الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قصص مأساوية سورية حقيقية

قصص مأساوية سورية حقيقية

09.11.2016
إبراهيم عبدالمجيد القيسي


الدستور
الثلاثاء 8/11/2016
بين السياسة والتياسة عرب؛ قربوا المسافة، فأصبح الموت سياسة، وحرية وكياسة، وكرامة كانت مصانة قبل الدم، وشرف تم تبديده وهدره، وجرائم نالت شرعيتها حين هب الشعب متطوعا للمذبح وسكاكينه الكثيرة..
ماذا نقول عن العرب حين كانوا مستعمرة أو حين تنادوا للتحرر من استقرارهم؟ كم اختلفت أحوالهم وحياتهم؟ ..من يحقن شلال الدم ومن يريقه رخيصا بلا ثمن ولا حتى هيبة؟!. ما أرخص الدم العربي وما أسخف شعارات التحرر، حين يقودها غباء وجريمة ووحشية لإبادة الناس بلا طائل ولا نتائج.. هل يدرك الشعب السوري حجم الخديعة التي تعرض لها؟!.
عن أشخاص عرفتهم قبل ما يحدث في سوريا؛ وقبل "سورتها" الحرة:
هب مع ابن أخيه؛ بعد أن وردهم هاتف بأن باب محلهم التجاري شبه مفتوح، فركض الشاب وعمه ليدركوه قبل أن يصبحوا ع الحديدة، بعد كثرة أعمال السلب والنهب وفقدان الأمن، ولا بد أن أهلهم يقولون الآن: "الله يلعن ابو المحلات "..فالشاب وعمه لم يعودا منذ صبيحة ذلك اليوم، وهاهي 4 سنوات تمر ولا خبر عنهما، إن السوريين يقولون عن قناعة تامة :الأفضل أن لا تسأل أجهزة الأمن عن شخص معتقل لديهم، فإنك سوف تذكرهم به أو يقتادوك وسائرعائلتك لصحبته لكن في معتقلات أخرى لا يعرف "الذبان الأزرق" طريقها!.
في طريقه لابنته المتزوجة في عمان؛ كان يزورنا وجاء آخر مرة يركب سيارة "صينية" حديثة، ويحدثنا أبو البنات الست عن نجله الوحيد الذي تم قتله بدم بارد قبل سنوات، من قبل أحد المدعومين من النظام، وذلك قبل أن يتحدث السوريون عن أية "سَورة" وتحرير ومأساة، فاشتعلت "السورة" المجنونة، وكان لا يغادر بيته فبناته وحدهن هناك، وحين رافق أحد الحكوميين الذين يزورون القرية حتى يبلغه الشارع العام قرب مدخل القرية، أوقفوههما "السوار" فقتلوهما رميا بالرصاص وبدم راكد بارد.. فترك البيت والبنات والتحق بابنه وتوزع دمهما بين قاتلين متقاتلين!.
عرفته قبل 3 سنوات؛ وقال لي بأنه كان تاجرا معروفا في سوق مشهورة في دمشق، لكن محلاته تعرضت للسلب من قبل قوات النظام لأكثر من مرة، فأصبح يخشى على حياته وحياة أبنائه وبناته، فجاء إلى عمان طلبا للأمن، وتضمن محلا تجاريا بسيطا في حارتنا، وحدثني عن ابنه المحاصر في قرية ما من ضواحي دمشق ويريد الالتحاق بأهله في الأردن، قال بأن الثوار "خدعوه" في المرة الأولى، وأخذوا منه مبالغ طائلة لقاء تأمين ابنه حتى الحدود الأردنية ولم يفوا بعهدهم، وحين سمعني أتحدث هاتفيا مع شخصية قيادية في المعارضة للتنسيق معها في المشاركة هاتفيا بحلقة تلفزيونية حول المأساة السورية، طلب مني المساعدة، فحاولت، وتواصلت مع أكثر من مسؤول من قيادات "السّورة" الخسرانة، وكان واضحا بأنهم أكثر كذبا من غيرهم، فالمعلومة القادمة من الشاب لأبيه الذي كان يتصل كلشهر او شهرين مرة، تنفي كل ما يزعمون، وبعد فترة وجيزة علمت بأن الشاب تعرض لاصابة بالغة جراء قصف النظام لتلك المنطقة، وفقدت التواصل مع الرجل كما فقد الشاب بعض أطرافه!.
لا تنفك أمها من الدعاء والبكاء أملا بفرج قريب، تتضرع في الليل والنهار أن بعد أن مضت سنوات وهم بالانتظار لعودة شقيقها الذي تم احتجازه على أحد الحواجز الأمنية في سوريا، كبرت شقيقته وتفوقت في الثانوية، فدخلت كلية الطب في إحدى الجامعات السورية، وما زال زادها دموع أمها وحسراتها التي تنطلق في جوف الليل وفي ساعات الفجر الأولى، بكاء ودعاء لله أن يحمي ابنها ويعيده اليهم، فهو رجل البيت بعد رحيل الوالد برصاصة غادرة.
دخلت الفتاة إلى الجامعة صبيحة ذلك اليوم؛ ولا بد أنها كانت تسير على وقع ابتهال تترنم به إلى الخالق مع كل خطوة تخطوها صبيحة كل يوم، أن يريح قلوبهم بخبر سعيد عن شقيقها، حتى تتفرغ إلى الدراسة براحة كسائر الزملاء والزميلات، دخلت إلى مختبر التشريح في الكلية، وقلبها مقبوض، قال لهم الدكتور:حظكو حلو رح تتعلموا على جسة طازه"،وبدأ الدرس العملي على جثة ممددة على حامل في وسط المختبر، وقفت مع زملائها وزميلاتها، وكلهم طلبة مبتدئون فلا عهد لهم بمثل هذه الدروس، وهي ربما المرة الأولى التي يرون فيها جثة حقيقية لإنسان، جاء دورها للنظر إلى طبقات في جلدة الرأس، فصرخت الفتاة بإسم شقيقها وسقطت مغشيا عليها.. ولم تستفق من غيبوبتها حتى عادت تنوح بكاء حار، ذرف الدموع من عيون جميع الزملاء والزميلات والدكتور وكل من كان موجودا..وتساءلت على الملأ :شو بدي إحكي لإمي لما تسألني عن دراستي اليوم؟.حكيتلك يا إمي رح يجيني بالجامعة، والله إجا يا إمي، عرفته؛لما مسكت المشرط وبدي أفتح جلدة راس الجسة في المختبر..كان راس أخي.. عرفته.
"عاشت السورة" والحرية يا سوريا ، ولا حول ولا قوة الا بالله.