الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قطع رأسي المشروع الإيراني...والثأر المؤجل! 

قطع رأسي المشروع الإيراني...والثأر المؤجل! 

29.11.2020
موناليزا فريحة


النهار العربي 
السبت 28/11/2020  
لا تقل الخسارة التي منيت بها إيران بمقتل العالم النووي محسن فخري زاده عن تلك التي تكبدتها بسقوط  قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في غارة أميركية قرب بغداد في الثالث من كانون الثاني (يناير). الرجلان يعتبران مهندسين أساسيين لسياستها الأمنية، الأول أرسى أساسات برنامجها النووي، فخرها الوطني الذي جعلها خصماً مرهوباً لدى الدول الكبرى، والثاني كان ذراع حروبها بالوكالة الذي مدّ لها نفوذاً في أربع عواصم عربية. 
يختلف الرجلان من حيث أسلوب العمل والتحرك. كان سليماني الرجل "الخارق" الذي ترك صوراً له على الجبهات المشتعلة، من العراق وسوريا الى لبنان واليمن، حتى نسجت حول "بطولاته" الاساطير، ولقب "ٍسوبرمان إيران". وعندما قتل، كان في بلد (العراق) يعتبر محوراً أساسياً لمشروعه في المنطقة، ويعتقد أنه كان عائداً من سوريا، التي لم تقل أهمية في خططه. 
وفي المقابل، كان فخري زاده رجل ظل، تحرص طهران على توصيفه استاذاً جامعياً في جامعة الإمام حسين، بينما كان طوال عقدين قوة الدفع الرئيسية وراء البرنامج النووي العسكري الايراني. وواصل عمله حتى بعد وقف الجزء الرئيسي من البرنامج مطلع الألفية الجديدة، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الاميركية والأرشيف النووي الايراني الذي سرقته إسرائيل من قلب طهران. وعندما أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية حاسمة في شباط (فبراير) 2013، قالت وسائل إعلام غربية إن فخري زاده كان حاضراً إلى جانب شخصيات من النظام الستاليني المعزول. 
 أدرجه جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد" في رأس قائمة المطلوبين، ويُعتقد أنه فشل مراراً في تصفيته. وعندما كشف نتنياهو وثائق استولت عليها اسرائيل من طهران، عرض صورته دون غيره من العلماء، وقال: "تذكروا هذا الاسم...محسن فخري زاده". 
بالنسبة إلى إسرائيل المتهمة الأولى بتصفية فخري زاده، اعتبر الرجل "ًصيداً ثميناً" لما يشكل البرنامج النووي من خطر وجوي لها. 
ومع أنه من السابق لأوانه الحسم بأن مقتله سيؤثر على الخطط   النووية الإيرانية، فمن الواضح أن الرجل لم يكن شخصاً عادياً بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، وأنه بين دائرة صغيرة جداً من العلماء الذي يتمتعون بخبرة عميقة في المجال النووي.   
ولكن أياً تكن تداعيات هذه العملية، تشكل تصفية العالم النووي في ضواحي طهران ضربة معنوية كبيرة للجمهورية الإسلامية بعد أسبوعين من كشف اختراق أمني آخر تمثل بقتل الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" في العاصمة الايرانية، وبعد أقل من سنة على تصفية سليماني.  أضف إلى ذلك  أن مقتل العلماء النوويين يثير غضباً شعبياً في إيران لا توازيه ردود الفعل على اية جرائم أخرى. وقد تجلى ذلك عند تصفية أربعة علماء نوويين بين 2010 و2012 وتحوّل نصب تذكاري لهم على إحدى تلال طهران محجة للإيرانيين ومنبراً للدموع والنحيب. 
 هذا لا يعني أن الثأر الذي توالى الزعماء الايرانيون على التلويح به منذ اعلان مقتل زاده، سيكون أكبر من ذلك الهجوم "الصوتي" الذي ردت به طهران على اغتيال سليماني وتسبب ب"ارتجاجات" لجنود أميركيين في قاعدة عراقية. فـ"التوقيت المناسب" للرد الذي توعد به أكثر من قيادي ايراني ليس بالتأكيد "الوقت المستقطع" للادارة الاميركية المنتهية ولايتها والتي وضعت كل الاحتمالات على الطاولة لمواجهة ايران، وتكبيل أيدي ادارة الرئيس المنتخب جو بايدن لمنعه من هدر النفوذ الذي حققته سياسة "الضغط الأقصى" على ايران، والعودة الى الاتفاق النووي من دون أية تعديلات تشدد القيود على الطموحات النووية لطهران كما على سلوكها العدائي في المنطقة.  
تدرك طهران جيداً أن الرئيس دونالد ترامب لن يتوانى عن توريط خلفه بحرب مع إيران، إذا اقتضت الحاجة. وهي تحركت أخيراً لمنع الاستفزازات ضد المصالح الاميركية في العراق، تجنباً  لضربة تستعد لها واشنطن عسكرياً وديبلوماسياً. لذا لا يتوقع أن يكون الثأر لفخري زاده، إن حصل، أكثر دوياً من الانتقام لسليماني.