الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قلق دولي على الأمن في لبنان.. كيف تهدد الأزمة الاقتصادية صمود المؤسسة العسكرية؟ 

قلق دولي على الأمن في لبنان.. كيف تهدد الأزمة الاقتصادية صمود المؤسسة العسكرية؟ 

20.06.2021
جنى الدهيبي


جنى الدهيبي - بيروت 
الجزيرة 
السبت 19/6/2021 
يطال الانهيار الاقتصادي التاريخي مختلف القطاعات اللبنانية، بما فيها المؤسسات العسكرية التي دفعتها الظروف الطارئة إلى عمق الأزمة، في بلدٍ يقف على حافة السقوط بتهديد شبكة الأمان الاجتماعية والغذائية والصحية. 
لكن المخاطر التي تترصد الجيش وغيره من المؤسسات الأمنية، تأخذ طابعًا استثنائيًا، وفق كثيرين، ولا سيما أنها تشكل أحد آخر دعائم وجود الدولة، وتحظى بتأييد معظم اللبنانيين الذين فرّقتهم الانقسامات السياسية. 
ولعل عقد مؤتمرٍ دولي افتراضي لدعم الجيش، بدعوة من فرنسا ومشاركة مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي تضم أبرز دول الاتحاد الأوروبي وأميركا والصين وروسيا وعدد من الدول العربية، الخميس 17 يونيو/حزيران 2021، كان دليلًا على عمق الأزمة الأمنية. 
وهو ما دفع قائد الجيش اللبناني جوزيف عون للتحذير من أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي، وعدم اتخاذ إجراءات لمعالجته، سيؤدي حتما إلى انهيار المؤسسات، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي سيكون لبنان مكشوفا أمنيا. 
طبيعة الأزمة 
يبلغ عدد القوى الأمنية والعسكرية 120 ألف عنصرٍ، وتنقسم على الشكل الآتي: 80 ألف عنصر بالجيش، و28 ألفا بالأمن الداخلي، و8 آلاف بالأمن العام، و4 آلاف بأمن الدولة، وفقا للأرقام الدولية للمعلومات. 
وقد أظهرت المعلومات أيضا قيمة الرواتب للعسكريين من جنود وملازمين ومعاونين وضباط وعمداء، والتي تتراوح -وفقًا لرتبهم- بين مليون ليرة (800 دولار وفق سعر الصرف الرسمي، وتوازي بعد انهيار الليرة نحو 70 دولارا) وبين 7 ملايين ليرة (4 آلاف دولار وفق سعر الصرف الرسمي، وتوازي حاليًا نحو 450 دولارا). 
وبينما يعد عدد العسكريين كبيرًا نسبةً لحجم لبنان الصغير وعدد سكانه (نحو 4 ملايين نسمة)، فإن تداعيات الأزمة الاقتصادية انعكست على العسكريين والقوى الأمنية الذين يشكلون النسبة الكبرى من موظفي القطاع العام بالدولة، وقد تدهورت قدرتهم الشرائية توازيًا مع خسارة الليرة أكثر من 90% من قيمتها، بعد أن تخطى الدولار في السوق السوداء عتبة الـ15 ألفا. 
لذا، يصف العميد الركن المتقاعد جورج نادر، وضع العسكريين بالسيئ جدًا، بعد أن تزعزت قدرتهم على التركيز المكثف على المهام الأمنية الموكلة إليهم، لأن بالهم ينشغل في كيفية إعالة أسرهم -وهي بعشرات الآلاف- التي ترزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وشح في المواد الأساسية. 
ويعتبر نادر أن المؤتمر الدولي الذي دعت إليه فرنسا، عبّر عن استعداد لدعم الجيش، بعد رفع لائحة بحاجات المؤسسة العسكرية من ذخيرة وصيانة معدات وأدوية ومواد غذائية، كي تكون تتمة للمساعدات التدريبية التي يتلقاها الجيش من أميركا وبعض الدول الغربية. ويحذر العميد من سقوط المؤسسة العسكرية، إذا لم تحظَ بالدعم اللازم أمام جرف الانهيار. 
العسكر وشراء الوقت 
سياسيا، يطرح مراقبون فرضيات حول الاهتمام الدولي المكثف بالمؤسسة العسكرية، من بينها: العزوف عن التعامل مع الطبقة السياسية التي تغرق بخلافاتها، بعد أكثر من 8 أشهر لم تفضِ إلى التوافق على تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، الذي كلّف في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بدعم من المبادرة الفرنسية. 
وكان العماد جوزيف عون قد زار فرنسا للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون الشهر الفائت، في خطوة لافتة، إلى جانب الدعم الأميركي الواضح للمؤسسة العسكرية، إذ سبق أن قال قائد القيادة المركزية الأميركية فرانك ماكنزي أن بلاده ملتزمة بدعم الجيش اللبناني، إذ "يجب أن تبقى التعبير الوحيد عن القوة العسكرية للدولة في لبنان". 
وهنا، تشرح الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف الاهتمام الغربي بالجيش، انطلاقًا من اعتبارات عدة: 
أولًا، أن الأميركيين وبعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وفرنسا، لديهم قوات عاملة في الجنوب، ويهمها تحصين قوّة المؤسسة العسكرية لمؤازرتهم. 
ثانيًا، لأن لبنان يشكل مركزًا مهمًا لأوروبا وتحديدا فرنسا، بعد أحداث الربيع العربي وتبدل خريطة التحالفات والتسويات بالمنطقة. 
ثالثًا، يأتي الاهتمام بالجيش لأنه كان -إلى جانب المصارف والقضاء- من ركائز الدولة، لكن تجليات الانهيار تطالهم جميعًا وتباعًا. 
رابعًا، لأن اهتزاز المؤسسة سيؤثر على الاستقرار الذي لا يهدد لبنان فحسب، وإنما يؤثر على المنطقة كلها، خصوصًا مع وجود مئات آلاف النازحين السوريين والفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، مما يدفع المجتمع الدولي لوضع ثقل اهتمامه بالجيش كضابطٍ للأمن داخل المخيمات وخارجها. 
لذا، ترى المحللة السياسية أن الاهتمام الدولي بالجيش، وتحديدًا من قبل فرنسا التي ضاعت مبادرتها وتسعى للتأثير على لبنان بدعم أوروبي وأميركي، يندرج ضمن عملية "شراء الوقت"، بانتظار بلورة الأفق سياسيًا، سواء بتشكيل حكومة أو صيغة أخرى. 
العسكريون والمدنيون 
ويوازي الاهتمام بالأمن -وفق الباحث والأكاديمي بالجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين- اهتمام دولي بالمساعدات الإنسانية للمدنيين، عبر المنظمات الدولية غير الحكومية. 
ويعتبر الباحث -في تصريح للجزيرة نت- أن هذه المساعدات على أهميتها، لن تكون كافية لإطلاق عجلة حقيقية للإنقاذ، ولا تنفي الحاجة لخطة إصلاح جدية طويلة المدى، كي تضع لبنان على سكة التفاوض مع صندوق النقد، وهيئات أخرى قادرة على توفير مساندة جدية وعميقة بعد بلوغ الأزمة ذروتها. 
وقال ياسين إن المساعدات العينية والعاجلة قد تبطئ الانهيار، وتؤجل الارتطام الكبير، بينما التحدي بالوقت، لأن الانهيار يتوالى بسرعة ضوئية في شتى القطاعات العامة والخاصة. 
ويجد ياسين أن الأزمة الراهنة كشفت التداعيات السلبية لعدم هيكلة القطاع العام، بشقيه المدني والعسكري، والذي يحتاج لإصلاح جدي، إذ يتكبد لبنان سنويا ملايين الدولارات لصرف الدولة على التقديمات الممنوحة لموظفيها والتعويضات الضخمة في نهاية الخدمة، ويذكر أن لبنان لديه أعلى نسبة من العمداء (يبلغ 800 عميد) مقارنة مع دول العالم، ويربطه بعدم وجود إدارة حديثة لمؤسسات الدولة "التي طغى عليها منطق التوظيفات النفعية". 

المصدر : الجزيرة