الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "قيصر" الجندي المجهول ذو الضربة القاضية

"قيصر" الجندي المجهول ذو الضربة القاضية

22.12.2019
حليم العربي


نداء سوريا
السبت 21/12/2019
"قيصر" اسم حركي لرجل سوري مغمور، لا ينتمي لأيّ تيار سياسي، ولا يعمل في تشكيلات المعارضة، لكنه تفوَّق عليها بفريق سري متواضع، شكَّله مع زميل له اسمه "سامي" الذي أرشف له 55 ألف صورة التقطها لضحايا التعذيب في سجون الأسد، عندما كان مصوراً لدى الشرطة العسكرية قبل انشقاقه.
"قيصر" رجل لا يثق بأحد ولا يحب الأضواء ولا يفكر بالمناصب ولا ينتسب لحزب سياسي أو تنظيم أو فصيل، وليس له أيّ طموح سياسي وفق وصف أحد أعضاء فريقه له، كان "القيصر" قد وجَّه إلى الكونغرس خطاباً مؤثراً قال فيه: "جئت لأقول لكم الرجاء أوقفوا القتل في سوريا، هناك مذابح تُرْتَكب والبلاد تُدَمَّر دون رحمة، هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء، لكنهم قضوا في سجون الأسد"، وخاب بعدها أمله في إدارة باراك أوباما عام 2016م، حين عرقلت مشروع القرار، وكان البيت الأبيض قد عمل من خلف الكواليس، لمنع مجلس النواب من التصويت على مشروع القانون، ادعى حينها أوباما أن مثل هذا القانون يهدم التفاهمات مع الروس ويعرقل الهدنة آنذاك إلا أن الروس خرقوا كل الهدن الهشة، وهدموا التفاهمات وشنوا هجوماً واسعاً استخدموا فيه كل أنواع الأسلحة.
تقف روسيا اليوم وجهاً لوجه أمام "قانون قيصر" الذي سوف يستهدف قيادة الجيش الروسي، وصولاً إلى منتجي الأسلحة، ورجال الأعمال، والمقاولين العسكريين الخاصين وصنّاع الطاقة، جميعهم قد يقعون فريسة للعقوبات الأمريكية، عندما يجري تفعيل التشريع.
رغم كل الجرائم التي ارتكبها هذا النظام إلا أنه لم ينتصر على الثورة السورية، بل تتقاذفه أمواج الأزمات، كقارب مثقوب خرِب يهدد كل من يحاول التمسك به بالغرق، ويجعل إعادة تدويله انتحاراً سياسياً للدول التي تسعى إلى إعادة العلاقات معه، وتبدد أحلام أطياف محسوبة على المعارضة تفكر بالاشتراك مع نظامه في حكومة وطنية بعيداً عن انتقال سياسي وفق جنيف.
يرزح النظام السوري تحت نير الأزمات، فقد عادت الكتابات المناهضة للأسد تُكْتَب على الجدران في مناطق سيطرته، يتبعها اغتيالات وحالات اختطاف في درعا وحمص وباقي مناطق المصالحات، لتصبح حالة عدم الاستقرار في تصاعد وتوسع في مختلف أنحاء البلاد، يحدث هذا مع استمرار الصراع في الشمالين الشرقي والغربي، ونمو حالات التمرد في الجنوب الغربي واتساع رقعة الصراع في الصحراء الوسطى.
أيضاً يعاني النظام من نقص حاد في إمدادات الطاقة "نفط وغاز" ناهيك عن ارتفاع مطرد بأسعار السلع الأساسية؛ نتيجة إحجام التجار والشركات عن التعامل مع النظام السوري، كما قفزت الليرة من معدل 500 مقابل الدولار الواحد في بداية هذا العام إلى 1000 ليرة مع نهايته لتكشف أعمق أزمة للبنك المركزي منذ اندلاع الثورة، وهذا التشريع الجديد مهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي، وتوسيع قدرة أمريكا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين شاركوا في ارتكاب جرائم نظام الأسد، أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة جرائمه، ويحُول دون إعادة الانخراط السياسي معه أو إعادة الاستثمار الاقتصادي في مناطقه، لأن العقوبات تطال مفاصل حيوية كالاقتصاد والأمن والخدمات والبنى التحتية.
هكذا بدَّد "قيصر" جهود إعادة الإعمار لنظام الأسد والدول الداعمة له، مثل روسيا وإيران والميليشيات اللبنانية والعراقية بوضع العقوبات على المجرمين وكل من يساعدهم اقتصادياً أو تكنولوجياً أو عسكرياً، كما يستهدف المسؤولين والعاملين معهم، وأضيف المشروع إلى ميزانية القوات المسلحة الأمريكية التي سوف تدعم فرق التوثيق ومزودي الخدمات والمعلومات التوثيقية، وتهتم بتأمين الرسائل والتقارير التي تكشف وتدين من يساهم في دعم الأسد، لأن التشريع يخوّل الحكومة الأمريكية معاقبة أيّ فرد أو منظمة في أيّ مكان في العالم يثبت تقديمها أيّ شكل من أشكال الدعم المالي للنظام السوري، ومن أجل الدور البارز الذي يلعبه الاقتصاد الأمريكي بتمويل المؤسسات والشركات العالمية، سيدفع التشريع معظم الدول للحاق بالحكومة الأمريكية في عملية الحصار الذي تعده، وهذا ما يعمل عليه فريق "سيزر" في أوروبا لتحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية.
قانون "قيصر" لا يمكن أن يسقط الأسد بمفرده، إلا أنه خطوة في الاتجاه الصحيح مع انعدام الحل العسكري، لأنه يهدف لتجريم النظام والحد من عملياته بشكل عدائي غير عادي يسمح بتوسيع كبير لنطاق العقوبات ضد شخصيات النظام السوري وكياناته، ولا يستهدف المعارضة ولا المغتربين الذين يساندون أهاليهم من العائلات السورية في الداخل؛ ما سوف يدخل النظام في عزلة اقتصادية وسيشهد مزيداً من التدهور، كما يهدف القانون المذكور إلى تأمين حماية للمدنيين السوريين كجزء من مشروع تعزيز الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط.
فضَّلت الولايات المتحدة الابتعاد عن بؤرة الصراع بعد سحب قواتها، واكتفت بحماية النفط ثم قررت العودة بقوة من خلال قانون قيصر؛ ما سوف يعقّد المشهد أكثر، ويغضب الروس حماة (بركة الدم السورية)، وستشهد المنطقة تصعيداً كبيراً وواسعاً نتيجة الغضب الروسي والإيراني، هذا الإفلاس يجعل الحل السياسي من منظورهما أبعد، ومن الممكن للأمريكان إحراز تقدم كبير في عملية سياسية تديرها الأمم المتحدة وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
"قانون قيصر" لن يسقط الأسد عاجلاً لأن الطغاة الذين يفتكون بشعوبهم لن يكترثوا لتجويعهم وحصارهم اقتصادياً، لكن هذا التشريع سيجعل الأسد عبئاً على داعميه، لأن التشريع مقترن بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي، ويهدف إلى تشكيل حملة استنزاف تسعى إلى تقليص الثقة داخل التحالف الموالي للأسد وإجباره على التسوية السياسية، وتشجع الجميع للقفز من هذا القارب الغارق وتشجع التجار والشركاء على الغدر بهذا الحليف الأجرب وتركه يلقى حتفه.