الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قبل عامين كنا جراثيم

قبل عامين كنا جراثيم

10.04.2013
د. عوض السليمان

العرب القطرية
الاربعاء 10/4/2013
أربعون عاماً أو يزيد عاشها الشعب السوري تحت القهر محروماً من أبسط حقوقه منهوبة أمواله، مهدورة كرامته، مسلوبة حريته. لم يكن لنا إلا أن نهتف باسم القائد الأعظم. تقتل المخابرات أولادنا ونخرج مع ذلك في مظاهرات تأييد لها. كنا نهتف لهم عندما كانت الطائرات السورية التي دفعنا ثمنها تدك مدينة حماة، وكنا نهتف لهم عندما يأمروننا بتجديد البيعة كنا نرقص في أفراحهم على جراحنا نحن وعلى دماء أبنائنا نحن. ما كان الأسد ليرانا إلا جراثيم كما قالها يوماً عن شعب مسالم راقٍ.
جاء يوم الثامن عشر من مارس من العام 2011 ليغير مسار حياتنا ويعيد لنا الكرامة من جديد، لست عازماً في هذا المقال أن أعيد قصة الثورة التي انطلقت في ذلك اليوم من مدينة درعا، ولكنني مضطر لتحية أطفال درعا الذين فجروا الشرارة، فأعادوا لنا كرامتنا وحريتنا.
منذ ارتقاء حسام عياش أول شهيد في الثورة، حيث كشف عن صدره وقال اقتلني فأطلق الطائفيون النار عليه وحتى الآن، لا نزداد إلا كرامة وحرية ورفعة. لقد سقى ذلك البطل زهرة الحرية بدمه حتى نوّرت وزهت.
عامان على هذه الثورة المباركة، تغيرت فيها أحوالنا رغم كل هذا الدمار الذي يعم سورية، ورغم عدد الشهداء المهول الذين ارتقوا في سبيل نيل الحرية والكرامة. لكننا أصبحنا متأكدين من انتصارنا حتى قبل أن نسقط الأسد الذي ما بقي له إلا القليل.
أريد أن أؤكد على مسألة الصبر والثبات في معركة تحرير سورية إلى آخر لحظة، وأريد أن أؤكد أنه ما بقي إلا القليل لتحقيق تلك الغاية التي أراها كالشمس في رابعة النهار.
لا يقولن سوري حرّ إن النصر تأخر، فقد استمرت بعض الثورات عشر سنوات كاملة كالثورة الفرنسية. وليعلمن أن تأخر الثورة كان بهدف تنظيفها وكشف من معها ومن ضدها وتمييز معادن الرجال، حتى سميناها بالثورة الفاضحة الكاشفة شأنها كشأن سورة التوبة التي سميت بالفاضحة لأنها كشفت الدجاجلة والمنافقين وأعوانهم. لا تنسوا أننا كنا مجرد «جراثيم»، واليوم نحن من يطهر سوريا من الجراثيم
أيها السوري الحر، إن تأخر انتصار الثورة كشف لنا نفاق حسون، وكشف لنا جماعة كانوا يدعون الدفاع عن الحرية وأنهم من حاملي لواء الكرامة فلما بدأت الثورة وقفوا مع بشار الأسد خوفاً على طائفتهم وانتصاراً لها وكرروا وصفنا بالجراثيم.
لقد كشفت لنا الثورة المواقف الدولية من شعبنا، فبينت النفاق العربي والكذب الغربي وأسقطت كل ادعاءات العالم «المتمدن» باحترامه حقوقَ الإنسان، عندما وقف متفرجاً على هذا الشعب الذي يذبح منذ سنتين متواصلتين. وإني لأجزم أن هذا العالم كان يوافق الأسد بأننا مجرد جراثيم لا نستحق الحياة.
وأهم من ذلك كله كشفت الثورة للمسلمين والعرب، من هو حزب الله ومن هي إيران، فقد استقبل الشعب السوري عناصر حزب الله يوماً في بيوتهم وأطعموهم وكسوهم، لكن هذا الحزب ومن خلفه إيران أصرّا على أن يخونا من أكرمهما من الشعب السوري. وقاتلا في حزب الطائفية حزب الشيطان، وإني لأعتبر أن أحد أهم انتصارات الثورة السورية أنها كشفت لنا قذارة هذا الحزب ودناءة تلك الدولة حيث ادعيا الإسلام ونصرته وإذ بهما طائفيان حقودان يشاركان في ذبح الأطفال واغتصاب النساء.
لقد كشفت الثورة السورية للناس من هو بشار الأسد ومن شبيحته، فقد كاد هذا القاتل يغش بعض الناس تحت شعار الممانعة والمقاومة، حتى تبين للأعمى أنه ما اشترى الطائرات الروسية وصواريخ سكود إلا ليقصف بها أهل سورية المسالمين.
تبين الغث من الثمين في هذه الثورة وبنيت العلاقات الاجتماعية من جديد، وعرفنا عدونا من صديقنا ويكفي بهذا انتصاراً لثورة السوريين على مدى التاريخ. فالحمصي يئنّ اليوم بسبب جراح درعا، والحوراني يبكي آلام حلب. وعندما يرتقي شهيد في الرقة تسمع زغاريد النصر من دمشق. أصبحت سورية كلها جسد واحد، وأصبح أبناؤها رجلا واحدا وعلى قلب رجل واحد. هنا بالضبط كان مقتل النظام، الذي جثم على صدرونا أربعة عقود يحرض كل مدينة على الأخرى ويبث روح الفرقة بينها.
لينظر الرائي اليوم وليسأل ماذا بقي للأسد بعد عامين من الثورة، وماذا فعلت فيه «الجراثيم»؟ لقد جعلته منبوذاً كفأر مذعور لا يُعرف في أي جحر هو. يملك الأسد اليوم خمسين ألف مقاتل من الشبيحة الحمقى وشارعين في دمشق، بينما تحررت معظم الأرض السورية من قبضته، وها هم المراسلون الصحافيون اليوم يتجولون على تراب سورية دون خوف بل ويعدون تقارير مباشرة من قلب دمشق. وبعد سنوات القهر تستطيع اليوم أن ترى وجوه «الجراثيم» دون لثام ودون خوف.
أصبح الشعب السوري اليوم مضرب المثل ورافع رأس العرب والمسلمين، وثورته تدرس في المناهج، وإني لا أقول ذلك عبثا، فقد رأيت درساً عنها في كتاب فرنسي يدرس لطلاب الصف الثالث الإعدادي، وقد لون صفحاته بعلم الثورة المباركة فأي نصر هذا ذلك الذي تحققه «الجراثيم» اليوم.
ليس على الأرض فقط، فعندما يجتمع العالم ليناقش ثورة «الجراثيم»، وتشكل المجالس السياسية والإدارات المحلية فهذا يعني أن الأمر انتهى وأن الأسد إلى زوال قريباً. وها نحن اليوم وفي الذكرى الثانية للثورة يتم الإعلان عن تشكيل حكومة حرة تمثل الشعب السوري وتدافع عنه. عجباً يا بشار فقد أصبح للجراثيم حكومة.
لكن وبعد عامين من الثورة علينا أن نرص الصفوف أكثر ونصبح يداً واحدة، وهذا ظني بالسوريين، إذ عليهم اليوم أن ينبذوا أي خلاف في الرؤى أو الأيديولوجية أو الأساليب ويمضوا في ثورتهم حتى إسقاط بشار، وبعد ذلك فإن صناديق الاقتراع قادرة على أن تحدد الحاكم المناسب.
يجب ألا يتلهى الثوار ولا السياسيون بأي خلافات في هذه المرحلة، ويجب أن يتوقف هجوم بعضنا على بعض حتى يسقط النظام، دون أن يمس ذلك بضرورة النقد الهادف إلى التصحيح.
الثورة في انتصار والعدو الأسدي في تآكل وقريباً تتنافس المدن السورية على شرف إعدام بشار في طرقاتها وإن غداً لناظره قريب.