الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قذفوا بجهادييهم إلى الجحيم السوري وأغلقوا وراءهم الأبواب

قذفوا بجهادييهم إلى الجحيم السوري وأغلقوا وراءهم الأبواب

08.05.2014
بشار عمر الجوباسي


القدس العربي
الاربعاء 7/5/2014
زاد وجومه حتى غدا شبه معزول عما حوله؛ لم تعرف يقيناً ما به ولكن لا بُدّ من وضع بعض اللوم على تخاطر الأرواح فقالت لزوجها: ‘نحن آثمين إن لم نساعد أهلنا في الشام’، ابتسم وقد عمت السكينة جنبات روحه، فوجئ بتسهيل إجراءات سفره، على غير عادة، قبل أن يغادر المغرب؛ لبث أبو عبد الرحمن على جبهات القتال في سورية بضع شهور قبل أن يدوّن اسمه على جبين الشمس كأحد الخالدين. أما أبو مريم فهاجت وماجت به عواصف الإنسانية فاستدبر جبال الأطلس وشرّق إلى الشام؛ ولكنه سرعان ما عرف عن نفسه ما كان يجهل، فسعار الحرب ووابل القذائف مع فظاعة صوت ومفعول القصف الجوي كاد يعبث بعقله فأمسى مُجرّدُ مرور طائرة يجعله ينبطح أرضاً ويستجدي من حوله ليصمتوا خوف أن يسمعهم الطيار. لم يمت ولكنه شاهد من تمزّق حوله، أخيراً قرّر العودة من حيث أتى واتصل بزوجته التي أخبرته أنّ الأمن داهم بيتهم وفتشه، وقد غدا اسمه على لوائح المطلوبين، صعق لذلك؛ فلماذا لم يعتقلوه قبل السفر، بل على العكس سهلوا له كل الإجراءات رغم ثوبه الذي ينخفض عن الركبة قليلاً، أصيب بمرض جلدي فلبث قليلاً ثم قرر السفر إلى ليبيا ومنها عبر الصحارى إلى المغرب، ولكنه لم يتجرأ على ذلك بعدما تيقن أنّ اسمه لا بدّ أن يكون على اللوائح الليبية؛ إنّها الأمركة؛ غرز سكينته في ظهر العودة ثم انقطعت أخباره وغاب بين صفوف داعش.
بعد ان استعار إجرام النظام السوري واتباعه سياسة الأرض والإنسان المحروقين بدأت تتقاطر إلى سورية أفواج الجهاديين تدفعهم فطرتهم إلى بذل الأنفس دفعاً للظلم، ولكن لا تنفع النوايا لوحدها، فعلى أرض الواقع السوري تتزاحم عشرات السنين من خبرات المخابرات الشيطانية السورية والعالمية فتلقفوا الكثير من أولئك الجهاديين، خاصة ممن لا يعرف منهم العربية، وحرفوا بوصلتهم واستغلوا جهلهم بكل شيء قبل أن يجعلوهم سكيناً في ظهر الثورة والشعب السوريين، وكأنّ سوريا لا ينقصها إلا داعش بعد العشرات من أمراء الحرب ممن كانوا مدفوعين بالأبواب؛ لا يُلقى لهم بال ثم أمسوا بين يوم وليلة الآمرين الناهين على رقاب الألوف، مستأثرين لأنفسهم بعدد من الضياع على غرار دوقيات أوروبا في عصورها القروسطية.
استفاد المغرب وعدد من الدول العربية وكذلك أغلب بلدان العالم من الجحيم السوري فألقوا فيه جهادييهم؛ حيث فتحوا سجونهم وسهلوا إجراءات السفر، وفي بعض الأحيان حثّوا عليه؛ قبل أن يغلقوا باب العودة نهائياً أمامهم، فمن يعود منهم لن يجد أمامه إلا السجون، وقد تعدلت القوانين كُرمى لعيونهم؛ كما في السعودية مثلاً فعقوبة من يقاتل خارجها تتراوح من السجن ثلاث سنوات إلى عشرين سنة. لا بُدّ أنّ قوائم الجهاديين تتداولها الاستخبارات العالمية وتتعاون في ذلك حتى مع النظام السوري، كما اعترفت فرنسا وبريطانيا قبل مؤتمر جنيف -2. ومن قبلها كانت زيارات مسؤولين استخبارتيين ألمان وبلجيكيين قبل عام إلى شقيق روحهم علي مملوك، ذي اليدين اللتين يتقاطر منهما شيء أحمر ويُسمع في مكتبه من دون كثير جهد صدى لأصوات عشرات الآلوف من المعتقلين الذين نشرت صور بعضهم وكالة الأناضول في كانون الثاني/يناير الماضي؛ فإذن لا ريب أنّ أغلب الجهاديين يتحرك بعلم الاستخبارات الغربية، وإن لم يكن بتوجيه مباشر منها فسكوتهم عنهم يمثل الضوء البرتقالي الغربي لهم لممارسة نشاطاتهم في كل مكان؛ وفي النهاية ماذا حدث في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر غير تفجير الطالب الشيشاني البائس لجسده مع أرواح عائلته ومستقبل أخيه المراهق، مع كل الاحترام للضحايا الذين سقطوا في نفس التفجير؛ وماذا حدث في أوروبا كلها بعد تفجيرات لندن ومدريد، وأيضاً مع كل الاحترام للضحايا الأبرياء، ولكن هل يقارن ذلك مع ما حدث في كثير من البلاد العربية والإسلامية، ففي العراق سقط وما يزال يسقط مئات الآلاف، وكذلك في سوريا، أفظع وأبشع وصمات العار على جبين الإنسانية على أعتاب نهاية حضارة الإنسان، إن صحت تسمية التقدم العلمي والفني في الغرب حضارة، بعد تناسيهم الكم الأكبر من شركائهم في الإنسانية من المعذبين في معظم أصقاع غابة البشر؛ حيث تسطع بقعة أمسى فيها الموت غاية الأماني، فمن هم أكثر المتضررين من الإرهاب، البلدان الإسلامية أم البلدان الغربية؟
هل كان الكواكبي سابقاً لعصره أم أنّ حياة البشر تكررها الأزمان منسوخة لا يتغير فيها إلا السلاح الذي يقتلون به؛ إذ قال عن المستبد: ‘يضغط على الدين فيفسده’؛ فقد تمّ بأيدي البعض إفراغ الكثير من النصوص الدينية من محتواها؛ ليتركز إعلام علماء السلاطين على القليل من الروحانيات ونواقض الوضوء؛ في حين تُرك الإفتاء للجهلة ورجال المخابرات فصنعوا فتاوى جهادية على مقاسات مصالحهم، ومن السخرية أنّ تلك البلاد السلفية تعتبر الكثير من الأمور الفقهية الخلافية بدعا وضلالا وتفعل جهاراً ما يعتبره ابن تيمية من نواقض الإسلام.
الربيع العربي ليس تخطيطاً غربياً، كما يتشدق البعض ويطلقون عليه لفظ ‘ما يُسمى بالربيع العربي’، فلا تزال تجري المحاولات لإحباط الانتفاضات العربية، وقد نجح أغلبها إلى حدٍّ كبير؛ ففساد أجهزة الأمن والمخابرات لم يكن عبثياً بل خطّطت له الأنظمة ومن وراءها من أسيادها في الغرب على الدوام؛ وهـــــم يعملون الآن على إعادة عجلة الزمن إلى الوراء لتبقى بلداننا تدور في أفلاك التخلف والاستعباد، إنّ إقرار قانون الانتخاب في تونس وإلغاء العزل السياسي، وبالتالي السماح لرموز النظام السابق بالترشّح يؤكد أنّ ما جرى من فصول الحوار السياسي مع حركة النهضة، الذي أفضى إلى تنازلها عن السلطة لم يكن بينها وبين باقي الفرقاء السياسيين؛ بل بينها وبين دولة بن علي العميقة، فبماذا هددّوهم حتى رضخوا إلى ذلك الحد؟ هل بانقلاب آخر أم بسياط الإرهاب؟
تبيع الأنظمة الدكتاتورية شعوبها في أرخص أسواق النخاسة ولا تتوانى عن بذلهم في سبيل الحفاظ على كراسيها؛ وهذا ديدن السنين في تواليها على أجيال أمتنا، أما العدل والديمقراطية فلا تزال أطيافها بعيدة لا تتراءى إلا في مخيلة أفلاطون ويوتوبياه؛ وتبقى أحوال فقراء الشعوب تتراوح بين ثلاث كلمات لخصّ فلاسفة أحد الأزمان فيها تاريخ البشرية فقالوا:’ولدوا؛ تعذبوا؛ ماتوا’.
‘ كاتب سوري