الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كاد الجيش الحر أن يضل سبيله

كاد الجيش الحر أن يضل سبيله

05.11.2014
عيسى الشعيبي



الغد الاردنية
الثلاثاء 4-11-2014
أود التنويه مسبقاً، أن هذه السطور تصدر عن صاحب وجهة نظر مؤيدة للثورة السورية، ومدافعة بحرارة عن الأهداف النبيلة لأكثر ثورة عربية كلفة بشرية منذ الثورة الجزائرية المجيدة. ومع أن هناك عدداً لا يحصى من أوجه القصور والخلل التي تستحق النقد، من داخل ثورة الحرية والكرامة وخارجها، من أجل تصويب المسار، والحض على تجنب الوقوع في المنزلقات الخطرة، إلا أن الرفق بهذه الثورة، والحرص على عدم إلقاء المزيد من الأثقال عليها، كان يحملنا على الامتناع عن استلال سيوف أضافية ضدها.
غير أن ما بدت عليه وجهة الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة؛ من تناحر شديد وانقسامات مريرة، ومن تخبط ينذر بانحراف شديد عن مساره الرئيس، ونعني بذلك تورط بعض فصائله "المعتدلة" في المعركة المحتدمة في بلدة "عين العرب" (كوباني)، لا تدع مجالاً لغض البصر عن الوقوع في مثل هذه الخطيئة، التي قد تودي بالنتائج المتواضعة، وتهدد بتبديد كل ما بقي من طاقات أشد تواضعاً، ما تزال لدى الكتائب والفصائل المقاتلة على أكثر من جبهة واحدة.
ففي غمرة الحماسة المفاجئة لنصرة المدافعين عن عين العرب، انبرى عدد محدود من قادة الجيش الحر، وعلى رأسهم القائد السابق للمجلس العسكري في حلب، العقيد عبدالجبار العكيدي، إلى الإعلان عن تشكيل قوة من 1300 مقاتل، ينتمون إلى نحو خمسة فصائل كبرى، للذود عن كوباني. وهو أمر تبرأت منه الفصائل المعنية، الأمر الذي دفع بالعقيد المتقاعد إلى خفض العدد إلى 200 مقاتل، لاسيما وأن قادة "الكانتون" الكردي في البلدة المحاصرة، اعترضوا علانية على عودة العرب إلى منطقة تمت تنقيتها عرقياً منذ مدة طويلة.
لقد بدا المشهد سرياليا لدى كثير من أنصار الثورة التي تم التخلي عنها، وغير قابل للفهم من لدن السوريين المذهولين من ضياع البوصلة عند بعض الكتائب، خصوصاً وأن ثورتهم المديدة في حالة جزر، وأن حلب ذاتها مهددة بالحصار، وأن التحالف الدولي لا يرى في الجغرافيا السورية إلا عين العرب، فيما تشتد الغارات الأسدية حتى على خيام النازحين في ريف إدلب، وتتغاضى الولايات المتحدة عن تدفق آلاف المقاتلين من إيران ولبنان وأفغانستان وغيرها، ولا تراهم إرهابيين كما ترى نظرائهم في الجانب الآخر.
ولحسن حظ الثورة السورية، أن عملية جر الجيش الحر إلى معركة ليست معركته، قد فشلت في آخر لحظة. فبعد أن تبرأت الكتائب المقاتلة من هذه الخطة، وخرجت المظاهرات تندد بالقتال مع الذين غدروا بالثورة، وتعاونوا مع الأسد، وطهروا مناطقهم الكردية من العنصر العربي، لم يتمكن العقيد العكيدي سوى من جمع نحو خمسين مقاتلاً، أغلبهم من شتات الكتائب التي خسرت حربها مع تنظيم "داعش" في الرقة وحولها، وباتوا محكومين بردات فعل ثأرية، يتوسلون كل الدروب للانتقام ليس إلا.
ومع أن دخول الخمسين مقاتلا هؤلاء لم يحظ بالتغطية الإعلامية الفائضة، على نحو تلك التغطية الباذخة لدخول 150 محارباً من "البيشمركة"، إلا أن السؤال ظل قائماً حول ما هو الدافع الحقيقي الكامن وراء هذه الحماسة المفرطة لقائد عسكري مرموق، ظل يتمتع بالتقدير، حتى بعد استقالته من المجلس العسكري لثوار حلب، ويحمله دون غيره على السير عكس عقارب الساعة. ولأعثر لاحقاً على حقيقة مفادها أن العكيدي هو ابن عشيرة الشعيطات، التي تعرض أبناؤها لمذبحة كبرى في ريف دير الزور على أيدي "داعش"، وأن الأمر كله مجرد رغبة في الثأر القبلي ليس أكثر.
هكذا، فإنه يمكن القول إن الجيش الحر، المصاب بآفة فقدان القيادة، وداء التشرذم، وضعف التسليح، وغير ذلك من العلل المزمنة، كاد في لحظة خطيرة تمر بها ثورة الحرية والكرامة، أن يضل سواء السبيل، وأن يبدو كبندقية للإيجار، أو كـ"صحوات" في خدمة تحالف دولي لا يتورع عن تقديم خدمات مجانية لنظام الأسد الذي ازداد شراسة في القتل من أجل القتل، لولا أن تداركت الفصائل المقاتلة في ربع الساعة الأخير، خطأ الانجرار وراء الحسابات الظرفية، والانغماس في ردات فعل قبلية مهلكة.