الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة في "تقرير التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية"

قراءة في "تقرير التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية"

04.05.2014
علي القاسمي


السفير
السبت 3/5/2014
في الوقت الذي نسيت فيه الأجيال العربية الصاعدة حُلم الوحدة العربية والديموقراطية والتنمية البشرية، نتيجةً للسياسات التعليمية والإعلامية التي مارستها الأنظمة العربية خلال عقود من الزمن، فإن امرأة عربية اسمها الدكتورة ريما خلف ظلّت متشبثة بهذا الحلم الجميل. واغتنمتْ موقعها الدولي بوصفها وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فأصدرت سلسلة من التقارير الأممية في مطلع الألفية الثالثة بعنوان "التنمية الإنسانية العربية"، تبيّن الاستراتيجيات اللازم تطبيقها لإيجاد مجتمع المعرفة القادر على تحقيق التنمية البشرية، من أجل تمكين الإنسان العربي من التمتع بحقوقه الأساسية من تعليمٍ منتج، وصحةٍ جيدة، ودخلٍ فردي كافٍ يضمن له العيش بكرامة إنسانية. فهذه المرأة مثال للمثقف العربي الحر المسكون بهمِّ أمته ومصيرها، الباحث دوماً عن طريق النور والخلاص، الجاعل من آلام الجماهير وحزنها آلامه الشخصية وحزنه، ومن أحلامهم وآمالهم حادياً لفكره وهادياً لقلمه.
وقد عكفت "الأسكوا" خلال السنتين الماضيتين على إعداد تقرير يحمل عنوان: "التكامل العربي، سبيلاً لنهضة إنسانية"، وحشدت له مجموعة كبيرة من الاقتصاديين والمفكرين البارزين، وأطلقته في الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير الماضي في تونس بحضور رئيس الجمهورية التونسية الذي وعد بتقديمه إلى القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد في بلاده بين 15 و20 كانون الثاني/يناير 2015.
 
الواقع العربي
 
يصف التقرير حال العالم العربي اليوم، فيشير إلى المأزق التنموي الذي وصلت إليه البلدان العربية نتيجة عقود من التخلُّف المعرفي وهشاشة البنى الاقتصادية وتفشي الظلم والقهر والتشرذم المجتمعي.
إن التشرذم العربي وضعف التعاون بين البلدان العربية أديا إلى أخطار محدقة بأمن المواطن وحرية الأوطان، ما جعل المنطقة العربية أكثر المناطق استباحة من القوى الأجنبية. ففلسطين ما زالت ترزح تحت استعمار استيطاني، خلافاً لجميع المواثيق الدولية. وتمارس إسرائيل تهديداً وخطراً على أمن المواطن العربي بترسانتها النووية واتباعها سياسة تأجيج الحروب الأهلية في المنطقة في محاولة لتفتيت الدول العربية إلى دويلات طائفية.
كما أدى ضعف التعاون العربي إلى وجودٍ عسكري ونفوذٍ أجنبي ضخم في المنطقة يرسّخ تبعية البلدان العربية إلى القوى الأجنبية. وأدى تدهور الأمن القومي إلى استفحال مشاكل اللجوء والتهجير القسري، حتى تجاوز نصيب العرب نسبة 53 في المئة من مجموع اللاجئين في العالم، في حين أن العرب لا يشكلون سوى 5% من مجموع سكان العالم.
 
استراتيجية التقرير
 
يطرح التقرير بديلاً للخروج من هذا المأزق متجسِّداً في فكرة التكامل بين البلدان العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية. ومما ييسِّر هذا التكامل اشتراك 350 مليون إنسان في تراث تاريخي وثقافي وروحي واحد، وتقاربهم جغرافياً، واستعمالهم لغة واحدة. ولكنهم بحاجة إلى إرادة سياسية مستقلة ومعرفة مبدعة وقدرة فعليه لاستئناف دورهم التاريخي في مسيرة الحضارة الإنسانية.
وتقوم استراتيجية التقرير في تحقيق التكامل العربي على ثلاثة أركان هي:
1) تعاون سياسي لإقامة حكم ديموقراطي في البلدان العربية، وتشكيل كتلة عربية متجانسة في المحافل الدولية للحفاظ على الحقوق العربية، وتحرير الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان السوري والجنوب اللبناني.
2) تعميق التكامل الاقتصادي وتنفيذ الاتفاقيات المتعلِّقة بتوحيد التعرفة الجمركية والوحدة الاقتصادية وحرية انتقال العرب في البلدان العربية.
3) الاصلاح الثقافي التربوي لتوفير التعليم الجيد لجميع الأطفال باللغة الوطنية لتكوين مواطنين مبدعين قادرين على بناء مجتمع المعرفة، متمكنين من الانتاج. ويدعو التقرير إلى إطلاق حرية انتقال نتائج البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني وحرية انتقال البشر عن طريق إلغاء التأشيرة بين البلدان العربية (يُلاحظ أن الدول العربية لا تطلب تأشيرات من الأوربيين والأميركيين).
وإذا كان التشرذم الذي تعانيه مجتمعاتنا العربية، والصراعات الاثنية والطائفية والنزعات الانفصالية المتفشية في بلداننا، تجعل من أهداف التقرير ضرباً من الخيال أو حلما لا يُنال، فإن التقرير يعتبر هذا الواقع المرير دافعاً قوياً للخروج منه والدعوة إلى تكامل عربي يحقق التماسك الاجتماعي عن طريق تساوي الجميع في المواطنة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
ومشروع التكامل العربي كما هو مطروح في التقرير لا يناقض مشروعات التكامل الاقتصادي القائمة ولا ينقضها، يل يأتي ليكملها ويسندها. كما انه يوطّد العلاقات الاقتصادية مع التكتلات والتجمعات الأخرى، خاصة في آسيا وأفريقيا، بحيث يكون وسيلة فاعلة للأخذ والعطاء، والتفاعل مع الحضارات الإنسانية كافة.
 
الوحدة الاقتصادية العربية
 
على الرغم من أن العمل العربي المشترك المتمثل في تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1948، يرمي إلى إقامة وحدة اقتصادية عربية ودفاع مشترك، فإنه انحسر وحُصِر فقط في نطاق تيسـير التبادل التجاري بين اقتصادات لا تنتج كثيراً، ووُضعت العراقيل أمام مسيرة إنشاء سوق عمل عربية واحدة، وتحوَّلت اتفاقات العمل العربي المشترك إلى مجرَّد إعلانات مبادئ ونوايا حسنة لا تجسيد لها على أرض الواقع.
لقد اتبعت البلدان العربية سياسـات لغويـة وثقـافية جعلت منـها أكـثر ارتباطاً بمُستـعمِر الأمـس من ارتباطها بالأمّة، وأضعفت وحدة اللغة والمخيلة، وقيَّدت الطموح، وألغت أُسس التنشئة المشتركة لأبناء الأمة. (ويتضح هذا في السياسات الإعلامية التي توكِّد الروح القطرية، وفي الدعوات التي تُطلَق لاعتماد اللهجات العامية والدارجة في التعليم والإعلام).
وخلافاً للسياسات الحكومية، فإن الشعوب العربية تسير في طريق التكامل العربي الشعبي، تأكيداً لوحدتها الثقافية والتاريخية والتراثية. وقد أدى الفن والأدب والإبداع دوراً فاعلاً في التلاحم بين مشاعر أبناء الأمة، كما يتضح ذلك في الشعر والقصة والرواية والغناء، وفي الفضاء العربي المشترك الذي أوجدته الفضائيات العربية ووسائل الاتصال الحديثة. فأسهم كل ذلك في تقريب العادات والتقاليد واللهجات، وأصبح التنوُّع عامل إغناء للهوية العربية المشتركة.
 
معوّقات التجارة الحرة بين البلدان العربية
 
برغم وجود اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تنص على إعفاء جمركي كامل، فإن سلعاً عديدة تخضع لحماية جمركية حقيقية في التجارة البينية العربية. وتؤدّي الرسوم والضرائب الإضافية إلى رفع تكاليف المبادلات التجارية والحد من الاستيراد أو التصدير.
ولكي يمهَّد الطريق للتكامل الاقتصادي العربي لا بدّ من تنسيق السياسات النقدية بين الدول العربية، بحيث يتم تثبيت أسعار الصرف الحقيقية للعملات العربية عند مستوى موحَّد يُعمَل به في معاملات الاستيراد والتصدير. وتعود هذه الصعوبة إلى أن بعض العملات العربية مرتبط بالدولار وبعضها الآخر مرتبط بسلة عملات.
 
فوائد التكامل العربي
 
يقدم التقرير تقديرات قياسية كمية لمـنافع الـتكامل العربي. فيرى أن تحرير التجارة وتحقيق الاتحاد الجمركي العربي بحلول العام 2015 فقط لا يؤدّي إلى أفضل النتائج، لأن العائق أمام التجارة البينية العربية وحركة السلع بين البلدان العربية هو القيود غير الجمركية وارتفاع أسعار النقل. لهذا، يدعو التقرير الدول العربية إلى إزالة جميع القيود والعراقيل الحمائية بالتوازي مع إزالة التعرفات الجمركية، كما يدعو إلى بناء الطرق السيارة والسكك الحديدية الرابطة بين البلدان العربية. (ومن المحزن حقاً أنه في أيام الاستـعمار الفرنسي كانت هناك سكة حديد تربط بين بلدان المغرب العربي، كما كانت هناك في العهد العثماني سكة حديد دمشق ـ الحجاز، أما اليوم في عهد " استقلال" الدول العربية، فقد قطعت هذه الطرق بل أُغلقت حتى الحدود).
 
عوائق تعترض التكامل العربي
 
يقسّم التقرير العوائق إلى خارجية وداخلـية. فالقوى الأجنبية تقاوم أي تكامل عربي منذ القرن التاسع عشر. ففي رسالة بعث بها وزير خارجـية بريطـانيا في العام 1840 إلى سفيره في إسطنـبول، أشار إلى أن الهدف من تشجيع بريطانيا استيطان اليهود في فلسطين يهدف إلى إيقاف أي محاولات " شريرة" قد يقوم بها محمد علي باشا أو أي من خلفائه في المستقبل، لإقامة كيان موحَّد في مصر وسوريا الطبيعية. وفي العصر الحاضر تطرح القوى الغربية مشاريع إقليمية بديلة للتكامل العربي مثل التعاون المتوسطي، ومشاريع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لفرض إسرائيل على المنظومة الإقليمية العربية.
أما العوائق الداخلية، فتتمثل بوجود أنظمة حكم لا تمثل شعوبها ولا تخضع للمساءلة أمامها، بل ترتبط مصالحها بالقوى الدولية المتنفذة، وتستمد شرعيتها وأمنها منها.