الرئيسة \  مشاركات  \  عواملُ تدعونا للتفاؤل بمستقبل سورية

عواملُ تدعونا للتفاؤل بمستقبل سورية

09.01.2016
د. محمد عادل شوك




ثمّة رأيٌّ سائد أن العالم العربي حاليــًا، يعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخه، ربّما لا يصح مقــارنتها بأيّة فترة تاريخية أخرى سبقتها.
فكل دولة عربية لها مشاكلها العويصة، بيدَ أنَّ الحالة السورية تتصدّر المشهد دونها كلَّها، إلاّ أنَّها على الرغم من قتامتها، تُمثِّل بداية متفائلة لمستقبل موعود ينتظرها.
فالحرب المُدمرة مهمة في تكوين الأمم، إنّها أحد عوامل استبدال الأجيال المستهلكة بأخرى، تتهيّأ لتكون نواة النهضة فيها، ناهيك عن أنها نوع من تفريغ الصديد والعفــن الداخلي لكلّ فئة، ينتــج عنها اِتفاق على ضرورة التعايش السلمي بين مكونات هذا المجتمع، و تفجير للطاقات الداخلية في مجالات الإعمار، بدلاً من الإتيان على حياة هذه الطائفة، أو هذا المكوِّن.
و هذا الأمر يسهل معرفته في تاريخ الأُمم، و الشعوب من حولنا، فلو تركنا الحاضر قليلاً بكل مآسيه، واستشرفنا المُستقبل من خلال الوقوف على تاريخها؛ سنجِدْ أنّ سورية في المستقبل القريب ستكون دولة مُزدهرة بمجرد توقف آلة الحرب، و ذلك بسبب هذه العوامل:
1ـ الحروب مُقدِّمات لولادة الدولة القوية.
إنّه على الرُّغم من غرابة هذا القول، إلا أنّ الوقائع التاريخية تشي بما يقنعنا بقبوله، و دوننا أمثلة على ذلك من التاريخ القريب:
الولايات المتحدة الأمريكية: لم تصبح كما هي اليوم إلاَّ بعد اِندلاع الحرب الأهلية، التي يرى فيها البعض حربًا عالمية في أمريكا الشمالية، لقد استمرت أربع سنوات، راح ضحيتها أكثر من 600 ألف مقاتل، و أعداد غير معروفة من المدنيين، واستخدمت فيها النداءات الدينية، والعرقية، و الاجتماعية، والعنصرية إلى أبعد مدى، حتى انتهت سنة 1865م.
روسيا، و الاتحاد السوفييتي:
كان الوضع هنا أكثر ألمًا،فقد اندلعت الثورة الروسية، التي نتج عنها حرب أهلية دموية مُروّعة، استمرت خمس سنوات ( 1918  ـ 1923م )، خلفت أكثر من 13 مليون قتيل، وأكثر من مليون مهاجر روسي ( هجرة دائمة ).
لقد كانت حربًا غير مسبوقة، حيث حلّ الخراب غير المسبوق، لدرجة انعدمت فيها القطارات، و المناجم، لا بلْ حتى الخيول لنقل الناس والأمتعة قد انقرضت.
أسبانيا: اشتعلت فيها حرب أهلية مُدمرة في العام 1936م، واستمرت 3 سنوات بين القوميين، والفوضويين، والوطنيين، والمحافظين، وتدخلت فيهاـ مثل أية ثــورة في التاريخ ـ عناصر خارجية وداخلية، و خلّفت أكثر من مليون قتيل، ودمارًا هائلاً لم تُصَب بمثله في تاريخها كله، فضلاً على عدة ملايين من النازحين والمصابين.
الصين: اندلعت فيها حرب أهلية مُدمرة استمرت قرابة 14 عامًا ( 1927ـ1941م )، ثم توقفت فجأة بسبب غزو اليابانيين لها سنة(1941م)، ثم عادت ثانية، و استمرت من العام 1945 و حتى 1950م، و كانت الحصيلة (4 ) مليون قتيل على أقل تقدير، و ملايين أخرى من الجرحى.
2ـ وجود الإرث الحضاري، و القيميّ للشعب.
تأتي أهمية هذا العامل في كونه يمثِّلُ تحديًا للأمم في سعيها اِستعادة دورها في عالم الحضارة المعنوية؛ ممَّا يدفعها لتبنّي خطط إعادة التعمير بعد الدمار، بشكل أسرع من المتوقّع.
فالدول ذات التاريخ العريق، تحاول اِستعادة مجدها بشكل أسرع بعد أن تعرضها لأزمات عنيفة، ليس أولها أو آخرها بعد الحربين العالميتين، ألمانيا بآلتها الصناعية، أو تركيا بتراثها العثمـاني، أو اليابان بحضارتها الذاتية، أو الصين، والهند بحكمتهما الروحانية.
إنَّ الاعتداد بالإرث الحضاري مهمٌّ جدًا في النهوض السريع للأمم بعد النكبات؛ لأنه يحمل معاني متعلقة بالكرامة، و الأمجاد الجماعية، و الرغبة المحمومة في تدارك التاريخ، و تجاوز أخطائه، و الظهور بالكبرياء الوطني أمام العالم ككلّ؛ انطلاقًا من قاعدة ( لكلّ جواد كبوة).
إنّ دولة كسورية، تختلف عن دولة كرواندا على سبيل المثال، فلقد خاضت كلٌّ منهما حربًا شاملة، غير أن الفرق بينهما يتمثّل في المنطلق الحضاري الموروث فيهما، فسورية متوقّع لها العودة سريعًا إلى خريطة العالم؛ بسبب الاعتداد الذاتي بتراث تاريخي أكبر تمتلكه رواندا؛ الأمر الذي يجعلها تواجه التحديات الجماعية بإصرار أكبر لاستعادة ذاكرتها الحضارية التي تربّت عليها أجيالها.
3ـ الوفرة في الطاقات الشابة.
تشير الإحصائيات إلى أن (50 % ) من الشعب السوري هم من فئة الشباب؛ و ذلك مؤشر مهمّ في القدرة على اختزال الزمن المطلوب لإعادة الإعمار بمعدلات سريعة جدًا، و بذلك تكون في وضعها الراهن أفضل بكثير من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت تعاني من تدنٍ في نسبة الشباب، و ارتفاع نسبة النساء وكبار السن؛ مما عطّل ظهور بوادر إصلاحية سريعة بعد الحرب في مشروعات إعادة الإعمار، وجعل الألمان فيما بعد يعتمدون على قوى عاملة من الخارج ( الأتراك تحديدًا ).
4ـ تناسبُ الموارد الطبيعية مع التعداد السكــاني.
إذا أجرينا مُقارنة بين اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وسورية في حالتها الراهنة، يتبيَّن لنا أن الواقع الذي تنطلق منه أفضل بكثير جدًا من اليابان؛ و ذلك بسبب تناسب الموارد الطبيعية، مع التعداد السكاني.
فاليابان عانت ـ وماتزال ـ من نضوب أرضها الصخرية من موارد الطاقة، مثل النفط، وغيرها من المعادن الطبيعية، على عكس سورية، المليئة بكميات من هذه الموارد، كالغاز و النفط والمعادن؛ فضلاً على مواردها الطبيعية الأخرى المتمثلة في ساحل ممتدّ، و موارد صناعية، و زراعية طائلة، وتراث سياحي مُغرٍ لقاصديه، وهي تُعدّ أهمّ بوابة عربية لأوروبا من جهة تركيا نحو الخليج.
إنَّ مساحة سورية قياسًا بغيرها من الدول المجاورة كبيرة، و فيها نسبة معقولة من السُكان، لا تزيد على 22 مليون نسمة؛ ما يعني وفرة في الناتج القومي الموزع عليهم.
5ـ النزوح، و الهجرة إلى خارج الوطن.
بعد اندلاع الثورة السورية، غادر سورية نحو خمسة ملايين، و قد تنوعت الوجهات لديهم، و كانت تركيا الوجهة الأبرز.
و كما هو معروف أنه عند سعي أية دولة للنهوض، تعتمد على مبدأ البعثات الخارجية لمواطنيها؛ طلبًا لتحصيل آخر ما وصلت إليه الدول المتقدمة، ثم العودة لتطبيقها في بلدانهم.
إنّه لدينا في الحالة السورية ( بعثات شعبية ) أوسع من تلك النخبوية، أو لدى كبار السن، و يؤمَّل عند عودتها أن نكون  مُحمّلة بخبرات لا حصر لها، وذلك ما يُسرِّع من دوران عجلة التنمية.
إنّ هذه الملايين التي غادرت سورية، وخاض كلّ منهم تجربة شخصية، لو قُدِّر لنصفهم أن يعود إليها، و يعمل على استحضار أفكار جديدة رآها وعايشها في دولٍ لم يتسنّ له زيارتها قبل الحرب، ستكون النتائج دونما شكٍ أفضل، و أسرع من مجرد إرسال بعثات تعليمية، أو أكاديمية، أو مهنية للخارج.
6ـ الشروع بالتنمية دونما العودة إلى نقطة الصفر.
لن تكون هناك بداية من الصفر في تشكيل الوعي الجمـاعي السوري بعد الحرب، مثلما فعل الألمان، أو اليابانيون، أو الأسبان، الذين انتظروا سنوات طويلة لتجاوز الكبوة التي مرّت فيها بلادهم.
فنحن في زمن تُختصر فيه المسافات في شتى مجالات التنمية؛ فما كان يُنجز في 10 سنوات، أصبح ينجز اليوم في عام واحد، نحن اليوم في ثورة اتصالات عالمية؛ الأمر الذي سيوفر علينا كثيرًا من الخطوات التي خاضتها أمم أخرى قبلنا.
فالسير في آخر مراحل الطريق سيجعل أي بلد يودّ النهوض، في منأى من العودة إلى ركب الحضارة من أولها، مثلما حدث في العديد من دول العالم قبل ثورة الاتصالات والإنترنت، ومفاهيم النُّظُم العالمية.
7ـ المعجزات تأتي بعد الدمار.
كلما زاد الخراب، و كان البلد منهكًا، زادت فرص الإسراع في التعمير والازدهار، فالخراب الهائل، لن يتيح الفرصة أمام المُتقاتلين للعودة إلى الانتقام، أو اغتنام مكاسب سياسية.
إن التحدي البشري يتجسّد دائمًا في مرحلة ( ما بعد الدمار )؛ فعبقرية الإنسان، و المُجتمعات تظهر في هذه اللحظات العصيبة في تاريخ الأمم.
إن الإنهاك المُجتمعي الذي تجلبه الحروب؛ يحمل المجتمع على التعالي عن كلّ أشكال الصراع، و يتجه به إلى صراع مُجتمعي كامل من أجل الوصول إلى أسمى المطالب في الحياة.
إنّ كثيرًا من دول العالم أصيبت بالآلام والأوجاع، كما هي سورية اليوم، قد تجاوزت تلك المحن، وحوّلتها إلى منح؛ فهل نحن نشازٌ دونها!.