الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قصة الفتح العثماني للمجر.. حين هزم 6000 إنكشاري 50 ألف جندي أوروبي 

قصة الفتح العثماني للمجر.. حين هزم 6000 إنكشاري 50 ألف جندي أوروبي 

24.08.2020
ساسة بوست


ساسة بوست 
الاحد 23/8/2020 
يمثل يوم 21 أغسطس (آب) يومًا مهمًا في تاريخ الصراع الكبير بين الدولة العثمانية من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. في ذلك اليوم حققت الدولة العثمانية واحدًا من أبرز انتصاراتها لتتمكن من السيطرة بشكل مباشر على دولة المجر، وهي السيطرة التي ظلت قائمة طوال 150 عامًا تالية. هنا نحن نتحدث عن إنهاء العثمانيين لما يسمى "حصار بودا" الذي ضرب من قبل الجيوش الأوروبية على العاصمة المجرية، فما القصة؟ 
ذبح الرسول العثماني.. البداية من موهاكس 
قصة هيمنة الدولة العثمانية على المجر تعود إلى معركة "موهاكس" الشهيرة التي وقعت عام 1526، قبل تلك المعركة كانت الدولة العثمانية تحت حكم السلطان سليم الأول الذي بدأ حكمه عام 1512 بتوقيع هدنة طويلة الأمد مع بعض الدول المتصارعة معه مثل جمهورية البندقية ودوقية موسكو، وبالطبع مملكة المجر، وذلك بغرض التفرغ لمحاربة الدولة الصفوية الصاعدة التي بدأت بتهديد النفوذ العثماني في الشرق، وبالفعل تمكن سليم الأول من غزو عاصمة الصفويين مما أوقف توسعاتهم قرابة قرن من الزمان، ومكن العثمانيين من استكمال الفتوحات في العراق وأذربيجان والشام. 
بعد وفاة سليم الأول، جاء السلطان سليمان القانوني، الذي قدم عروضًا للسلام إلى ملك المجر آنذاك لايوش الثاني، والذي كان قد تزوج من أرشيدوقة النمسا، وهو الزواج الذي أثار الشكوك في نفوس العثمانيين. قبل وصول لايوش الثاني للعرش، كانت مملكة المجر ضعيفة في ظل تمرد الفلاحين والقيادة السابقة الضعيفة للدولة التي منحت النبلاء امتيازات واسعة على حساب حماية المملكة ذاتها، لذلك سعى الملك الجديد لإعادة القوة للمملكة. 
عام 1526، بعث سليمان القانوني، رسوله إلى ملك المجر لأخذ الجزية من بلاده باعتبارها تخضع لنفوذ الدولة، لكن ملك المجر رد على الرسالة بذبح رسول الدولة العثمانية، معلنًا العداء لها. كانت هذه الأحداث تدور في العام الأول لتولي السلطان الشاب سليمان مقاليد الحكم العثماني، وربما هذا الأمر غرّ ملوك أوروبا بالسلطان الشاب، لتعلن أوروبا كلها نقض العهود مع العثمانيين وتجهيز الجيوش. 
لذلك تحرك سليمان القانوني بجيش إلى المجر، حيث دارت معركة "موهاكس" أو "موهاج" يوم 29 أغسطس (آب) 1526، وانتهت المعركة بانتصار ساحق للعثمانيين ومقتل لايشو الثاني، وتقسيم المجر بين العثمانيين وملكية هابسبورج التي ورثت لقب ملك المجر، و"ملكية هابسبورج" هو مصطلح شامل استخدم من قبل المؤرخين لوصف الأراضي والممالك التابعة لعائلة هابسبورج الملكية في النمسا. 
ما بعد موهاكس 
في الوقت الذي كانت تدور فيه معركة موهاكس، كان من المفترض أن القائد المجري جون زابوليا في طريقه لساحة المعركة مع جيش ضخم، لكنه لم يشارك لأسباب غامضة. بعد انتصار العثمانيين، دخلوا إلى العاصمة المجرية بودا ثم انسحبوا من المجر لتظل المملكة تعيش فراغًا في السلطة، خصوصًا مع اختيار العثمانيين عدم فرض حكمهم بشكل قاطع. 
تاريخ وفلسفة 
بدأ صراع بين جون زابوليا، أبرز أرستقراطيي المجر وقائد الجيش، وبين أرشيدوق النمسا فرديناند وإمبراطور هابسبورج، صهر الملك الراحل وشقيق الإمبراطور الروماني المقدس. في النهاية أعلن زابوليا نفسه ملكًا تحت اسم يانوش الأول، ونتيجة استمرار صراعة مع فرديناند، اقترب زابوليا من العثمانيين ووافق على جعل المجر دولة تابعة لهم مقابل الاعتراف والدعم. قبل السلطان سليمان القانوني ذلك العرض، وأرسل الجيوش العثمانية لغزو النمسا. 
ومن أجل التركيز على الجبهة الشرقية بعد تصاعد خطر الدولة الصفوية من جديد، لجأ العثمانيون عام 1533، إلى صنع السلام على الجبهة الغربية، بين المتحاربين زابوليا وفرديناند، فوقعت اتفاقية إسطنبول التي تنص على التنازل عن غرب المجر لفرديناند مقابل سحب مطالبه بأن يكون ملكًا للمجر، وإقرار زابوليا ملكًا للمجر تحت السيادة العثمانية، وموافقة النمسا على دفع 30 ألف جلدر، جزية سنوية. 
استغل فرديناند هذا الأمر وانشغال الدولة العثمانية في الشرق للضغط على زابوليا للسيطرة على باقي المجر. ونتيجة لهذه الضغوط، لجأ فرديناند وزابوليا إلى توقيع معاهدة سرية، تسمى "معاهدة ناغيفاراد"، والتي تمثل اتفاق سلام بينهما والتي قسمت المجر بين الاثنين. 
اعترف فرديناند بزابوليا باعتباره يوحنا الأول، ملك المجر وحاكم ثلثي المملكة، بينما اعترف زابوليا بحكم فرديناند على غرب المجر، واعترف به وريثًا للعرش المجري، وخليفته بعد وفاته، لأنه لم يكن لديه أطفال. لكن زابوليا تزوج عام 1539، ويُنجب ابنه جون سيجسموند، قبل أن يموت زابوليا بعدها بأسبوع تاركًا الحكم لابنه تحت وصاية زوجته، وهو ما قبله السلطان العثماني بشرط أن يستمر المجريون بدفع الجزية، وبالتالي فشلت الاتفاقية. 
سليمان القانوني ينتفض.. إلى المعركة وفك الحصار 
لكن الملك الجديد لم تقبل به ملكية هابسبورج، لذلك، أرسل فرديناند الأول جيشًا يتكون من 50 ألف جندي من النمسا والولايات الألمانية، بقيادة وليام فون روجيردوف لمحاصرة العاصمة المجرية بودا. حاصر الجيش بودا في صيف 1541، لكن الحصار كان يدار بشكل سيئ، وفشلت عدة هجمات للاقتحام مما كلف الكثير من الإصابات في صفوف قوات هابسبورج. 
هنا، كان لا بد للسلطان سليمان القانوني من التدخل، ليقود شخصيًا جيش الإغاثة العثماني المكون من 6362 من قوات الإنكشارية. وفي 21 أغسطس (آب)، وصل الجيش العثماني إلى العاصمة بودا، وخاض معركة مع جيش روجيردوف، ليهزم جيش هابسبورج، ليقتل قرابة 7 آلاف رجل منهم، كما أصيب قائد الجيش روجيردوف في المعركة وتوفي بعد يومين من إصابته. كان إجمالي خسائر جيش هابسبورج طوال فترة الحصار حوالي 16 ألف جندي، أي ما يقارب ثلث الجيش. 
القهوة ما زالت في الطريق.. كيف سيطر سليمان على المجر؟ 
هنا، لم يفكر العثمانيون في الرجوع، فقد كانت بودا بالفعل أكثر أهمية للسلطان، ولم يكن بإمكانه ترك هذه البلدة الرئيسية في أيدي الملك الصغير والوصي عليه، لذلك قرر السيطرة الفعلية على المدينة عبر خدعة مثيرة. كانت مدينة بودا تحتفل بانتهاء الحصار والتحرير من قوات هابسبورج، فقام سليمان القانوني بدعوة الملك الرضيع جون سيجيسموند مع النبلاء الهنجاريين إلى خيمته، وفي الوقت نفسه بدأت القوات العثمانية في التسلل ببطء إلى داخل أسوار المدينة في صورة "سياح"، يعبرون عن إعجابهم بهندسة المباني. 
بعد دخولهم، استخدموا أسلحتهم ونزعوا سلاح الحراس والحامية بأكملها الموجودة في المدينة. وفي الوقت نفسه، شعر النبلاء الهنجاريون بعدم الارتياح في خيمة السلطان وأرادوا المغادرة. في تلك اللحظة، صرخ السلطان العثماني "الحساء الأسود (القهوة) لا يزال في الطريق" بالمجرية، والتي قام على إثرها الجنود العثمانيين بنزع سلاح المبعوث المجري. 
سمح لجميع الحضور من المجريين بالمغادرة باستثناء واحد فقط هو بالينت توروك، الذي اعتبره سليمان القانوني معارضًا قويًا محتملًا. تم أسره ونقل إلى قلعة "يديكولي"، حيث أمضى حياته المتبقية. سمح السلطان للأسرة الملكية ونبلاء ومواطني بودا بمغادرة المدينة دون أن يلحق بهم أذى. ودخل السلطان نفسه إلى المدينة يوم الثاني من سبتمبر (أيلول)، حيث شارك في صلاة الشكر في كنيسة ماتياس، التي جرى تحويلها إلى جامع. 
كان حصار بودا انتصارًا عثمانيًا حاسمًا ضد فرديناند وجيش هابسبورج من خلفه. سمح هذا النصر للعثمانيين بالسيطرة على وسط المجر لنحو 150 عامًا، وبالتالي فهو مماثل لأهمية معركة موهاكس عام 1526. 
على جانب آخر، علم كارلوس الخامس بهزيمة شقيقه فرديناند فور وصوله إلى مدينة جنوة في الثامن من سبتمبر (أيلول) 1541. تعطش للثأر، وغادر في حملة عسكرية ضد الجزائر (كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية)، لكن الحملة انتهت أيضًا بهزيمة مدوية لهابسبورغ. حاول فرديناند بعدها استعادة مدينة بودا عام 1542، لكن صده العثمانيون من جديد.