الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءات سورية للحدث المصري

قراءات سورية للحدث المصري

14.07.2013
عمر قدور

المستقبل
الاحد 14/7/2013
كادت الأحداث الجارية في سوريا أن تغيب تماماً عن اهتمام الإعلام في الأسبوعين الأخيرين، فالتركيز على الحدث المصري شغل النسبة الأعظم من مساحاتها، حتى أن معركة مثل حرب النظام على حمص الجارية في الوقت ذاته لم تحظ بجزء ضئيل من الالتفات الذي نالته فيما مضى حرب النظام على حيّ واحد في المدينة هو حيّ بابا عمرو. هكذا تبين من الحدث المصري الأخير أن الدم السوري لم يعد ساخناً بما يكفي ليحتل طليعة الأنباء دائماً، وبعيداً عن وكالات الأنباء بات من الواضح أن الاهتمام السياسي الدولي الذي واكب قمة الثماني قد تراجع أيضاً، وقد تراجعت معه وعود دولية بتسليح المعارضة، أهمها ما أشيع أخيراً عن عرقلة لجان في الكونغرس الأميركي لإرسال شحنات الأسلحة إليها.
إذاً فقط من باب الانفعال، يمكن توجيه اللوم أو العتب إلى الإعلام العربي والعالمي اللذين همّشا الخبر السوري إلى درجة غير مسبوقة، وذلك لا يعني تجريد المصريين من أحقيتهم باهتمام وسائل الإعلام بهم، بخاصة عندما نأخذ بالحسبان انشغال مواقع التواصل الاجتماعي لنسبة ضخمة من النشطاء السوريين بالحدث المصري أيضاً، الذي قفز فجأة إلى المقدمة، وصار مثار خلافات فيما بينهم، وكأن البعض منهم راح يشاطر الآخرين مللهم من سوريا وأخبارها. على صفحات أولئك النشطاء أيضاً لم يعد لحمص تلك المكانة بوصفها عاصمة الثورة السورية، وانقسموا بين ساحتي التحرير ورابعة العدوية، بل لم يخلُ الانقسام من التغني بوطنية الجيش المصري ومقارنته أحياناً بجيش النظام السوري.
لكن للأمانة، لا يخلو انشغال المثقفين السوريين على وجه التحديد بالحدث المصري من رسائل موجهة ومسيّسة يصب قسم كبير منها في الحدث السوري ومآلاته، وقد يكون السجال فيما بينهم قد افتتح موسعاً بهذه المناسبة إلا أنه ليس طارئاً أو جديداً. هم فقط استعاروا الرموز المصرية، وهي تتشابه من حيث الشكل مع الاصطفافات السورية القائمة ضمن الثورة وبعيداً عنها. كلمة السر هنا هي تنظيم "الإخوان المسلمين"، ولا شك في أن نسبة لا يستهان بها من المثقفين السوريين تقف على مسافة بعيدة منهم، وليس نادراً أن يتبنى قسم من المثقفين الرواية الرسمية عن دور الإخوان في سوريا مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبحذافيرها. يُضاف إلى ذلك العداء تجاه الإخوان من قبل العلمانيين حساسيةٌ سورية خاصة تتعلق أساساً بالمسألة الطائفية، والتخوفات المرافقة لها من أنّ أي هيمنة "للإخوان" تعني زيادة في الانقسام المجتمعي الذي لم يعد خافياً.
مع ذلك، المسألة ككل ليست بالبساطة السابقة، فالحدث المصري أثار انقسامات واسعة بين مؤيد للشرعية الديموقراطية ومؤيد للشرعية الشعبية، حيث تأخذ الأخيرة لدى البعض مكانة الشرعية الثورية الدائمة، وبالتالي تروّج لنظرية الثورة المستمرة. أصحاب الرأي الأخير يرون أن الثورة الأولى سُرقت، ولا يفوت بعضهم الانتباه إلى أن الثورة الثانية عرضة للسرقة أيضاً ما يستدعي دائماً بقاء الشعب مستعداً للتصدي للقوى الطامحة بالسلطة. بينما يرى أصحاب الرأي الأول أن الديموقراطية كفيلة بتصحيح أخطائها، وأن الثورة أنجزت مهمتها بالانتقال إلى صناديق الاقتراع، وأن أي ديكتاتورية تحاول استغلال تلك الصناديق ستبوء بالهزيمة لاحقاً، وقد يكون من المستحسن في حالة الإخوان أن يثبتوا فشلهم نهائياً، لقطع الفرصة أمام عودتهم على النحو الأيديولوجي المعهود عنهم حتى الآن.
في الترجمة السورية لما سبق، لا يخفى أن البعض مع تنحية "الإخوان" والإسلاميين من المشهد السياسي السوري الآن ولاحقاً، مثلما لا يخفى عدم ممانعة بعض العلمانيين إعطاء فرصة لهم أسوة بالتيارات السياسية الأخرى. أيضاً لا تغيب هنا انقسامات السوريين الأصلية بين هيئات معارضة يتواجد فيها الإخوان وهيئات أخرى مناوئة لهم؛ أي أن قسماً معتبراً من الطرفين يستلهم الحدث المصري للدلالة على سوريا بعد سقوط النظام. النظام نفسه لم يكن بعيداً عن الحدث المصري، فقد انشغل إعلامه بشكل غير مسبوق أيضاً بتغطية اعتصام ساحة التحرير، ولم يخفِ انحيازه التام إلى معارضي الإخوان، على رغم عدم وجود آفاق واضحة لعلاقة جيدة تربطه بالنظام المصري الجديد. إعلام النظام لم يقصّر سابقاً في الهجوم على السلطة التي قامت بعد حكم مبارك والتركيز على أخطائها، على الرغم من أن علاقته مع نظام مبارك لم تكن على ما يرام في أغلب الأوقات، ولطالما اتهم الأخير بالعمالة لأميركا وإسرائيل. مع ذلك يبدو خطاب النظام متماسكاً على هذا الصعيد؛ فهو كان ضد ثورة 25 يناير لأنه ضد الربيع العربي بالمطلق، وبذلك يكون أميناً للديكتاتورية مهما اختلف مع واجهتها، أما انحيازه إلى التغيير المصري الحالي فلأن الجيش أداته الأثيرة- من وجهة نظره قام بما يلزم لإعادة الأمور إلى نصابها الأول، فكيف إذا كان الانقلاب على عدوه المعلن "الإخوان المسلمين"؟
أن يتفق النظام وقسم من المعارضة حيال ما يحدث في مصر فهذا مؤشر مفاجئ نوعاً ما، لكنه لا يتجاوز لدى البعض اتفاقاً على النتائج فحسب، أما لدى البعض الآخر لمن يحسبون أنفسهم على المعارضة فهو اتفاق في الجوهر مفاده تفضيل حكم العسكر على الإخوان مهما كلف حكم الأول منهما. ينطلق أصحاب هذه الفرضية من إسلاموفوبيا مقيمة، وتترافق بعامة مع عدم الثقة بالشعب وقدرته على تصويب المسار الديموقراطي عندما يكون موجوداً. بل إن الشعب بغالبيته، وفق هذه النظرة، يبدو إسلامياً بالطبع وسوف يختار الخيار "الأسوأ" إلى ما لا نهاية، والإخوان كذلك بطبعهم كتلة مغلقة غير قابلة للتغير أو التحول، لذا لا بد دائماً من إقصائهم ومحاصرة نزعات الهيمنة لديهم، ولا غرابة إن هلل هؤلاء للإجراءات "الاستثنائية" التي اتخذها الجيش المصري بحق الإخوان المصريين، على رغم مطالبتهم بالتحول الديموقراطي في سوريا.
قد يرجع جزء من انشغال السوريين المحموم بما حدث في مصر إلى شغفهم بمتابعة مسار الثورات، وترقبهم للمستقبل الذي ينتظرهم، غير أن المستقبل يبدو بعيداً حتى الآن، ومن الصعب البناء على الحدث المصري الراهن للدلالة عليه. لكن النقاشات السابقة لا تخلو من فائدة، ولو على سبيل التمرين الفكري. وهي بالتأكيد رسالة إلى إخوان وإسلاميي سوريا ينبغي أن يأخذوها بالاعتبار الآن ولاحقاً، حتى إن كانت مفارقة للاهتمامات الفعلية على الأرض.
عند النقطة الأخيرة ربما ينبغي الإشارة، ولو بشكل مقتضب كما تفعل محطات التلفزة أخيراً، إلى ما يحدث في سوريا. حمص تتعرض لحملة قصف هي الأعنف، وقد تم اختيار موعدها بحيث يواكب تماماً انطلاق التظاهرات المصرية وانشغال العالم بها، غوطة دمشق الشرقية تحت الحصار منذ أشهر وقوات النظام تمنع عن أهلها الأدوية والأغذية بالإضافة إلى القصف اليومي المعتاد لبلداتها وقراها؛ حواجز النظام المحيطة بها تمنع إدخال أي ربطة خبز أو علبة دواء. الدولار، لحظة كتابة هذه السطور، يتجاوز حاجز الـ300 ليرة سورية وغالبية العائلات السورية انخفض دخلها الشهري إلى ما دون المئة دولار، بحسب سعر الصرف الحالي. الأسلحة النوعية الموعودة وصلت بصورة أسرع من حلفاء النظام وصارت قيد الاستخدام الفعلي، حزب الله لا يزال يقوم بمهمته في حماية خطوطه الخلفية في سوريا، والسوريون لا يوزعون البقلاوة عندما يتمكنون من قتل عناصره.