الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قراءة في مبررات الوجود الأمريكي بسوريا

قراءة في مبررات الوجود الأمريكي بسوريا

27.03.2018
عاصم عبد الخالق


الخليج
الاثنين 26/3/2018
هل للولايات المتحدة استراتيجية محددة للتعامل مع الأزمة السورية؟. وما هي ملامحها وأهدافها إذا كان لها وجود؟ الإجابة عن هذا السؤال يمكن العثور عليها في الخطة التي طرحها وزير الخارجية المقال ريكس تيلرسون في يناير/كانون الثاني الماضي بشأن أهداف الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي السورية. وبما أنه لم يصدر عن إدارة الرئيس ترامب ما يفيد التراجع عن هذا التصور بعد عزل الوزير، فمن البديهي أن يكون ما أعلنه هو موقف الإدارة وليس تصوره الشخصي.
القراءة المتأنية للخطة الأمريكية المعلنة تفضي لاستنتاجات خطيرة. فالمبررات التي ساقتها واشنطن لوجودها العسكري في سوريا تبدو متهافتة للغاية ولا تصمد أمام التحليل الدقيق والمنطقي، وهو ما يكشف بسهولة أنها ليست أكثر من حجج شكلية لمنح مشروعية لوجود عسكري أمريكي طويل الأمد.
وفي الحقيقة فإن إدارة ترامب لم تعد تتحدث عن أي جداول زمنية للخروج من سوريا. بل يضغط اليمين المهيمن حالياً على بقاء دائم بدعوى عدم تكرار خطأ الانسحاب من العراق.
الأهداف الخمسة التي تتذرع بها أمريكا للبقاء تتصدرها الرغبة في إلحاق هزيمة كاملة ب "داعش" و"القاعدة" وما شابههما من تنظيمات إرهابية، ومنع عودتها. غير أنه لا يوجد في الواقع ما يضمن أن ألفي جندي أمريكي في سوريا حالياً بمقدورهم تحقيق ذلك، مع ملاحظة أن الوجود الأمريكي يتركز في الشمال الشرقي بينما تنتشر عناصر "القاعدة" و"داعش" بكثافة في الشمال الغربي. ثمة ملاحظة أخرى تتعلق بالرفض التركي الصريح والصارم للخطة الأمريكية المعلنة بتشكيل قوات حرس حدود قوامها 30 ألف جندي من قوات سوريا الديمقراطية الكردية وهو ما يعني أن التعويل الأمريكي على توسيع الدور العسكري للأكراد مشكوك في فاعليته. فضلاً عن كل ذلك فإن هزيمة "داعش" ككيان تنظيمي تحققت تقريبا بالفعل. وإذا كان هذا هو المبرر للحضور الأمريكي العسكري فقد انتفى الآن.
الهدف الثاني المعلن للوجود الأمريكي وهو المساعدة في إيجاد حل للأزمة السورية في إطار الأمم المتحدة وبما يشمل رحيل الأسد لا يبدو واقعياً. ولا يوجد في سلوك أمريكا وتحركاتها ما يوحي بجديتها في تحويل هذا الكلام إلى أفعال. بالنسبة لرحيل الأسد فقد أصبح أكثر صعوبة الآن على ضوء انتصار قواته على المعارضة التي تخلت واشنطن عن دعمها. كما أن المواقف الغربية بما فيها الأمريكية عموماً باتت تتقبل وجوده منذ أكثر من عام وتخشى عواقب غيابه المفاجئ.
أما الحديث عن عملية شكلية للتسوية السياسية فهو كلام للاستهلاك الإعلامي لأنه لا يوجد جهد حقيقي أو نية صادقة للسير في هذا الاتجاه. ربما يكون أكثر ما يعني أمريكا في هذا الصدد هو ألا تفرض روسيا حلاً بعيداً عنها. ولهذا فإن وجودها على الأراضي السورية يضمن لها كلمة في مستقبل البلاد، وألا تنفرد موسكو بالأمر.
الهدف الثالث للخطة ويتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني يبدو حقيقياً بالفعل كهدف أمريكي معلن. ومن المؤكد أن وجود قوات أمريكية شرق الفرات سيمنع إيران من تحقيق حلمها الاستراتيجي بمد محور بري يربط أراضيها عبر العراق ثم سوريا وصولاً إلى لبنان. غير أن النفوذ الإيراني بات طاغياً وهائلاً في سوريا بحيث لم يعد من الممكن تقويضه في هذه الظروف سواء أقيم هذا المحور أم لا.
رابع الأهداف وهو إخلاء سوريا من أسلحة الدمار يبدو متحققاً بالفعل منذ الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي السابق أوباما مع موسكو. كما أن الغارات الجوية الأمريكية و"الإسرائيلية" تتكفل بتحقيق هذا الهدف دون حاجة لقوات برية.
أخيراً تطرح الخطة الأمريكية هدفاً إنسانياً نبيلاً لوجود قواتها في سوريا وهو المساعدة على العودة الطوعية للاجئين والنازحين إلا أنها تتجاهل أنه بغير تسوية سياسية وبدون خطة لإعادة الإعمار فمن المستحيل عودة أحد مرة أخرى إلى جحيم الحرب المشتعلة هناك.