الرئيسة \  تقارير  \  قمة الديمقراطية والحريات: طموحات بايدن ستحدد شكل التوجهات العالمية في العقد المقبل

قمة الديمقراطية والحريات: طموحات بايدن ستحدد شكل التوجهات العالمية في العقد المقبل

13.12.2021
رائد صالحة


رائد صالحة
القدس العربي
الاحد 12/12/2021
واشنطن ـ “القدس العربي”:  يطمح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تسجيل “قمة الديمقراطية والحريات” في التاريخ باعتبارها محاولة ملحة لحماية الديمقراطية في الداخل والخارج، وسلاحا في المواجهة بين الاستبداد والحرية بعد سنوات من قيام الرئيس السابق بمغازلة الديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم.
ومن المفترض أن يلتزم قادة 110 دول مشاركة في القمة، نظرياً على الأقل، بإجراءات من شأنها تحصين الديمقراطية ضد التهديدات وإعادة الحيوية إلى حقوق الإنسان وحرية التعبير، ولكن العديد من المحللين، أشاروا إلى أن قمة المناخ في غلاسكو على سبيل المثال، والتي اختتمت في الشهر الماضي، لم تنتج الأهداف المرجوة من اللقاءات.
وشكك العديد من المحللين الأمريكيين بقمة بايدن بشأن الديمقراطية والحريات، ولكنهم أعلنوا أنها فكرة جيدة بعد مشاهدة ردود الفعل الغاضبة من الصين وروسيا وكوبا وغيرها من الدول، التي تصفها الولايات المتحدة بالأنظمة الدكتاتورية، وقالوا إن القمة الافتراضية أصابت وتراً حساساً بين الأنظمة الاستبدادية، لأول مرة منذ عدة سنوات، والتي وجدت نفسها في موقف دفاعي نادر.
وعلى سبيل المثال، قال سفيرا روسيا والصين لدى الولايات المتحدة في مقال افتتاحي مشترك لمجلة “ذا ناشيونال إنترست” إن “موسكو وبكين ترفضان بشدة هذه الخطوة” وأصدر مجلس الدولة الصيني بياناً أكد فيه أن “الديمقراطية ليست امتيازاً لدولة معينة أو مجموعة من البلدان” وأنه يمكن تحقيق الديمقراطية بطرق متعددة، ولا يمكن لأي نموذج أن يناسب جميع الدول، وكتب وزير الخارجية الكوبي، برونو رودريغيز، على تويتر أن قمة بايدن “انتقائية” و”إظهار لضعف الولايات المتحدة” وزعم أن السياسة الخارجية لأمريكا “فقدت مصداقيتها” وأنها فقدت الدعم في الأمم المتحدة.
ووفقاً لمنصات إعلامية أمريكية، فقد حاولت الدكتاتوريات الأكثر شهرة في العالم تجاهل القمة، وكان هناك اعتقاد بأن بعض الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية قد ترفض المشاركة، وحسب ما ورد، فقد ترددت بعض الحكومات المدعوة، مثل الأرجنتين، في حضور القمة بسبب مخاوف من أن ذلك قد يؤدي إلى إثارة غضب الصين وروسيا، ولكن في النهاية قررت جميع الدول المترددة المشاركة.
دول غير ديمقراطية
ومن المؤكد أن هناك أسئلة ملحة حول قمة بايدن، خاصة فيما يتعلق بقائمة المدعوين، حيث انتقد العديد من خبراء الديمقراطية قرار الولايات المتحدة دعوة باكستان والفلبين والديمقراطيات الهجينة الأخرى، كما ثارت تساؤلات عما إذا كان ينبغي السماح للمكسيك والأرجنتين، وهي دول رفضت إدانة الانتخابات المزورة في دول بأمريكا اللاتينية، بالجلوس على نفس الطاولة مع سويسرا والدنمارك، وتصاعدت انتقادات أخرى بسبب عدم دعوة بعض الدول مثل السلفادور وغواتيمالا وهندوراس خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تقارب هذه الدول مع الصين وروسيا.
وواجهت إدارة بايدن أسئلة حول معايير الدعوات، ولكنها لم تذكر كيف تُعرف الديمقراطية، وشكك المنتقدون في إدراج دول مثل الفلبين، التي أدانتها وزارة الخارجية بسبب عمليات القتل خارج نطاق القانون ونيجيريا، أكبر ديمقراطية في أفريقيا، التي استشرى فيها الفساد وسمحت قيادتها بمضايقة الصحافيين واعتقالهم.
ولم تتم دعوة المجر أو تركيا، وهما عضوان في حلف شمال الأطلسي، وتم استبعاد سنغافورة على الرغم من أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس سافرت هناك لتعزيز علاقات الولايات المتحدة معها كحليف في بحر الصين الجنوبي.
وعلى أية حال، الديمقراطية تتراجع سرعة في جميع أنحاء العالم وتتعرض إلى خطر في الولايات المتحدة بسبب رفض الرئيس السابق دونالد ترامب قبول نتائج انتخابات العام الماضي وإدانة هجوم 6 كانون الثاني/يناير المميت على مبنى الكابيتول، وعلى نحو متزايد تتجه المزيد من الدول نحو الاستبداد اليساري واليميني، وفقاً لترتيب فريدم هاوس 2021 للديمقراطيات.
ولاحظ المحللون أن التهديدات ضد الديمقراطية آخذة في الازدياد، كما تعمل الأخبار الكاذبة على تقويض الديمقراطيات الغربية، كما يتم استخدام تقنيات التعرف على الوجه والصوت والرقابة على الإنترنت من قبل المستبدين الجدد في جميع أنحاء العالم.
فرصة لعدم الاحتفال
وقالت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إنه لا ينبغي النظر إلى الدعوات على أنها “ختم موافقة” على نهج بعض الدول المشاركة تجاه الديمقراطية، وأضافت أن القمة هي “فرصة، مرة أخرى، لعدم الاحتفال بكل ما فعلناه بشأن الديمقراطية، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو كل هذه الدول، وهي فرصة لمواصلة السعي لتحقيق الأفضل”.
الديمقراطية في الداخل
وعلى الرغم من الرد العنيف من الحكومات الاستبدادية على عدم دعوتها للقمة، إلى أن العديد من السياسيين الأمريكيين أشاروا إلى أن الديمقراطية الأمريكية نفسها متوترة بسبب الاستقطاب السياسي والظلم العنصري والقيود المفروضة على التصويت والتطرف الداخلي.
ولهذه الأسباب، طلب نشطاء من إدارة بايدن الالتفات إلى تكريس المزيد من الاهتمام للمشاكل في الداخل قبل تحويل تركيزه إلى الخارج.
وقال كليف اولبرايت من برنامج “الناخبون السود لهم أهمية” في حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه لا يمكن محاولة تصدير الديمقراطية والدفاع عنها عالمياً عندما لا يمكنك حمايتها محليا” وأضاف بسخرية “لا يمكن أن تكون رجل إطفاء للعالم ومنزلك يحترق”.وأكد مايكل ابراموفيتز، رئيس “فريدوم هاوس” وهي مجموعة غير حزبية مكرسة لحقوق الإنسان والديمقراطية أنه من الواضح أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة صعبة الآن، حيث وضع المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، ومقره ستوكهولم، الولايات المتحدة على قائمته الخاصة بالديمقراطيات المتراجعة، ولكنه أكد، أيضاً، على أن أوجه القصور المحلية لا ينبغي ان تمنع الولايات المتحدة من تعزيز قيمها الأساسية خاصة بعد أن اكتسبت الشعبوية والاستبدادية زخماً في السنوات الأخيرة.
مبادرات بايدن
أقر بايدن في كلمته الافتتاحية في القمة بالتحديات التي تواجه الولايات المتحدة، لكنه قال إن العالم يقف عند نقطة انعطاف في الصراع بين الديمقراطية والاستبداد، كما تعهد بايدن بالعمل مع الكونغرس للاستثمار في المرونة بالديمقراطية في الخارج وقال: “الديمقراطية بحاجة إلى أبطال” مؤكداً أن الخيارات التي سيتم اتخاذها في الوقت الحاضر هي التي ستحدد بشكل أساسي الاتجاه الذي سيتخذه العالم في العقد المقبل.
وستستثمر مبادرة بايدن الجديدة حوالي 424 مليون دولار لدعم وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة في الخارج ومكافحة الفساد ونشطاء المساعدة وتطوير التكنولوجيا والدفاع عن الانتخابات النزيهة كما ستحارب إدارة بايدن أيضاً “الاستبداد الرقمي” من خلال زيادة ضوابط تصدير التقنيات التي يمكنها تمكين دول المراقبة.
وتطرق بايدن بصراحة إلى المشاكل الداخلية، وقال إن تجديد الديمقراطية في البلاد وتقوية المؤسسات الديمقراطية يتطلبان جهوداً متواصلة، مشيراً إلى ضرورة الارتقاء إلى مستويات عالية وعلاج الانقسامات”.
هاريس تستخدم القمة لتمرير قوانين الانتخابات
استغلت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، قمة البيت الأبيض للديمقراطية لدعوة الكونغرس لتمرير قانون حقوق التصويت، وشجب القوانين التي تعتبرها إدارة بايدن بمثابة تقييد للوصول إلى الاقتراع باعتباره تهديداً للديمقراطية الأمريكية.
وأشارت هاريس، في تصريحات لزعماء العالم من البيت الأبيض، إلى تمرد 6 كانون الثاني/يناير في مبنى الكابيتول و”القوانين المناهضة للناخبين” التي أقرتها المجالس التشريعية للحزب الجمهوري باعتبارها تهديدات تلوح في الأفق للديمقراطية محلياً.
وأكدت هاريس أن الحكومة التمثيلية هي أمر أساسي والحق في التصويت أمر أساسي، وقالت إن قوة الديمقراطية الأمريكية مرتبطة بقوة الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم.
وأشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بدوره إلى أن الديمقراطيات تواجه تحديات من الداخل والخارج، وقال إن ثقة المواطن تراجعت في الحكومة. وأكد بلينكن في كلمة افتتاحية أمام قادة القمة أن الديمقراطية تظل الطريقة الأكثر فاعلية لمعالجة تلك التحديات وتعزيز الكرامة الإنسانية، مشيراً إلى أن هناك فرصة هائلة للتعلم من تجارب بعضنا البعض، من المشاركة مع المجتمع المدني إلى إجراء الإصلاحات لتقوية المؤسسات الديمقراطية.
حرية الصحافة
ألقى الرئيس بايدن بياناً رائعاً لدعم الصحافة الحرة كما نصت أجندة “قمة الديمقراطية” على أنها جلسة بشأن “أهمية وسلامة وسائل الإعلام وحريتها واستدامتها في صحة وحيوية المجتمعات الديمقراطية” وسط تصاعد في الدعوات للدفاع عن الصحافة الحرة وإحيائها والحفاظ عليها، لذلك فإن عدم معالجة هذه القضية يبدو أمراً لا يغتفر في حدث يهدف إلى تعزيز الديمقراطية.وتزامنت القمة مع محاولات في الكونغرس لتمرير مشاريع قوانين لإنقاذ الصحافة المحلية، ونداءات بليغة من صانعي السياسات لدعم الإعلام، كما تحدثت ماريا ريسا من الفلبين وديمتري موراتوف من روسيا في القمة، وكانت خطاباتهم مهمة للغاية بسبب حصولهم على جائزة نوبل للسلام في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وتضمن جدول أعمال القمة مطالبات خاصة لإعادة بناء الصحافة، ليس فقط كقطاع إعلامي، ولكن كقطعة من البنية التحتية الأساسية لأي ديمقراطية فعالة، ومن المثير للاهتمام أن القمة طرحت فكرة الدعم الشعبي الواسع النطاق، كما اقترح العديد من المدافعين عن الصحافة في السنوات الأخيرة.
وناقش المسؤولون في القمة ماهية الالتزامات الوطنية والدولية المطلوبة لتعزيز صحافة المصلحة العامة المستقلة والموثوقة والمسيرة والمقنعة في جميع أنحاء العالم، مع محاولات للعثور على وسائل للحفاظ على الصحافة المحلية، مثل معالجة الممارسات المناهضة للمنافسة وغير العادلة من قبل عمالقة التكنولوجيا.
مكافحة الفساد والديمقراطية
تعتبر محاربة الفساد إحدى الأولويات الثلاث للقمة إلى جانب تعزيز احترام حقوق الإنسان ومحاربة الاستبداد، وقد قدمت الولايات المتحدة وثيقة سياسية حقيقية إلى طاولة المفاوضات: استراتيجية الولايات لمكافحة الفساد، وهي وثيقة أثارت إعجاب الكثير من النقاد، وهي تركز بشكل خاص على التعددية وإصلاح الأنظمة المناهضة للفساد.
وقال محللون أمريكيون إنه من غير المتوقع الحصول على إنجازات كبيرة من القمة ولكن الولايات المتحدة بالتأكيد لم تأت خاوية الوفاض إلى القمة بفضل ورقتها لمكافحة الفساد.
وقد وعدت وزارة الخزانة الأمريكية بالعمل دولياً ضد التهرب الضريبي وجعل أنظمة الضرائب الدولية أكثر إنصافا كما أقرت بضرورة تكثيف مكافحة عائدات فساد الحكومات الأجنبية، وتم تسليط الضوء على التعاون مع منصات مكافحة الفساد.
نموذج الربيع العربي
في نهاية المطاف، يمكن القول إن نقاط القوة والضعف في النماذج الديمقراطية والسلطوية تكشف عن نفسها بشكل دوري، وقد تواجه الديمقراطيات، مثل دول أوروبا الغربية، تغيراً سريعاً بين قادتها ولكن الأنظمة الاستبدادية يمكن أن ترى قيادتها في تدهور، وهناك قناعة بأن الفساد المنهجي يمكن أن يشل الأنظمة الاستبدادية ويزعزع استقرارها كما حدث أثناء الربيع العربي.
“قمة الديمقراطية والحريات” يمكن أن تساهم في حماية الديمقراطية، على النقيض من كل الانتقادات، وعلى أية حال، فإنها تضع الدول المشاركة في وضع أفضل من الدول الاستبدادية.