ذاته، لإجراء إصلاح يغير أوضاعه، يحافظ بواسطته على أمنه واستقراره، ويؤسس شروطاً أفضل للدفاع عن مصالحه، إذا لم تطح به ثورة تنتجها هزيمته؟
أدخلت "العاصفة" العرب والفرس إلى حلبة صراع طويل ومعلن، ستتعين نتائجه بقدرة كل منهما على تعبئة طاقاته، وتطوير معركته وزيادة زخمها في كل مجال، وبمعرفة نقاط ضعف خصمه واستغلالها ضده. إنها معركة يدخلها العرب متأخرين، لذلك، سيدور معظمها في أراضيهم ومجتمعاتهم، لكنهم لا يستطيعون خسارتها، لأن خسارتها ستعني دخولهم في زمنٍ، لا مكان ولا دور لهم فيه، يرجح أن يكون رد الفرس على هزيمتهم أمام الإسلام!