الرئيسة \  واحة اللقاء  \  «غورنيغا» السورية: أين بيكاسو؟

«غورنيغا» السورية: أين بيكاسو؟

06.05.2013
صالح القلاب

الرأي الاردنية
الاثنين 6/5/2013
وانا اخرج من مطار «هيثرو» في اتجاه موقف سيارات الاجرة التي تأخذ زوار بريطانيا العظمى الى لندن اعترض طريقي شاب بملامح عربية وقال لي بارتباك: «إنني اعرفك.. لقد رأيتك مرات عدة» وعندما عرّفته بنفسي اندفع نحوي وقبلني وعيناه تذرفان دموعاً ساخنة ثم قال كلاماً كثيراً من بينه: إننا لن ننسى من وقفوا مع الشعب السوري في محنته هذه.. وأنت من الذين وقفوا مع هذا الشعب وسيأتي اليوم الذي سنرد فيه «الجميل» لك ولغيرك باذن الله.
لن اذكر اسم هذا الشاب السوري, الذي لجأ الى بريطانيا كما قال قبل اثني عشر عاماً, خوفاً على اهله من أن تفعل بهم قطعان «الشبيحة» الطائفيين ما فعلته من جرائم في العديد من المدن والقرى السورية والذي زودني برقم هاتفه واصر على ان نلتقي وأن يدعوني لتناول الغداء مع عدد آخر من الشبان السوريين من امثاله لكنني بالطبع لم اقبل هذه الدعوة لانشغالي بمواعيد طبيّة ولأنني بالاساس ارفض ألا يعتبر انحيازي للانتفاضة السورية ضد الذبح والتبشيع واجباً وطنياً وقومياً وانسانياً لا اريد عليه لا حمداً ولا شكوراً.
بعد يومين وبينما كنت اقف على رصيف أحد الشوارع اللندنية بالقرب من متاجر «هارودز» الشهيرة اقترب مني شاب, وانا اتصفح صورة مرعبة لاطفال سوريين من ضحايا مجزرة «رأس النبع» وأخ يصرخ بصوت مرتفع: «يا أخي حلّوا عن الشعب السوري.. انتم ارهابيون انتم من جبهة النصرة» ولقد كان ردي عليه أن سألته: هل انت من سفارة القطر العربي السوري؟ فأجاب نعم واضاف: أنا ايضاً من الذين يفدون الرئيس البطل بشار الاسد بأرواحهم..
لم اعلّق على ما قاله هذا الشاب وواصلت التدقيق في الصورة المرعبة التي نشرتها صحيفة «الحياة» اللندنية على ثلاثة ارباع الصفحة الاولى: «اكثر من عشرة اطفال غارقون في دمائهم.. اجسادهم الصغيرة مزّقتها شظايا قنابل الذين يفدون بشار الاسد وحسن نصر الله وعلي المملوك بأرواحهم.. أحدهم كانت تحتضنه أمه لتحميه من انياب الضباع المسعورة قبل ان تتلقى رشقة من رصاص «كلاشنكوف» أحد «الشبيحة» الطائفيين الذي سيأتي اليوم الذي سيكون فيه حسابهم عسيراً..
انها صورة مخيفة ومرعبة بالفعل وانني اقترح أن تعتمدها الامم المتحدة والهيئات الدولية والثورة السورية أيضاً كدليل على بشاعة وهمجية هذه الحرب التي يواصلها بشار الاسد على شعب ليس هو شعبه بالتأكيد ثم وإنني اقترح أن تعرض هذه الصورة في ميادين وساحات كل المدن العالمية التي كانت وقفت الى جانب الشعب الاسباني ضد ديكتاتورية فرانكو وضد كل الذين ايدوه في تلك الحرب القذرة التي خلّد بشاعتها وبربريتها الفنان العظيم بابلو بيكاسو في رائعته التاريخية «كورنيغا».
لقد جسّد «بيكاسو» في لوحته التاريخية هذه مأساة الحرب الاسبانية وحيث اصبحت هذه اللوحة شعار مناهضة ومقاومة كل الحروب القذرة فـ «غورنيغا» هذه هي قرية وادعة مثلها مثل قرية رأس النبع السورية كانت داهمتها الطائرات الايطالية الفاشية والالمانية النازية في صبيحة يوم السادس والعشرين من ابريل (نيسان) عام 1937 بطلب من ذلك السفاح الديكتاتوري فرانكو فحولتها الى «عصف مأكول» وجبلت مزق لحم اطفالها بمزق لحم بهائمها من خيول وابقار واغنام وهذا هو ما حصل قبل ايام في هذه القرية المنكوبة الآنفة الذكر.