الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كامب ديفيد، ترتيب الأولويات، أم استراتيجية مضادة

كامب ديفيد، ترتيب الأولويات، أم استراتيجية مضادة

12.05.2015
د. علي بن حمد الخشيبان



الرياض
الاثنين 11-5-2015
    الرئيس أوباما يؤمن بأن السلوك السياسي كفيل بتغيير الاتجاهات السياسية وهذا الاتجاه يبدو جليا في مسارات كثيرة آخرها المسار الأميركي - الكوبي، وهذا ما سوف يحاول طرحه امام قادة دول المجلس حول ايران، ولكن ذلك لن يكون مقنعا لقادة دول المجلس بالشكل المطلوب، فالمطلوب من الولايات المتحدة الأميركية بناء مستويات عالية من الثقة بين الاطراف
يقع منتجع كامب ديفيد على بعد مئة كيلو متر تقريبا من البيت الأبيض، وقد منح هذا المنتجع اسمه الأخير من قبل الرئيس الأميركي الرابع والثلاثين، دوايت أيزنهاور، تيمنا باسم حفيده (ديفيد)، ستكون درجة الحرارة في المنتجع حين يلتقى الرئيس الأميركي مع قادة دول المجلس يوم الأربعاء القادم حوالي (17) مئوية وقد تتحول هذه النسبة الى الضعف اثناء المناقشات المحتملة بين الأطراف.
على الرئيس الأميركي أن يدرك أن قادة دول المجلس الخليجي هذه المرة لم يأتوا ليستمتعوا بالاجواء أو المناظر الجميلة في كامب ديفيد، فالواقع الذي يحيط بدول الخليج الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية ليس على ما يرام فهناك ما يقلق العالم كله، فالعالم العربي مشتعل بالكثير من الازمات التي يصعب قراءة نتائجها كون ما يحدث في بعض دول المنطقة انما يشكل نموذجا مستحدثا من الفوضى السياسية والأيديولوجية وهذا ما يجعل من عملية "طمأنة دول المجلس عملية ليست سهلة من قبل الرئيس الأميركي أوباما".
النتيجة التي وصلت اليها الدول العربية بعد احداث الفوضى التي طالت المنطقة قبل خمس سنوات تقريبا لم تكن متوقعة حتى من اكثر السياسيين تشاؤما.
في المقابل كان حجم التفاؤل عاليا من قبل العرب وخصوصا فئة المفكرين والسياسيين، وكادت دول الخليج أن ترتبك مع متناقضات التشاؤم والتفاؤل فالشعوب العربية لم تكن بذات الوعي والقدرة على الاستنتاج حتى تعالج مواقفها مما يحدث حولها، وخلال السنوات الخمس الماضية أيضا ارتكبت أميركا تحديدا خطأ استراتيجيا في السماح لهذه الدول التي طالها التدمير الثوري ان تكون بلا كيانات سياسية قادرة على الاستجابة لمتطلبات الاستقرار الدولي في المنطقة.
الخليج الذي ظل متماسكا امام هذه الثورات لمعطيات تاريخية وسياسية واقتصادية ظل متقاربا ومدركا للخطر الذي يمكن أن يحدث في المنطقة فالأيديولوجيا الثورية السياسية التي استخدمت في بعض الدول العربية لم تكن هي ذاتها التي تمت محاولة تمريرها للمنطقة الخليجية، فالايديولوجيا الدينية ساهمت في خلق أجواء من التوتر العقدي بين الشعوب في منطقة الخليج واضطرت دول الخليج أن تكشف عن موقفها من الأيديولوجيا الإسلامية المتشددة، ولكن ذلك أيضا تطلب الذهاب الى ما هو ابعد حيث وصل التماس الى القضية الأخطر في المنطقة وهي القضية الطائفية والعرقية.
الامن الخليجي في كامب ديفيد سيطرح من وجه نظر جديدة تماما ومختلفة لايشكل فيها السلاح النووي الإيراني سوى جزء من عملية بناء الامن الخليجي والتحالف الاستراتيجي، فما الذي يمكن أن يقدمه الرئيس أوباما للقادة الخليجيين، هل هو عملية شرح للاتفاق النووي مع ايران أم تفاصيل الاتفاق ذاتها أم بناء منفصل لتحالف استراتيجي امني؟
السؤال الخليجي لأميركا ينحصر في قدرة ايران على تغيير سلوكها السياسي في المنطقة وخاصة السلوك الأيديولوجي، ليس من السهل على الرئيس أوباما الإجابة عن هذه الأسئلة وخاصة أن ايران سوف تحصل على مليارات الدولارات بعد ابرام هذا الاتفاق بشكله النهائي، الرئيس أوباما سيقف امام مجموعة من الأسئلة "المشككة"، فالمنطقة العربية تتجه نحو تحولات خطيرة فتعقيدات الحرب الأيديولوجية والعسكرية والجيوسياسية والجيوستراتيجية كلها تضع العالم امام مجموعة معقدة من التركيبات السياسية.
الامن الخليجي بحاجة الى استراتيجية مضادة تسهم في البحث عن استقرار في المنطقة، دول الخليج التي سوف يناط بها الإصلاح السياسي والثقافي والايديولوجي والاقتصادي في المنطقة مستقبلا لن تقدم على هذه الخطوة دون أن يكون هناك منطلقات واستراتيجيات تساهم في ثقة هذه الدول بما يحدث من حولها، الخليج لن يبحث عن امنه فقط لأن قادة الخليج يدركون أن العيش وسط منطقة ملتهبهة امر في غاية الصعوبة والتحدي.
ما ستخرج به ايران من هذا الاتفاق النووي هذا هو المحور في (كامب ديفيد) وهو ما يشكل الازمة الحقيقية لدى دول المجلس، من المحتمل أن تسمح اميركا لإيران بالحصول على السلاح النووي مقابل تغيير سلوكها في المنطقة وانحسار طموحاتها في تصدير الثورة، ومن المحتمل أن يكون الاتفاق مبنيا على ابطاء التسارع الإيراني ومحاولة اذابة الطموح الإيراني للحصول على السلاح النووي عبر الزمن في مقابل الافراج عن الأموال الإيرانية ورفع العقوبات عنها.
الرئيس أوباما يؤمن بأن السلوك السياسي كفيل بتغيير الاتجاهات السياسية وهذا الاتجاه يبدو جليا في مسارات كثيرة آخرها المسار الأميركي - الكوبي، وهذا ما سوف يحاول طرحه امام قادة دول المجلس حول ايران، ولكن ذلك لن يكون مقنعا لقادة دول المجلس بالشكل المطلوب، فالمطلوب من الولايات المتحدة الأميركية بناء مستويات عالية من الثقة بين الاطراف وهذا يتطلب مفهوما مختلفا فدول الخليج التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات طويلة اعتادت مواقف اكثر وضوحا وشفافية من أميركا تجاه قضايا الشرق الأوسط الى درجة انها كانت تتفهم الكثير من المواقف الأميركية في قضايا حساسة في المنطقة.
حجم الثقة والاطمئنان المطلوب من الولايات المتحدة يجب ان يكون متساويا على نحو كبير بين طرفي الخليج العربي (ايران، دول الخليج)، الخليج يدرك أن السلوك الايراني السياسي والايديولوجي لايمكن الثقة به، وهذا ما يفسر تلك المعاملة القاسية لإيران من قبل دول مجلس التعاون تجاه تدخلها في اليمن.
في (كامب ديفيد) قد تكون الخيارات صعبة امام الأطراف ولكن المنطقة بغير ذلك ستذهب الى ما هو اكثر تعقيدا، وهذا لن يتحقق ما لم يتم تجميع ايران مرة أخرى وإعادتها الى طهران وانهاء تدخلاتها في العالم العربي بشكل سريع، عبر هذه الخطوة سيكون المجال مفتوحا مرة أخرى للبدء في مسارات سياسية قد تبدو اكثر تعقيدا ولكن ذلك لن يكون اكثر خطورة من إعطاء قادة الخليج ايحاء بأن السلوك السياسي الإيراني قضية مختلفة عن تدخلاتها في المنطقة العربية.
التحدي الأكبر في ابرام اتفاق امني مع دول الخليج يكمن في معادلة تبدو بعيدة المنال فالسماح ببناء منظومة دفاعية متقدمة مع دول الخليج من جانب أمريكا يجب أن لايقابله التغاضي باي شكل من الأشكل عن المشروعات الإيرانية في المنطقة، الرئيسالأميركي سيواجه في كامب ديفيد أسئلة ليست سهلة ولكن قادة الخليج لن يخرجو بدون إجابات مقنعه واذا لم يحدث ذلك فقد يتم تأجيل الكثير من القضايا لحين مغادرة الإدارةالأميركية الحالية.