الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة تحليليّة في تهديد ميليشيات "سوريا الديمقراطية" بالانفصال عن البلاد

قراءة تحليليّة في تهديد ميليشيات "سوريا الديمقراطية" بالانفصال عن البلاد

30.09.2019
عرابي عبد الحي عرابي     


    
نداء سوريا
الاحد 29/9/2019
استطاع "حزب الاتحاد الديمقراطي" PYD والأجنحة المدنيّة والعسكريّة التي تشكّلت في ظلّ إدارته لمناطق مختلفة من الشمال السوريّ أن تنال ثقةَ التحالف الدوليّ الغربي ودعمَه المطلَق لها في حربه مع تنظيم "الدولة"، وقد أعلن الحزب عن تشكيل مجلس سياسي عُرف بمجلس سوريا الديمقراطيّة "مسَد" وآخر عسكريّ سُمّيَ بـ "قوّات سوريا الديمقراطيّة" "قَسَد" ليتمكّن عبر ذلك من إدارة المناطق التي انسحب منها "تنظيم الدولة" تحت مسمّى "الإدارة الذاتيّة"، وقد أدّى هذا النموذج دوراً ملحوظاً من خلال العلاقات التي حظيَت بها الميليشيات مع ثلاث جهات: الفواعل المحلّيّون، وقوى حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى دول التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة - بالرغم من حملات التهجير الممنهجة التي طالت قرىً عربيّة وغير عربية عديدة-، إلا أن هذا كلّه لم يمنحها الجرأة على المطالبة بالانفصال بوضوح أو التلويح به على الرغم من نزوع شخصيات عديدة فيها إلى المطالبة بدولة كرديّة قوميّة في الإقليم.
حدَثُ الإقصاء المتعمّد من اللجنة الدستوريّة –بتعبير الميليشيات- يشير إلى تعاطي الأمم المتحدة مع اﻷخيرة بحجم واقعها الافتراضي الطارئ، فهيَ أمرٌ فرضته ضرورة التحالف ولا تمتلك أن تفرض شروطها ورؤاها في دولة تتجاذب مسارات الحل فيها الولايات المتحدة وروسيا، من هنا فإن تصريح "إلهام أحمد" بأنّ إبعاد الميليشيات عن اللجنة الدستورية قرارٌ خاطئ وأنه سيدفعهم للتفكير بالانفصال -بحسب ما ذكره مصدرٌ إعلاميٌّ- ينبغي أن يُقرَأ ضمن سياق التذكير بأنهم موجودون وبامتلاكهم الحقّ بالمشاركة في رسم القرار المستقبليّ لسوريا، ويعزّز هذه القراءة استنادُ "إلهام أحمد" إلى حساسية المكان الذي تطلق تصريحها منه، فهي في الولايات المتحدة، ولقسد علاقات دعم وثيقة بها، ولذا لا ضيرَ من رفع سقف التهديد ليكون جسراً للعبور الآمن نحو التفاوض!.
من هذا المنطلق يعرض السؤال الملحّ: ما مدى قدرة الميليشيات على تنفيذ تهديدها هذا؟
لا بدّ من الإشارات إلى المحدّدات الآتية التي تحيط واقع هذا القرار
المحدّد الداخليّ: حيث لا تحظى بالدعم الشعبيّ والاجتماعيّ للانفصال عن سوريا نظراً لكون الأغلبيّة السكانية عربيّة عموماً وعشائريَّةٌ بشكل خاص، ومن ثم فإنّهم يميلون إلى رفض الانفصال عن الامتدادات الطبيعية لهم في حماة وحمص وشرق حلب ودير الزور بطبيعة الحال، إضافةً إلى ذلك فإنّ القوى السياسية الكردية ذاتها على خلافٍ داخليّ مستمرّ حول أحقّيّة التمثيل "الكرديّ" والتفاوض باسمهم، ولذا لا تستطيع الميليشيات ادعاء تمثيلها "المكوّن" الكرديّ في سوريا وحدَها بحال من الأحوال.
المحدد الإقليميّ: فمن المعلوم قطعاً أنه ليس ثمة قَبولٌ إقليميٌّ يمنح الميليشيات دعمه لهذه الخطوة سواء كان من المحيط العربي أو إيران أو تركيا، ومن المؤكّد أن حصول هذه الخطوة –في حال أُعلِنت- سيجرّ الإقليم كلّه لأزمات عنيفة متتالية، قد تستدعي تدخُّلاً تركيّاً شاملاً إضافةً إلى فرض دول الحزام حصاراً خانقاً عليها، ولنا في تجربة استفتاء شمال العراق مثال واضح على ذلك.
المحدّد الدوليّ: على الرغم من الدعم العسكريّ اللوجستيّ والتكتيكيّ اللامحدود إلا أنّ هذه الدول لم تمنح الميليشيات يوماً دعمهم الصريح للانفصال؛ فليس من مصلحة الولايات المتحدة دعمها في الانفصال عن سوريا في ظل انشغالها بملفّات عديدة، كما أنّ إعلان هذه الخطوة سيؤثر على وجودها في سوريا ذاته إضافة إلى تأثّر علاقتها الإستراتيجيّة الأكيد بالحليف التركي الذي يميل رويداً رويداً نحو روسيا لمناكفتها جرّاء تعاميها عن مخاوفها الأمنيّة والقوميّة في شمال سوريا.
كل هذا يدفعنا للقول: إن احتمال انفصال ما يسمى بـ "إقليم روج آفا" في ظلّ الشروط الدوليّة والإقليمية والميدانيّة الواقعة الآن أمرٌ بالغ الاستحالة، حيث لا تملك "الإدارة الذاتية" وأذرعها مواجهة الدول الإقليمية كالعراق وتركيا إضافة إلى نظام الأسد وحليفتيه روسيا وإيران، كما أنها لا تملك دعم المجتمع المحلي ولا تستند إلى أرضيّة دوليّة تدفعها لتبنّي هذا الخيار أو اقتراح تطبيقه عمليّاً.
إذن لمَ تعلِنُ "إلهام أحمد" عن السقف العالي لتهديد الميليشيات في أرض العم سام
نعود بقراءة التصريح إلى توقيت سابق، فقد أعلن القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" سابقاً بأنها جزءٌ من سوريا ولا تنوي الانفصال عنها، مع تشديده على ضرورة إيجاد حلٍّ مع النظام في دمشق، كما أكّد أن علاقة القوات -ذات الغالبية الكرديّة- قد تدهورت مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة وذلك بعد قرار الانسحاب من سوريا في وقت سابق، مضيفاً أن واشنطن تخلّت عنهم ودفعت تركيا إلى تهديدهم بشنّ عملية عسكرية ضدهم في شرق الفرات.
هذا يدفعنا إلى تحليل التصريح الأخير على أنه موجّه للداعمين الأمريكيين، فنحن هنا، ولنا أن نثير المشاكل أمامكم إن أُقصيَت حقوقنا في المشاركة بالحلّ السياسي، ولذا فإن غاية هذا القول هو دفع الداعمين لإشراكهم في الحل السياسي الممثل أولاً باللجنة الدستورية بشكل واقعيّ، ويفسّر ذلك جواب جيمس جيفري حين سُئِلَ عن مشاركة الميليشيات في اللجنة الدستورية بقوله: "بكلّ تأكيد".
فهل يعني ذلك أنّ الرسالة قد وصلت، وأن الإدارة الأمريكية تتجاوب آنيّاً مع مطالبات الحليف الطارئ؟.