الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عودة المحافظين الجدد: أميركا وحيدة

عودة المحافظين الجدد: أميركا وحيدة

20.12.2017
السيد أمين شلبي


الحياة
الثلاثاء 19/12/2017
منذ نهاية السبعينات والمحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأميركية يروجون لأفكارهم حول المفاهيم التي يجب أن توجه سياسة بلادهم الخارجية. هم بدأوا بإلقاء ثقلهم خلف المرشح الجمهوري رونالد ريغان، كرد فعل على رئاسة جيمي كارتر الذي اعتبروه ضعيفاً وأضرّ بمكانة أميركا في العالم. وتبنى ريغان بعضاً من مفاهيمهم خاصة في ولايته الأولى، 1980- 1984، حين اعتمد سياسة متشددة مع الاتحاد السوفياتي السابق، وركز على بناء قوة أميركا العسكرية. غير أن أفكارهم لم تلق استجابة مِن جورج بوش الأب، أو بيل كلينتون. وهم استعادوا زمام المبادرة مع تولي جورج دبليو بوش الحكم، خاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ما مكّنهم مِن التسلل إلى أركان الإدارة الأميركية، ليصيغوا استراتيجية "الضربات الاستباقية"، وعدم الاعتداد بالمنظمات الدولية. وهو ما قاد إلى الحرب على أفغانستان ثم على العراق التي وصفت بأنها كانت كارثية بالنسبة إلى أميركا، داخلياً وخارجياً.
هذا ما دفع الباحثين الأميركيين ستيفان هيلر وجونا كلارك إلى أن يكتبا في 2004 كتاباً يحمل عنوان "أميركا وحيدة: المحافظة الجديدة والنظام الدولي الجديد"، وفيه يطابق الباحثان بين استراتجية بوش الابن، وبخاصة في ولايته الأولى في 2000 - 2004 وبين مفاهيم المحافظين الجدد، وكيف أوصلت رؤاهم إلى تحويل موجة التعاطف التلقائي بعد أحداث 11 أيلول إلى عداء ومناهضة لأميركا. ويبلور الكاتبان مفاهيم المحافظين الجدد التي ألهمت استراتيجية بوش الابن في: الانفرادية العالمية والاستثنائية الأميركية واعتبار المعاهدات والاتفاقيات الدولية "قيداً على القوة الأميركية"، وفي أن الأمم المتحدة جهاز غير فعال، وأن الولايات المتحدة ليست مسؤولة أو مطالبة بالتكيف مع العالم، وأن أميركا القوية الواثقة من نفسها هي التي ستجعل العالم يتكيف معها.
غير أنه إذا كان نفوذ المحافظين الجدد انحسر مع إدارة باراك أوباما في 2008-2017، الذي جاء ليصحح سياسات بوش الابن، فإن مجيء دونالد ترامب والأفكار التي أطلقها خلال حملته الانتخابية ونفّذ بعضها بعد توليه الحكم، يوحي بعودة هؤلاء ومفاهيمهم. فمفهومهم حول الاستثنائية الأميركية عبّر عنه ترامب برفعه شعار "أميركا أولاً"، ودعوتهم إلى العمل المنفرد، حققها ترامب بالانفصال عن عدد من الاتفاقيات الدولية، خاصة في مجال التجارة والمناخ، وفي اعتباره خلال حملته الانتخابية أن الأمم المتحدة جهاز ضعيف وغير فعال وتهديده بخفض المساهمة الأميركية في موازنتها بل انسحابه من بعض منظماتها المهمة. ويجيء قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها وردود الفعل العالمية عليه، ليعيد إلى الأذهان حال اغتراب أميركا عن العالم خلال ولاية بوش الابن الأولى، إذ بدت وكأنها تقف وحيدة. فقد عارضت القرار غالبية المجتمع الدولي بما فيها حلفاء أميركا الغربيون: الاتحاد الأوروبي والقوى الرئيسة فيه: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، فضلاً عن روسيا والصين واليابان. ويوم إعلان قرار ترامب في شأن القدس، اعتبرته الصحافة العالمية "يوماً حزيناً" للقانون والشرعية الدولية، ورأت أن ترامب بهذا القرار استطاع أن يوحد الجميع ضده وحطّ من شأن الولايات المتحدة. وهكذا، فإن لم يكن المحافظون الجدد موجودين الآن بشخصياتهم في إدارة ترامب، فإن أفكارهم عادت من جديد كي توجه سياساته.