الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة سياسية للأزمة السورية

قراءة سياسية للأزمة السورية

18.11.2015
محمد محفوظ



الرياض
الثلاثاء 17/11/2015
طبيعة الأزمة السورية، فرضت وقائع وحقائق في المشهد السوري.. وكل المعطيات تؤشر إلى أن هذه الوقائع ستعزز في مرحلة الحلول السياسية.. وكل هذا لا يعنى أن الشعب السوري قريبا سينعم بالأمن والأمان.. وإنما يعني أن ثمة توجها لبلورة إرادة دولية وإقليمية للتوافق على حل سياسي للأزمة السورية وتداعياتها المختلفة.
يبدو من طبيعة المعطيات السياسية والميدانية المتعلقة بالحدث أو المسألة السورية الراهنة، أننا نعيش ومن خلال اجتماعات فيينا والتي تضم العديد من الدول الكبرى والإقليمية المؤثرة في الملف السوري.. فهناك قوى دولية وإقليمية داعمة للنظام السياسي في سورية، وهناك قوى دولية وإقليمية داعمة للمعارضة السورية بكل تلاوينها وأطرافها..
أحسب أن كل هذه المعطيات، تؤسس لخيار الحل السوري للأزمة السورية.. صحيح أن هذا الحل بعد لم يتبلور أو يتم الاتفاق على كل بنوده الأساسية..
إلا أن اجتماعات فيينا وما رافق هذه الاجتماعات من توافقات سياسية جزئية وليست شاملة، كل هذا يؤكد أن قاطرة الحل السياسي للأزمة السورية في طريقها للانطلاق.. وفعالية الحل السياسي للأزمة السورية، نابعة في تقديرنا من الحقائق التالية :
- إن أطراف الصراع والأزمة السورية غير قادرين من الناحية العسكرية والميدانية على حسم الصراع.. وثمة توازن شبه دقيق لعناصر القوة لدى كل الأطراف الميدانية.. ولقد أبانت الشهور الماضية أن الجيش السوري غير قادر لأسباب عديدة على حسم المعركة ميدانيا كما أن المعارضة بكل تلاوينها غير قادرة على حسم المعركة ميدانيا وعسكريا.. وحينما تغيب القدرة لدى كل أطراف الميدان على حسم المعركة عسكريا، لا يبقى إلا الحل السياسي.. ولجوء كل الأطراف السورية إلى الحل السياسي، يعود في تقديرنا لعدم قدرة الجميع على حسم المعارك عسكريا وميدانيا..
فالمعارك الميدانية تعيش حالة من المراوحة بين الانتصارات التي لا تحسم المعركة والهزائم التي لا تخرج أي طرف من المعادلة.. لذلك لم يبق إلا خيار الحل السياسي، الذي سيستفيد أيضا من حقائق الميدان.. ولكن الاستفادة من حقائق الميدان لتعزيز خيارات القادر على توظيف هذه الحقائق في الحلول السياسية..
وتأسيس لحظة الحل السياسي للأزمة السورية، لا يعنيان بأي حال من الأحوال، أن جميع الأطراف ستخضع لمتطلبات الحل السياسي.. ستبقى هناك قوى مسلحة غير مقتنعة بالحلول السياسية وستستمر في القتال إلى أن يتحول الخيار السياسي إلى توافق دولي وإقليمي عميق..
- التوازن الدولي والإقليمي في الملف السوري.. فكل أطراف الصراع في سورية، لديها دعم دولي وإقليمي، واستمرار حالة التوازن الدولي والإقليمي يعجل في الحلول السياسية..لأن كل الأطراف الدولية والإقليمية، استخدمت كل وسائلها لتغيير ميداني قادر على حسم المعركة أو الأزمة، إلا أن جميع الأطراف وصلت إلى طريق شبه مسدود، ولم يبق أمام الجميع إلا الحلول السياسية.. وفي المرحلة الأولى من الحلول السياسية، سيدافع الجميع عن خياراته الحقيقية، ويعمل على الوصول إلى نتائج فعلية لم يتمكن من الوصول إليها بالقوة العسكرية.. وسيستمر الجميع في مرحلة الضغط للقبول برؤيته أو إستراتيجيته لحل الأزمة السورية إلى أن يتم التوافق العميق وبالذات بين الأطراف الدولية على طبيعة الحلول السياسية وآليات عملها في الأزمة السورية.. لهذا فإننا نعتقد أن لجوء جميع الأطراف إلى الحلول السياسية، يعود بالدرجة الأولى في ظل التوازن الدولي والميداني، إلى عدم قدرة الجميع على حسم المعركة في الميدان..
وحينما يستمر جميع الأطراف في الحرب دون أفق القدرة على حسم المعارك، يتبلور خيار الحلول السياسية، بوصفه هو الحل القادر على تغيير معادلات المشهد السوري الداخلي على أقل التقادير على مستوى الحدود الدنيا للتطلعات والطموحات السياسية..
وفي تقديرنا حتى التدخل العسكري الروسي المباشر، غير قادر على حسم المعركة على الأرض.. صحيح أن التدخل الروسي سيرجح كفة النظام السياسي السوري في الميدان، ولكن الترجيح لن يتمكن من تحقيق غلبة دائمة في الميدان.. وأحسب أن التدخل العسكري الروسي، ساهم في تعجيل الخيار السياسي للأزمة السورية.. ويبقى الضحية الكبرى في كل هذه التحولات والتطورات، هو الشعب السوري.. فالجميع اليوم يتحدث باسمه لأن سورية أصبحت مكشوفة سياسيا وجغرافيا لجميع الإرادات الإقليمية والدولية، والجميع لديه أجندته ورؤيته الاستراتيجية، ويستخدم في سياق الترويج لأجندته اسم الشعب السوري.. وأحسب أن هذه المعضلات الأساسية، سيعاني منها الشعب السوري.. لأنه وحده هو الذي يدفع ثمن كل المواجهات العسكرية والسياسية.. وكل الأطراف التي تتحدث باسم مصالح الشعب السوري، هي تمتلك تصورا ومشروعا سياسيا واستراتيجيا لسورية، ولا سبيل لتسويقه إلا التحدث باسم الشعب السوري..
وعلى كل حال طبيعة الأزمة السورية، فرضت وقائع وحقائق في المشهد السوري.. وكل المعطيات تؤشر إلى أن هذه الوقائع ستعزز في مرحلة الحلول السياسية.. وكل هذا لا يعنى أن الشعب السوري قريبا سينعم بالأمن والأمان.. وإنما يعني أن ثمة توجها لبلورة إرادة دولية وإقليمية للتوافق على حل سياسي للأزمة السورية وتداعياتها المختلفة.. ولكن هذا الحل لن تتبلور ثماره العملية، إلا إذا حظيت الأزمة السورية بتوافق دولي وإقليمي عميق..
ولازال وفق المؤشرات السياسية هذا التوافق العميق بعيد المنال.. لذلك ستستمر الأزمة السورية في وجهها العسكري مع مؤشرات لن تلغي كما يبدو من المشهد السوري الحرب والمواجهات المسلحة.. سيستمر جميع أطراف الأزمة السورية في المواجهات العسكرية إلى أن يتبلور عمليا مشروع الحل السياسي.. وإلى أن يصل مشروع الحل السياسي إلى مداه النهائي، سيعاني الشعب السوري بأسره من مخاطر المواجهات العسكرية التي تدمر كل شيء في سورية، الأرض والإنسان والتاريخ.