الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عين عيسى: العاصفة التركيّة تنتظر الضوء الأخضر! 

عين عيسى: العاصفة التركيّة تنتظر الضوء الأخضر! 

05.12.2020
عبدالله سليمان علي


النهار العربي 
الخميس 3/12/2020 
رغم التصعيد العسكري لقوات الاحتلال التركي وقوات "الجيش الوطني" في محيط بلدة عين عيسى شمال شرقي سوريا منذ بضعة أسابيع، فإن الوضع الميداني في المنطقة إجمالاً لا يزال يسير وفق قواعد الاشتباك التي أرستها الاتفاقيات الثنائية الموقعة أواخر العام الماضي بين تركيا من جهة وكل من روسيا والولايات المتحدة منفردتين من جهة ثانية، بهدف ترسيم خطوط التماس بين الأطراف المتنازعين وعدم السماح لأي طرف، بخاصة الطرف التركي، بالانزلاق نحو مغامرات غير محسوبة قد تؤدي إلى إشعال مواجهات إقليمية. 
ولعلّ أنقرة وجدت في الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية والتمهيد لنقل السلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، فرصة مواتية من أجل التذكير بطموحاتها الاستعمارية في الأراضي السورية ورغبتها في توسيع المساحة التي تحتلها بما يتيح لها تمزيق مناطق الإدارة الذاتية التي تعتبرها أنقرة بمثابة شريط إرهابي على حدودها الجنوبية. وكذلك من أجل إرسال رسائل بالنار إلى مختلف اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وبشكل خاص إلى واشنطن مفادها أن تركيا غير راضية عن حالة الأمر الواقع المفروض عليها في منطقة شرق الفرات وأنها تتحيّن الفرص من أجل تغييره.  
 وتخشى تركيا مما يمكن أن يحمله دخول بايدن إلى البيت الأبيض من تغييرات جذرية في السياسة الأميركية في منطقة شرق الفرات قد تؤدي إلى إجهاض الطموحات التركية والحيلولة بينها وبين أي تقدم جديد في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية. وقد تكون هذه الخشية هي التي دفعت حكام أنقرة للإيعاز إلى قواتها وقوات "الجيش الوطني" في محيط عين عيسى لتسخين الأوضاع العسكرية هناك والدخول في مناوشات واشتباكات مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في محاولة على ما يبدو لـ "جس النبض" وتجميع أوراق التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة في حال استدعت الضرورة ذلك.  
واللافت أنه لم يصدر عن الإدارة الأميركية الحالية أي موقف حيال التصعيد التركي وما يشكله من تهديد بإعادة المنطقة إلى دائرة العنف مجدداً. ورغم أن التحركات التركية لم تتجاوز الخط الأحمر المرسوم في الاتفاق بين أنقرة وواشنطن في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فإن من الواضح أن هذه التحركات تعمل على خلق بيئة مناسبة تتيح لأنقرة التملص من اتفاقاتها والانقلاب عليها عند أقرب فرصة. لذلك يبدو الصمت الأميركي مريباً، وهو ما قاد بعض نشطاء المنطقة الشرقية إلى التحذير من وجود ضوء أخصر ممنوح من إدارة ترامب سراً للقوات التركية للقيام بعملية عسكرية جزئية في المنطقة بهدف خلط الأوراق في المنطقة وإعادة ترتيب المشهد على نحو يزيد من تعقيداته في وجه الإدارة الأميركية الجديدة. 
 ولكن ليست واشنطن وحدها من تلوذ بالصمت حيال التحركات التركية، فروسيا كذلك تتخذ الموقف نفسه، بل إنها بادرت بحسب الأنباء المتداولة إلى سحب جزء من قواتها المتمركزة داخل بلدة عين عيسى ومحيطها وسط تصاعد الاشتباكات في بعض القرى المجاورة بين القوات التركية وقوات الجيش الوطني من جهة وقوات "قسد" من جهة ثانية. وذكرت شبكة الخابور الإخبارية المختصة بأخبار المنطقة الشرقية من سوريا أن رتلاً من الشرطة العسكرية الروسية انسحب صباح اليوم الاربعاء من بلدة عين عيسى واتجه نحو بلدة تل السمن الواقعة جنوب طريق أم فور (m4) شمال الرقة. وكانت بعض الشبكات الاخبارية تداولت أمس خبراً عن انسحاب رتل آخر للقوات الروسية من بلدة عين عيسى، الأمر الذي اعتبره مراقبون رغبة روسية في إفساح المجال أمام التصعيد ليبلغ مداه بين الطرفين. 
وفي ظل انعدام الثقة السائد بين القوات الكردية والقوات الروسية المنتشرة في المنطقة بناء على اتفاق ثنائي بين الطرفين، سارع نشطاء إعلاميون مقربون من قيادة "قسد" إلى تسويق معلومات تتحدث عن وجود صفقة روسية – تركية لاجتياح بلدة عين عيسى وبموافقة النظام السوري بهدف إخضاع قوات "قسد" وإجبارها على الاستسلام وذلك في إعادة لسيناريو مدينة عفرين. وحذر هؤلاء النشطاء من أن تركيا سوف تستغلّ الفترة الانتقالية في أميركا قبل وصول جو بايدن للبيت الأبيض، وبالتواطؤ مع الروس، لاحتلال عين عيسى. 
 وبناء على تجارب سابقة فإن موسكو لم تمانع في إعطاء الضوء الأخضر للقوات التركية لاحتلال أراضٍ سورية في مناطق ريف حلب الشمالي على سبيل المثال، طالما أن ذلك يحقق المصلحة الروسية المتمثلة في دقّ إسفين بين أنقرة وحلف الناتو. وقد تجد روسيا أن من مصلحتها فتح الطريق أمام توغل تركي جديد في بلدة عين عيسى من أجل تأزيم العلاقة بين بايدن وأردوغان ودفع الأخير إلى الحضن الروسي أكثر فأكثر. 
غير أن هذا الاحتمال شوّش عليه ما أعلنته دمشق من استعدادها للتصدي لأي عدوان تركي جديد. حيث كشفت مصادر موالية امس الثلثاء عن نية الجيش السوري المشاركة في صدّ أي هجوم للجيشين الوطني السوري والتركي على ناحية "عين عيسى" شمال الرقة. 
 وقال أمين فرع حزب "البعث" في الرقة عبدالعزيز العيسى، إن تعزيزات ضخمة للجيش السوري وصلت الى عين عيسى، خلال الأيام القليلة الماضية. 
وأضاف العيسى أن قوات الجيش "على أهبة الاستعداد لحماية عين عيسى من أي هجوم للجيش التركي". 
وجاء ذلك في تصريح له الى موقع "صحيفة الوطن"، ذكر فيه أن ميليشيا "قسد" قد تنسحب من عين عيسى "في أي لحظة تشعر فيها بالهزيمة". 
واردف العيسى أن قوات الجيش على استعداد لأخذ مواقع الميليشيا والدفاع عن المدينة وأهلها.وتداولت بعض المواقع الإعلامية الموالية أنباء عن وصول تعزيزات عسكرية للجيش السوري إلى محيط منطقة عين عيسى استعداداً لأي تطورات محتملة في المنطقة. 
 وتكمن أهمية بلدة عين عيسى في كونها تمثل عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظتي حلب والحسكة من خلال الطريق الدولية الـ"M4" الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا ومدينة الرقة. كما أن "الإدارة الذاتية" الكردية أسست في عين عيسى عدداً كبيراً من المؤسسات المدنية والمجالس التابعة لها فيها، وذلك بعد تأسيس قوات التحالف الدولي قاعدة عسكرية فيها في عام 2016، وهو ما يفسر استماتة القوات الكردية في الدفاع عن البلدة بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. 
وكانت "قسد" بسطت سيطرتها على عين عيسى، في منتصف عام 2015، بدعم من "التحالف الدولي" بعد معارك ضارية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وتعتبر عين عيسى عاصمة "الإدارة الذاتية" لمناطق شمال شرقي سوريا، على اعتبارها تضم معسكرات تدريب ومراكز قيادية مهمة لقوى الأمن الداخلي و"قوات سوريا الديموقراطية"، وتعتبر أيضاً خط الدفاع الأول عن عين العرب "كوباني" ومنبج ومدينة الرقة، كونها تقع على امتداد شبكة طرق مهمة، وتمتلك عقدة المواصلات التي تربط مناطق عين العرب وتل أبيض وصولاً لمنبج في ريف حلب. 
 ومما سبق يبدو أن عين عيسى دخلت بالفعل في عين العاصفة، ومن غير الممكن التكهن بالسيناريو الذي سوف يحكم التطورات الجارية حولها، ولكنّ المؤكد حتى الآن أن القوات التركية لم يسبق لها أن قامت بأية عملية عسكرية داخل الأراضي السورية من دون الحصول على ضوء أخضر أميركي أو روسي، ومن المستبعد أن تخرج عن هذه القاعدة حالياً. ليبقى السؤال هل ستعطي واشنطن أو موسكو أردوغان مثل هذا الضوء الأخضر أم أن التصعيد التركي سيبقى محكوماً بسقف الاتفاقات الثنائية ليظل يراوح في دائرة التفاوض بالنار وتجميع أوراق القوة فحسب؟.