الرئيسة \  تقارير  \  كاونتربنش  : الأخلاق لا تنقسم: كيف عرّى فساد نتنياهو “ديمقراطية” إسرائيل

كاونتربنش  : الأخلاق لا تنقسم: كيف عرّى فساد نتنياهو “ديمقراطية” إسرائيل

10.02.2022
رمزي بارود


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
رمزي بارود* – (كاونتربنش) 28/1/2022
الغد الاردنية
الاربعاء 9/2/2022
يقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، والمدعين العامين التابعين له يضعون اللمسات الأخيرة على تفاصيل صفقة التماس بالإقرار بالذنب، والتي سيكون من شأنها أن تخفف عملياً جميع قضايا الفساد الرئيسية الثلاث التي أدت إلى محاكمته رفيعة المستوى في أيار (مايو) 2020، أو وضعها على الرف، أو إسقاطها تمامًا.
وإذا تحققت مثل هذه الأخبار، سوف تهبط إسرائيل رسميًا إلى مستوى منخفض جديد من المحسوبية السياسية والفساد.
أعادت أنباء الصفقة المحتملة، مرة أخرى، السياسي الإسرائيلي المثير للجدل إلى مركز الصدارة في التغطية الإعلامية.
ويتم الآن طرح العديد من الأسئلة حول تفاصيل الاتفاق، وتوقيته، وتأثيره طويل الأمد على مستقبل نتنياهو السياسي.
من الحقائق المعروفة أن نتنياهو هو رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة.
ولم يتحدد بعد ما إذا كان إسقاطه على يد تلميذه السابق، وعدوه الآن، نفتالي بينيت، سيؤذن بنهاية عصر الإيديولوجي اليميني في أروقة السلطة.
وكان بينيت، وهو سياسي متطرف هو نفسه، قد شكل ائتلافًا حكوميًا في حزيران (يونيو) 2021، منهياً بذلك فترة حكم نتنياهو الطويلة غير المنقطعة.
ويبدو أن منتقدي نتنياهو منقسمون: البعض مسرور برؤيته موصوماً، مهما يكن ذلك الوصم رمزيًا.
ويشعر آخرون بخيبة أمل لأن رئيس الوزراء السابق لن يدفع سوى ثمن ضئيل -مجرد خدمة مجتمعية- عن ثلاث قضايا فساد: القضية 1000، القضية 2000 والقضية 4000.
القضية 1000، المتعلقة بتهم بالاحتيال وخيانة الأمانة، هي القضية الوحيدة التي سيدان نتنياهو عليها إذا تم تأكيد صفقة الإقرار بالذنب. وعلى عكس القضايا الأخرى، فإن هذه القضية بالذات، التي يُتهم فيها نتنياهو بتلقي هدايا باهظة الثمن من العديد من رجال الأعمال الأجانب، هي الأقل أهمية.
وتتعلق القضيتان الأخريان بالفساد على مستوى عالٍ، والتي تشمل أكبر شركة اتصالات في البلاد، “بيزك”، ومئات الملايين من الدولارات من الأموال الناتجة عن الفوائد القانونية والسياسية والتنظيمية التي قدمها نتنياهو لمؤيديه مقابل تزويده بتغطية إعلامية مواتية.
تحكي طبيعة فساد نتنياهو قصة أكبر من الرجل نفسه.
وتشير مجسات نتنياهو وعائلته وحاشيته السياسية وشبكات أعماله وتواصله الإعلامي إلى فساد متزايد ومتأصل في المجتمع الإسرائيلي على جميع المستويات.
وبينما تم اتهام مسؤولين إسرائيليين آخرين ومحاكمتهم والحكم عليهم من قبل بجرائم أقل أهمية بكثير، من المحتمل أن يخرج نتنياهو حراً، على الرغم من حقيقة أن ممارساته غير القانونية خلال سنواته في السلطة حولت الفساد في إسرائيل من ظاهرة طبيعية إلى وباء.
ويبدو أن الإسرائيليين أصبحوا على دراية بالفساد بين دوائرهم السياسية الخاصة بحيث إن السؤال الرئيسي الذي يبقى لتأمله هو ببساطة ما إذا كان سيتم السماح لنتنياهو بالعودة إلى السياسة أم أنه سيتم حظر عمل السياسي البالغ من العمر 72 عامًا لعدد محدد من السنوات.
وسوف تعتمد الإجابة إلى حد كبير على تفاصيل ولغة لائحة اتهام نتنياهو، حسب صفقة التماس الإقرار بالذنب.
وفقًا للقانون الإسرائيلي، إذا كانت فترة خدمة المجتمع التي يفترض أن يقضيها نتنياهو أقصر من ثلاثة أشهر، وإذا واجه الحكم النهائي كمواطن عادي وليس كعضو منتخب في الكنيست (البرلمان)، فلن يصفعه المدعون بوصمة الفساد الأخلاقي. وفي مثل هذه الحالة، سيُسمح لنتنياهو بالعودة إلى السياسة.
ومع ذلك، إذا كان حكم رئيس الوزراء السابق أكثر من ثلاثة أشهر، فيمكن أن يوصم بنوع اللغة القانونية الذي يكون من شأنه أن يمنعه من ممارسة السياسة لعدد معين من السنوات -تقدر بسبع سنوات.
ويقترح بعض المحللين أنه حتى لو لم يتم وصمه، فسوف يظل بإمكان “لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية” منعه من المشاركة في الانتخابات المستقبلية.
كان من المتوقع أن يتم توضيح هذه القضايا قبل 31 كانون الثاني (يناير)، اليوم الأخير من ولاية المدعي العام الإسرائيلي، أفيحاي ماندلبليت، في منصبه.
وكان ماندلبليت هو الذي أصدر لوائح الاتهام ضد نتنياهو، وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنه حريص على إنهاء القضية قبل نهاية فترة ولايته.
ويقوم بتعيين المدعي العام التالي العدو اللدود لنتنياهو، بينيت، الذي يهتم بإطالة أمد محنة نتنياهو أكثر من إعطائه فرصة جديدة للحياة السياسية.
نقلاً عن محللين إسرائيليين، ذكرت شبكة (سي إن إن) أنه منذ أن عمل نتنياهو “مثل اللاصق الذي ربط معاً” تحالف بينيت “المخلوط”، يستمر نتنياهو، بصفته رئيس المعارضة، في أداء دور مهم.
وقالت شبكة (سي إن إن): “لكنه إذا خرج من المشهد، فقد يوفر ذلك فرصة لتكوين تحالف جديد، يتألف بالكامل من أحزاب يمينية ودينية، والذي يمكن أن يطيح بحكومة الوحدة الحالية”.
في حين أن مهنة نتنياهو السياسية ما تزال الموضوع الرئيسي للنقاش بين الطبقة الحاكمة في إسرائيل، يتم تخصيص القليل من النقاش والتغطية الإعلامية اللاحقة لموضوع الفساد في الحكومة الإسرائيلية وقطاع الأعمال.
وليس نتنياهو أول مسؤول إسرائيلي منتخب يُتهم بالفساد. في كانون الأول (ديسمبر) 2015، وُجهت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، تهمة سوء سلوك أقل بكثير، بما فيها تلقي رشاوى تقدر قيمتها بنحو 60 ألف شيكل (15.500 دولار).
وكانت الاتهامات مرتبطة في الغالب بالوقت الذي كان فيه أولمرت عمدة القدس.
وعلى الرغم من إسقاط بعض التهم في نهاية المطاف، فقد حُكم على أولمرت في البداية بالسجن ستة أعوام، قضى منها 18 شهرًا.
وكانت آخر صور في ذهن الإسرائيليين لأولمرت هي صورة سياسي ملطخ بالعار يتم جره ذهابًا وإيابًا من زنزانته إلى محكمة إسرائيلية والعودة.
يبدو أن الأيام التي نجحت فيها إسرائيل في إقامة فصل شبه كامل بين نظاميها السياسي والقضائي قد ولت منذ أمد بعيد.
بفضل نتنياهو، لم يعد الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي في المجتمع الإسرائيلي يسمح بمثل هذا التقسيم للسلطات.
وحتى اللغة المرتبطة بالمسؤولين الإسرائيليين الفاسدين تغيرت هي نفسها أيضاً. كثيرا ما اتهم نتنياهو أعداءه بـ”محاولة الانقلاب” والنظام القضائي بـ”مطاردة للساحرات”.
وهناك الكثيرون في إسرائيل الذين يصدّقونه ويجدون أن لغته مناسبة تمامًا لوصف الوضع الحالي لإسرائيل.
تاريخيًا، تمكنت إسرائيل أيضًا من تحقيق التوازن بين واقعين منفصلين ومتناقضين.
واحد يقوم على انتهاك حقوق الإنسان وانتهاك القانون الدولي؛ ومن خلال هذا العمى الأخلاقي بالتحديد أقنع الإسرائيليون أنفسهم بأن احتلالهم العسكري لفلسطين، والفصل العنصري والتمييز ضد العرب الفلسطينيين، هي شؤون مبررة تمامًا.
والثاني يقوم على نموذج للديمقراطية الاحتيالية التي تلبي احتياجات مواطني إسرائيل اليهود على حساب الفلسطينيين. وبالقدر الذي يعني اليهود الإسرائيليين، فقد بدت ديمقراطيتهم هذه خالية من العيوب إلى حد كبير.
ومع ذلك، فإن الأمور تتغير، حيث أصاب الفساد الأخلاقي الإسرائيلي في فلسطين الجسم السياسي اليهودي الإسرائيلي ببطء -وإنما بشكل لا رجعة فيه.
وأصبح يتقوض بسرعة ادعاء إسرائيل منذ أمد طويل بأنها دولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه.
ويقدم الفسادالمستشري في البلاد دليلاً على هذا التأكيد.
ويتضح أن الأخلاق لا يمكن تقسيمها على أساس الجغرافيا، أو الطبقة، أو الدين أو العرق.
ربما يكون الوقت قد حان لكي يقبل الإسرائيليون العاديون هذه الحقيقة البديهية التي لا مفر منها.
*رمزي بارود: صحفي ومحرر “ذا بالستاين كرونيكل”، وهو مؤلف لخمسة كتب.
آخر كتاب له هو “هذي السلاسل سوف تُكسر: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية”.
وهو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية، جامعة إسطنبول الزعيم.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Morality Cannot Be Divided: How Netanyahu’s Corruption has Exposed Israel’s ‘Democracy’