الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "قيصر" في سوريا… فيلمٌ طويل!

"قيصر" في سوريا… فيلمٌ طويل!

15.07.2020
أيمن الشوفي



القدس العربي
الثلاثاء 14/7/2020
لم يخاطب رئيس النظام السوري مناصريه كما كانوا ينتظرون عقب صدور قانون قيصر، لكنه ظهر وعائلته في صورة وقد أحاط بهم قطيع من الأغنام والماعز بعد أربعة أيام على بدء سريان القانون.
تظهر العائلة الحاكمة مبتسمة في الصورة، وكذلك الأغنام، ما حفّز الكثيرين على استنباط دلالات سياسية جزلة أوحت بها سيمياء تلك الصورة، أقلها أن القطيع هو الشعبُ متلحّفاً صمته المبارك.
 
الخواء السياسي
وقبل تطبيق قانون قيصر بنحو عشرة أيام، أطلت بثينة شعبان مستشارة رئيس النظام وسط الخواء السياسي الذي يفتك بالبلاد، لتطالب الشعب المبتسم بالانغماس مجدداً في مذاق الصمود والتصدي متجاهلةً ظهور ابنها برفقة سيارته الفارهة، مبتسماً وإيّاها في صورة تناقلها قسم من الشعب السوري السعيد، وهذه عجرفة سياسية فاقت حماقةً مقولة "ماري أنطوانيت" إبّان الثورة الفرنسية "فليأكل الشعب البسكويت إن لم يجد خبزاً يأكله".
في سوريا تخضع السياسة الدولية لترجمة حرفية، عميقة، ومؤثرة للغاية. غير آبهة بتموضعات الفعل الاجتماعي والسياسي للناس، فلينتفض من ينتفض بوجه النظام الشمولي، أو ليصمت من يصمت، أو ليوالي من يوالي. غير أن مصير سوريا البائس لا يصدقه إلا طهاة مصائر الشعوب أنفسهم، سواء كانوا مستترين أم علنيين.
وما خلاف رئيس النظام مع ابن خاله رامي مخلوف قبل أكثر من شهر سوى تثبيت لمزاعمَ سياسية تفترض مزيداً من الانشقاق داخل الأسرة الحاكمة، صودرت أموالٌ اعتقد الشعب المبتسم أنها ستحوّل إليه في دعم الأسعار وتثبيت سعر الصرف، غير أنها انتقلت من جيب إلى آخر وفق بروباغندا زوّرت ذلك الانتقال بعناية.
 
مشايخ الكرامة
فهل ورّط قانون قيصر النظام السوري بإعادة حساباته الداخلية، أو الخارجية على السواء؟!
الجواب: لا، لم يفعل. بل على العكس، ظهر النظام مستهتراً بما يدور حواله، فمدَّ يده إلى السويداء (جنوب دمشق بمئة كيلو متر) واعتقل من اعتقل على خلفية الحراك الأخير المناهض له، ثم أفرج عنهم ليكسب ودّ من تدخل (مشايخ الكرامة) بعدما اطمأن إلى انزواء الحراك ومطالبه، كما ظل يتفرج على انهيار عملته واقتصاده.
صارت الليرة التركية عملة التداول في إدلب، والدولار عملة التداول في مناطق حكم الأكراد الذاتي، وليرته المنهارة في باقي المناطق.
أيضاً لدى النظام ترسانةُ أدوات داخلية جمعها وطورّها خلال السنوات الماضية، ميليشيات مسلحة، مجرمون أخرجتهم مراسيم عفو متتالية، عصابات تهريب وخطف، موالون جسورون، مواليات جسورات، جيش إلكتروني، تَمَدُدُ حزب الله إلى ما بعد بعد دمشق، وهذا الأخير حرّك مدخراته من القطع الأجنبي التي استولى عليها، وحازها خارج المصارف اللبنانية، ونقلها إلى سوق الصرف السورية، فحاصر قيصر في الزاوية، بعدما دفع بسعر صرف الدولار للهبوط بنحو ألف ليرة سورية، في المقابل فقدت الليرة اللبنانية جزءاً كبيراً من قيمتها، فالحزب الربّاني حدوده خارج لبنان، ولا ضير من تذكرينا بذلك بين حين وآخر، فهو يقع كما النظام السوري خارج منطق الدولة والقانون.
 
الفجوة الهائلة
وهذا يكشف هوية المستفيد من بقاء الفجوة الهائلة بين سعر صرف السوق، وسعر صرف دولار الحوالات في سوريا، الذي ظل أقل بنحو ألف ليرة أو أكثر عن سعر دولار السوق، ليحرم خزينة الدولة من ملايين الدولارات كانت ستدخلها كحوالات نقدية خلال السنوات الماضية.
وما قرار حكومة النظام الأخير رقم 46 المُرغم لكل سوري قادم إلى البلاد بتبديل مئة دولار بسعر الصرف الرسمي سوى تمكينٍ لمصرع الحكمة في إدارة البلاد، وتغذية لمصالح من يمسك بالسياسة والاقتصاد، ولعله أيضاً يسيّج مصالح القابضين على سوق القطع الأجنبي، أكثر مما يخدم خزينة الدولة. فأصحاب السوق السوداء الجدد لديهم مهام جسامٌ تتعلق بوثبات الصمود والتصدي، والشعب المبتسم لديه تلك الصور الفوتوغرافية المشرقة حيث تتملّكه السعادة داخلها، بل ويفيض وجهه بها، حتى وإن رفع النظام سعر الدواء، والغذاء، بحجة قيصر أو بحجج أخرى.
فقيصر لم يكن مصمَماً من الناحية التطبيقية لا النظرية لإرغام النظام على تسوية سياسية حقيقية تكون روسيا عرابها، بدليل أن المعادلة السياسية على الأرض لم تتبدل، إذ سيُجري النظام عرساً شعبياً جديداً متمثلاً بانتخابات مجلس شعبه هذا الشهر، كما تغيب المؤشرات عن أي نوايا جادة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومن الوهم الاعتقاد أن للروس تأثيرا وازنا في القرار الدولي الخاص بسوريا.
وبالتالي إطالة عمر النظام، وما حضور روسيا وإيران في سوريا سوى تبرير لاستدامة مشهد الخراب، وكأن كاتب ومُخرج هذا الفيلم السوري الطويل يريد توسّل عقولنا لقبول فرضية صراع المحاور والأقطاب الكبرى، وكم صرنا نتمنى بالفعل أن نصل إلى المشهد الأخير في هذا السرد السينمائي الممل للغاية.