الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن عملية حزب الله الأخيرة

عن عملية حزب الله الأخيرة

01.02.2015
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 31-1-2015
قد تختلف مع حزب الله في كل شيء، قد تراه دولة ضمن الدولة اللبنانية، وجزءاً من الأزمة السورية لا من حلّها، قد تحسم أمرك بالقول إنه ذراع إيرانية للهيمنة على المنطقة العربية، لن أجادل في حقك بحرية ما تعتقد، لكن لا يمنعك حكمك هذا من رؤية فضائل خصمك، كما لا يحجزك كرهك له من أن تكون عادلاً في الحكم عليه، لست هنا في معرض المرافعة عن الحزب، بل أتحدث عن فعل مقاوم ضد احتلال غاشم جاثم على صدور الأمة العربية لعدة عقود، يوم الأربعاء الفائت، تمكن حزب الله من تصيّد عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
معلوم أن عملية الحزب كانت رداً على عملية القنيطرة التي استهدفت عدداً من قيادات الحزب مع ضباط من الحرس الثوري الإيراني في الأراضي السورية قبل عدة أيام، وكان المنطق يفترض أن يكون الردّ من الأراضي السورية، لكنه لم يحصل، بل جاء من داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، مفاجئاً إسرائيل وخالطاً جميع الأوراق التي كانت إسرائيل تريد أن تدينه بها.
بعض منّا قال: هذا انتقام إيراني من إسرائيل، وكلاهما عدو للعرب، بعض قال: الردّ جاء لدفع الإحراج الذي وقع به حزب الله أمام بيئته وجمهوره بعد سلسلة اعتداءات إسرائيلية على سوريا، وذهب آخرون في السذاجة حدّ القول إن الأمر برمته اتفاق إيراني- إسرائيلي للتمويه على التحالف القائم بينهما ضد الأمة العربية!
هنا لا يجد المنصف العاقل سوى الاعتراف للحزب بالفضل حين تتوجه البندقية للعدو الإسرائيلي الذي استباح الحرمات وداس المقدسات في عالمنا العربي.
عملية حزب الله وحّدت بندقية المقاومة على الأقل للحظات أو سويعات، لأول مرة منذ العام 2011 نرى هذا التوحد بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله، حركة حماس كبرى حركات المقاومة الفلسطينية لم تكتف بالوقوف إلى جانب حزب الله ودعمه في مواجهة الاحتلال، بل خرج أنصارها للاحتفال في الشوارع وقام البعض بتوزيع الحلوى وهو أمر انسحب على أغلب المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد توتر طال لأربع سنوات العلاقة بين الفلسطينيين والبيئة الحاضنة لحزب الله على خلفية الموقف من سوريا، بل اتُهمت المخيمات الفلسطينية في لبنان بأنها البيئة المنجبة للانتحاريين من جبهة النصرة وداعش التي حاولت أذية حزب الله وبيئته ومناطق تواجده في لبنان وسوريا.
لن تُسرّ إسرائيل في رؤية توافق مستجد بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وهي تحاول أن ترمي بجميع الأوراق للتفريق بينهما، فالأولى ليست سوى ذراع إيرانية في المنطقة غير آبهة بالمصالح العربية، وهو الأمر نفسه تلصقه إسرائيل بالمقاومة الفلسطينية، فتارة حماس أداة إيرانية لضرب مقومات الأمة العربية، وتارة هي جزء من "الجماعة الإرهابية" كما يحلو لبعض الإعلاميين تسميتها، ويدعو بعضهم إلى تجريمها وضربها عسكرياً دون أن نرى هذا الحماس يتجه نحو العدو الإسرائيلي.
من حق حزب الله وحماس وبقية قوى المقاومة أن تتفاهم وتنسق في القضايا المشتركة التي تهمهم جميعا، كما من حق كلّ منها أن تختلف في القضايا التي لا تجد نفسها في دائرتها، لكن لا هذا ولا ذاك يسمح لنا بأن نهاجم المقاومة بذريعة أنها مقاومة طائفية أو أنها أداة خارجية، فلا شيء يعادل العداء الإسرائيلي للأمة العربية والإسلامية، لا الاختلاف المذهبي، ولا الطموحات الإيرانية، ولا تجوز المساواة، بأي وجه من الوجوه، بين حزب الله وإيران من ناحية وبين إسرائيل من ناحية أخرى.
وإذا كانت العملية التي نفذها حزب الله قد تأذن مستقبلا بتوحيد قوى المقاومة وتوحيد البندقية وتصويبها نحو العدو الحقيقي للأمة فأهلا ومرحبا، ولا ينبغي لعاقل حريص على أمته ووطنه أن يشجبه، وإذا كان التقارب بين حماس وحزب الله قد يخفف من الاحتقان المذهبي في المنطقة أو يؤسس لحوار إيراني عربي تركي يهدف لتقريب وجهات النظر في كثير من القضايا ومنها الأزمة السورية، فلابدّ من دعمه أملاً في وقف النزيف اليومي لسوريا، شعبا ومقدرات.