الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قبل أن تتفكك سوريا والعراق

قبل أن تتفكك سوريا والعراق

25.08.2014
باسم الجسر



الشرق الاوسط
24-8-2014
ما ينتاب الشرق الأوسط، والعراق وسوريا، تخصيصا، يتعدى كل مصطلحات علم السياسة ومقاييس العلاقات بين الدول. إنه نوع من عالم افتراضي يتراوح بين الحنين إلى ماض مجيد طوي منذ قرون وتطلع مستقبلي مستحيل التحقق.
خلافة إسلامية تحكم المليار ونصف المليار من المسلمين المنتشرين من إندونيسيا إلى المغرب؟! أسلمة المليارات الباقية من البشرية بالسيف وقطع الرؤوس؟! حبس نصف مليار امرأة مسلمة في منازلهن؟! إعلان الجهاد، أي الحرب، على الدول الكبرى التي تمتلك من الأسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير المدن بقنبلة واحدة والقضاء على مئات الملايين من البشر في يوم واحد؟! ترى، أي وصف يستحق هذا البرنامج السياسي لما سمي يوما بتنظيم "القاعدة" ويسمى اليوم ب"داعش" أو "الدولة الإسلامية" التي احتلت قواتها قسما من أراضي العراق وسوريا؟ أحلام؟ أم أوهام؟ أم هلوسة؟! أم دعوة إلى الانتحار؟
ذات يوم، حكمت بريطانيا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، من أستراليا ونيوزيلندا إلى كندا أو أميركا الشمالية بالإضافة إلى الهند وحكمت قسما كبيرا من العالمين الإسلامي والعربي ومن أفريقيا. وطبعت قسما كبيرا من شعوب هذه المستعمرات بديانتها المسيحية ولغتها الإنجليزية التي بات يتكلمها اليوم ملياران من البشر. ولكن هذا "الفتح" البريطاني ما لبث أن تقلص تدريجيا وانتهى في منتصف القرن العشرين. وقنعت أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ بمصيرها كدولة أوروبية متوسطة الحجم تعيش على الصناعة والتجارة والسياحة. ترى هل يوجد بين الستين مليون بريطاني "عاقل" واحد يطالب بتوحيد مسيحيي العالم أو المتكلمين بالإنجليزية تحت راية دولة واحدة.. على أساس أن الأراضي التي يقيمون عليها كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية البريطانية؟ أو أنهم يتكلمون اللغة الإنجليزية أو ينتمون إلى دين واحد؟!
مهما تطورت المعارك الدائرة في العراق وسوريا فإن احتمال انتصار هذا الفريق الإسلاموي المتطرف على كل القوى الوطنية والإقليمية والدولية الكبرى التي أعلن الحرب عليها، هو من سابع المستحيلات. ولكن من الآن إلى أن ينقشع هذا الضباب الذي يخيم على مصيري العراق وسوريا، سوف يسقط عشرات الألوف من الضحايا من بين المتقاتلين على السلطة وأيضا من المواطنين الأبرياء والنساء والأطفال ويشرد الملايين من ديارهم ومنازلهم، وتذوب الثروة العربية في قتال عبثي مآله المزيد من الخراب والفقر والتشريد والتقهقر الإنساني والحضاري.
في المعارك العسكرية ينتصر من هو أقوى عسكريا واقتصاديا على مستوى الوطن والإقليم والعالم. ولكن الانتصار الحقيقي ليس هو الذي يتحقق بقوة السلاح بل هو الذي يجب أن يتحقق على الصعيد الفكري السياسي والعقائدي ونعني تغلب الإسلام الحقيقي ومبادئه السامية ودعوته السلمية واعتداله وتسامحه وانفتاحه، على هذا التيار الإسلاموي - السياسي المتطرف الذي شوه صورة الإسلام في العالم بما أقدم عليه من فظائع في المناطق التي وقعت تحت سيطرته. ولن يتحقق ذلك إلا على يد العلماء والمفكرين والمرجعيات الدينية التي بات من واجبها إنقاذ المسلمين والسلام والبشر في العالمين العربي والإسلامي مما تدفعه إليه هذه الجماعات المغامرة بالإسلام وهي تدعي الجهاد تحت رايته. ونخص بالدعوة المؤسسات والمرجعيات الدينية في مصر والسعودية وغيرهما مما تملك القدرة والمكانة والفكر والاجتهاد لتوجيه الأجيال الإسلامية الطالعة إلى الطريق الصحيح للجهاد في خدمة الإسلام والمسلمين. لقد ندد الأزهر وكبار علماء المؤسسة الدينية السعودية وغيرهم من العلماء بهذا الانحراف بالدين عن رسالته ومبادئه، وهم مشكورون. ولكن التصحيح يجب أن يبدأ على مستوى برامج التعليم وبواسطة وسائل الإعلام الحديثة، يوميا وعلى أوسع نطاق. كما نخص بهذه الدعوة رجال الفكر والمثقفين العرب والمسلمين الديمقراطيين والعلمانيين للنزول إلى الميدان والتكاتف والتعاون - بدلا من التنافس على الوصول إلى الحكم - من أجل بلورة وانبثاق ديمقراطية - إسلامية أو ديمقراطية عربية تراعي طبيعة المجتمعات الوطنية ومكوناتها.
إنه لطريق طويل وشاق هذا الذي سينقذنا كعرب وكمسلمين من المأزق التاريخي الذي زجنا الإسلامويون المتطرفون فيه، فلا يتقسم العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية. ولا نضطر إلى الاستنجاد بالدول الكبرى لإنقاذنا من قتل بعضنا البعض. إن التاريخ لا يعود إلى الوراء، ولا المستقبل يبنى على أحلام وفرضيات مستحيلة التحقيق.
وفي انتظار الكوارث المنتظرة من جراء ما يحدث في سوريا والعراق، ومع التسليم بمسؤوليتنا جميعا، حكاما وشعوبا وسياسيين عربا، في دفع المصيرين الوطني والقومي إلى ما ترديا إليه، لا بد من تحميل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بعض المسؤولية في هذا التدهور المصيري عبر ثلاثة مفارق وهي: 1 - قيام دولة إسرائيل ودعم واشنطن الأعمى لها. 2 - تشجيع القوى الإسلاموية - السياسية بوجه القوى اليسارية والقومية. 3 - الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. ويجب ألا ننسى قيام الدولة الإسلامية في إيران الذي حرك رماد نزاع مذهبي عمره ألف وأربعمائة عام.