الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قوة إيران أم ضعف الجيران؟

قوة إيران أم ضعف الجيران؟

22.07.2015
توفيق رباحي



القدس العربي
الثلاثاء 21/7/2015
كان لا بد من اقتراب الاتفاق الإيراني مع القوى الغربية الخمس حول برنامج طهران النووي من محطته الأخيرة، لتكتشف الحكومات العربية أن الولايات المتحدة لا صديق لها.
عندئذ أيقنت هذه الحكومات بأن تحالفها الطبيعي وصداقتها "المضمونة" مع الولايات المتحدة كانت تقترب من نهايتها خطوة كلما قطع الاتفاق النووي مع إيران هو الآخر خطوة نحو التتويج.
لعل المملكة العربية السعودية حالة تستحق التأمل لهذه البلدان، لأن الولايات المتحدة خذلتها بعد سبعة عقود من الصداقة المتينة والعلاقات الاستراتيجية. المؤلم في الموضوع للعرب هو أن الولايات المتحدة تخلت عنهم في ذروة أزماتهم مع إيران، وعندما كان حريًّا بها أن تقف إلى جانبهم.
لكن، إذا كانت الولايات المتحدة خذلت إسرائيل صاحب الامتياز الاستثنائي، فكيف لا تخذل العرب. صحيح أنها ستمنح إسرائيل بدائل مالية واقتصادية وعسكرية لمواجهة احتمالات ما بعد الاتفاق النووي الإيراني. وصحيح انها قد تفعل بالمثل، وإن بدرجة أقل، مع حلفائها العرب، لكن ما لا خلاف حوله أن ترتيبات المنطقة العربية استراتيجيا لن تكون بعد 14 تموز (يوليو، تاريخ توقيع الاتفاق في فيينا، مثلما كانت قبله.
الاتفاق النووي أصبح أمراً واقعا على الجميع التعايش معه ومع ما بعده. وما بعده قد يكون إيرانا مشاكسة تغذي الفوضى والاقتتال في أكثر من بلد عربي، وقد تكون إيرانا جديدة متجهة إلى همومها الداخلية وتنميتها الاقتصادية والعلمية والعسكرية.
الأرصدة المالية المجمدة في العواصم الغربية والتي ستستعيدها طهران بموجب الاتفاق النووي تتيح لها لعب أحد الدورين بثقة وإتقان.
في أيٍّ من الحالتين هو مصدر قلق لجيران طهران ولا يمكن أن يكون عامل اطمئنان وثقة.
المنطقة العربية بلغت مرحلة من الأحقاد والاقتتال قد تحتاج إلى مئة سنة لتُشفى منها. أخطر ما فيها انها ليست أحقاداً وحروبا من أجل الثروة أو الأرض، بل طائفية وإثنية ودينية تتوفر فيها كل مسببات الاشتعال طويلا. وهذا هو بالذات ملعب إيران التي أصبحت بسرعة اللاعب الأبرز في هذه الحروب، وهي صامتة أو وهي صاخبة. فمنذ الثورة الإسلامية في 1979 تغيّرت طموحات طهران في المنطقة وكرّست نفسها حامية الطائفة الشيعية من منطلق أن الطائفة الأخرى، السنية، تضطهدها.
بحسب معهد ستوكهولم للسلام الدولي: أنفقت السعودية العام الماضي 80 مليار دولار على التسلح والعتاد العسكري، أي نحو 25% من موازنة الدولة. وأنفقت دولة الإمارات 23 مليار دولار للأغراض ذاتها، ليتجاوز ما أنفقته الدولتان أكثر من نصف إنفاق دول منطقة الشرق الأوسط مجتمعة للفترة ذاتها (173 مليار دولار).
في المقابل، بحسب معهد ستوكهولم دائما، لم تنفق إيران إلا 15 مليار دولار على التسلح والعتاد الحربي، بينما تجاوز إنفاق دول الخليج العربية مجتمعة 13 مرة إنفاق إيران في السنة ذاتها.
ومع ذلك لا يبدو أن شبح الخوف والقلق من إيران قد زال. لماذا؟
الجواب قد يكمن هنا: إيران ليست قوة عسكرية خارقة للعادة. وليست قوة مالية يُحسَب لها ألف حساب على الرغم من قدرتها على تطوير برنامج نووي كان سيُسفر عن تصنيع قنبلة نووية، وهو برنامج بإمكان أي دولة العمل عليه.. كوريا الشمالية فعلت، وباكستان والهند، وليبيا معمر القذافي كانت في بداية طريقها.
مصدر قوة إيران الحقيقي هو كونها فرضت نفسها حامية وراعية للشيعة في الدول العربية التي تشكل الأقليات الدينية والإثنية نقطة ضعفها ووجعها الكبيرين. واشتغلت طهران على ذلك من خلال أذرع متنفذة في أكثر من دولة حوّلتها إلى شوكة تهدد بها هذه البلدان مستفيدة من الكبت السياسي والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية.
مصدر قوتها الآخر قدرتها على المشاكسة وجرأتها على قول لا للولايات المتحدة والقوى العظمى، وعلى ابتزاز الآخرين، وهو ما لا تجرؤ عليه الحكومات وأنظمة الحكم العربية بدون استثناء.
إيران تختلف بكونها تستطيع إزعاج الحكومات العربية وزرع القلاقل في بلدانها، بينما لا تستطيع أي دولة عربية الرد ومعاملة إيران بالمثل من خلال إزعاجها داخليا.
وأخيرا إيران تختلف بكونها استثمرت في أكثر القضايا حساسية وتعقيدا عند العرب، القضية الفلسطينية. فسحبت البساط من تحت أقدام العرب وقدمت للفلسطينيين ما لم يقدمه إخوتهم في العرق والمذهب الديني، من الكلام والشعارات إلى الدعم اللوجستي.
لكي يتعايش العرب، حكومات وشعوب، مع واقع ما بعد الاتفاق النووي، عليهم القبول به أولاً.
عليهم مراجعة منسوب الثقة في حلفائهم الغربيين والولايات المتحدة على وجه الخصوص، والاعتماد أكثر على انفسهم وصناعة صداقات وتحالفات إقليمية.
عليهم كسب ودّ إيران إن استطاعوا وفرض احترامها لهم: إذا كان جارك موتوراً ومتهورا، من الحكمة أن تجرّب معه طرقا أخرى غير صراعات لا طائل من ورائها.
عليهم الإنفاق على التعليم والإبداع أكثر من غيرهما، ونشر المساواة بين الجنسين في فرص التعلم والتحصيل (نصف ما أنفقته السعودية كما ورد اعلاه كفيل بصناعة معجزات في هذا المجال).
ثم هناك الأهم من كل ما سبق: عليهم تحصين داخلهم وتنميته، ليس بالقمع وأجهزة الأمن والشرطة والاستخبارات، بل بالحريات والحقوق السياسية والمدنية وتعميم الرخاء والعدالة الاجتماعية. عندما يشعر الشيعة في دولة عربية ما بأنهم ينعمون بالحرية والآمان والعدالة التي يحلمون بها لأنفسهم وأولادهم، كمواطنين أولاً لا كشيعة، ساعتئذ لن تجد إيران أرضية تستثمر فيها ولن تعثر على مظلومين ومضطَهدين تدّعي الدفاع عنهم.
٭ كاتب صحافي جزائري