الرئيسة \  مشاركات  \  قراءة في المشهد السوري في ضوء زيادة الوجود الروسي

قراءة في المشهد السوري في ضوء زيادة الوجود الروسي

30.09.2015
د. محمد عادل شوك





ما من وقت تلاقت فيه المصالح الدولية حول الملف السوري كما هو حاصل الآن، و قد كان القاسم المشترك لها في ذلك هو:
1ـ الحدّ من الاندفاعة التي كانت سمة واضحة لفصائل الثورة خلال الأشهر و الأسابيع الماضية؛ فهاهي معركة عاصفة الجنوب قد أوقفت، و انشغل أهلها ببضع مئات من الدواعش في كهوف اللجاة، و هاهي غرفة عمليات جيش الفتح في إدلب قد حدّت من اندفاعتها باتجاه قرى و بلدات الغاب الموالية، و أصبح جلّ همها المداومة على نقاط الرباط الموكلة إلى فصائلها، و هي الآن مهددة بشكل واضح في تفكيكها بعد الخلاف المريب بين النصرة و الأحرار، و هاهي غرفة عمليات جيش الفتح في حلب قد انصرفت عن خوض غمار معركة استكمال تحريرها، للتصدي لاندفاعة داعش في الريف الشمالي و الشرقي لها، و قطع الطريق على مسعى وحدات الحماية الكردية في مناطق الكاستيلو لتطويقها، و قطع طرق إمداد الثوار من جهة الشمال، و بتغطية من طيران النظام؛ ثأرًا من التحركات التركية للفصل بين كانتوناتهم الثلاث. 
2ـ محاولة تعويم الأسد أو جزء من نظامه، ممثلاً بالأجهزة الأمنية، لمحاربة الإرهاب مجسّدًا في داعش؛ بحجة امتلاكه خبرة كافية تؤهله لذلك. و المحافظة على كيان الدولة السورية من التفكك؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى و الانفلات في منطقة يمنع فيها ذلك؛ خوفًا من وصول شرره إلى الجارة المدللة.
في هذا الوقت تمّ تسليط الضوء على زيادة الوجود الروسي في سورية، و تحديدًا في المنطقة الساحلية الواقعة تحت سيطرة الأسد، و تمّ تصوير الأمر و كأنه احتلال يعيد إلى الأذهان صورة التدخل في أفغانستان في حقبة الاتحاد السوفييتي، و بدأَ مَنْ يهوى خوض المعارك الجانبية في صحراء أحلامه، بتجهيز النعوش التي ستعمّ أرجاء روسيا، بدءًا من مدينة سيفاستبول في شبه جزيرة القرم.
فبحسب ما أفاد موقع غوردون الإخباري الناطق باللغة الروسية،نقلاً عن النائب الأوكراني، وزعيم تيار التتار في القرم مصطفى دحملوف،في حديثة للقناة الأوكرانية،بأن عشرة من الجنود الروس الذي قتلوا في سورية قد وصلوا إليها يوم السبت ( 26/ 9/ 2015م ).
و بالطبع لا ننسى صورة الجندي الروسي المرمي في شوارع حماة، مقطوع الرأس، و هو الأمر الذي لم يتبناه أيُّ فصيل عسكري هناك.
إن الموضوع لا يعدو كونه سعيًا من أنصار الأسد على اختلاف مستوياتهم، و جنسياتهم من أجل تشتيت قوى الثورة، و الحدّ من اندفاعتها نحو القرى الساحلية الموالية، كنتيجة لما خلُص إليه اللقاء الذي جمع مسؤولاً كبيرًا في المخابرات الأمريكية مع الأسد، و قاسم سليماني، و ضباط من حزب الله، عقب معارك تحرير إدلب، الذي أوصى بحصر المعارك في المناطق الحاضنة للثوار ما أمكن، و قد تكفلت داعش بذلك في حينها عندما فتحت جبهة شمال و شرق حلب، و يراد لهذه القوى أن تنشغل اليوم بمعارك مع القوات الروسية لا تقل ضراوة عن معارك داعش.
و كذلك تماشيًا مع رغبة التيار المتعاظم يومًا بعد يوم في الساحل،حيث الحاضنة الشعبية المؤيدة لنظام الأسد الأوليغاريكتي، التي أصبحت تنظر بشيء من الريبة و التخوف إلى تزايد الوجود الايراني في الساحة السوريةلأسباب مذهبية، فهي ترى في الوجود الروسي خلاصًا لها من حالة التديّن في حال تشيعهم.
وقد ساعد في تشكُّل هذا التيار الروسي على حساب التيار الإيراني، قدامى اليساريين والماركسيين، وبعض المليونيريين الجدد من الطائفة، من رجال الأعمال ذوي الاستثمارات الكبرى في روسيا، و دول أوروبا الشرقية سابقًا، الذين لا يثقون في الشريك الإيراني، و لا يطمئنون لوضع يدهم في يده؛ نظرًا لما هو معروف عنه من الإنفاق على طموحاته التوسعية من جيوب الآخرين، كما حصل في مدخرات البنك المركزي العراقي أيام نوري المالكي.
ومن هنا كان الإسراع الذي هو أقرب إلى التسرع، في إعطاء استثمارات الغاز في الساحل لشركات روسية.
إن الاندفاعة العسكرية الروسية الحالية لا تعني بالضرورة الاستعداد للذهاب إلى الحرب؛ بمقدار ما تعني البحث عن التسوية السياسية للمسألة السورية، وربّما في الإقليم برمته، إذ يعتقد المخطط الروسي أن القوى العالمية الفاعلة ( أمريكا، و الغرب، و إسرائيل واللوبي المؤيد لها ) قد استنفدت أغراضها كلها تقريبًا،المتمثلة بتدمير سورية، ومنعها من النهوض من الآن و حتى خمسين سنة قادمة على أقل تقدير، و أنّ أمن الدولة العبرية صار مضمونًا بنسبة كبيرة للغاية، وأنّ أطراف النزاع الداخلي كلها في سورية قد استهلكت قواها، و تضعضعت تمامًا؛ وبالتالي صارت البيئة الاجتماعية والنفسية والسياسية ملائمة تمامًا للشروع في تسوية سياسية تلبي الحد الأدنى من مطالب مختلف الأطراف.
فهل كان الروس في قلب المطبخ السياسي العالمي الذي أنضج هذه المعادلة؟ أم أنهم استشعروا ذلك و أحسوا به تمامًا؛ فبادروا إلى هذه الاستدارة الدبلوماسية العسكرية المثيرة، لأنهم يريدون أن يذهبوا إلى التسوية، التي لن تكون ( سورية ـ سورية ) فقط،  بل ( سورية ـ إقليمية ـ دولية )، وفي أيديهم أوراق قوة تضمن لهم مصالحهم. هذا فضلاً على الدور المناط بهم بضمان التزام الأسد بما ستسفر عنه مبادرات الحل المطروحة على الطاولة.
إنه لا يمكن أن تحصل ولأسباب كثيرة أية تسوية في سورية بمعزل عن الروس؛ وبالتالي فحضورهم اليوم في المسألة السورية، وبهذه الوتائر المتسارعة والمتصاعدة له ما يبرره، أو بالأحرى مايفسره.
إن التفاهمات الدولية لإيجاد صيغة حلٍّ مشتركة بين أطراف النفوذ المؤثرين في المنطقة؛ ستجعل كلاًّ منهم يسعى للزج بقواته في المنطقة من أجل حماية مصالحه بالدرجة الأولى، و ليس لخوض معارك جانبية تصرفه عن ذلك.
و حتى صور الطائرات الثمان و العشرين التي التقطت رابضة في مطار حميميم، لا تعدو كونها تلك الطائرات العراقية المهربة إلى إيران عام ( 1991م )، و قد أعيد تعميرها من قبل خبراء روس و إيرانيين، ثم أعطيت هدية للنظام للتعويض عن حالة النقص التي حلّت بالقوة الجوية لديه بعد أربع سنوات من الاستزاف.
فعلى الذين يستهويهم خوض الصراعات الأممية، و الزج بالأمة في صراع بعد آخر، ينهكها، و يبدد قواها، و ثرواتها، من أجل إشباع الحالة الهياجية التي يمرّون بها في لحظات اللاوعي الإيمانية، التي ينتقمون فيها لهزيمة مشروعهم في أفغانستان، و الصومال، و العراق، و أبخازيا، و غروزني، و أنغوشيا، و ......
صامِّين آذانهم عن حقيقة الثورة السورية، و دواعيها، و مسبباتها، و خصوصيتها المحلية البحتة، أن يدعوا السوريين و شأنهم، بعيدًا عن صدام المشاريع، و الحروب بالوكالة، فكأنهم لم يكتفوا بما بددوه من ثروات و طاقات الأمة في تلك البقاع، حتى يأتوا على ما تبقى منها في سورية.
لِنَهَبْ جدلاً أن القوات الروسية قد جاءت لمؤازرة قوات الأسد المتهالكة، فما الذي ستفعله أكثر ممّا فعلته قوات مرتزقة إيران الطائفية، التي أشغلتنا ببطولاتهم الخارقة، على يد شمشونها الجبار ( قاسم سليماني ).
 لقد رأت روسيا بعينيها كيف قادت تلك الحروبُ الدانشكوتية إيرانَ إلى طاولة المفاوضات مع حركة أحرار الشام، حول حفنة من مرتزقتها أعيتها الحيلة في فك الحصار عنهم في الفوعة.
علينا ألاَّ ننشغل بقتل الناطور عن قطاف العنب، فالأيام القادمة حبلى بالمفاجآت على الصعيدين: المحلّي، و الدولي، بدءًا بنُذُر التصعيد المريب من دواعش جبهة النصرة نحو أحرار الشام، و انتهاءً بتلاقي المصالح بين القوى الدولية على الساحة السورية.