الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "كلمة السر" التي أعادت سعد الحريري

"كلمة السر" التي أعادت سعد الحريري

12.08.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاثنين 11/8/2014
حيّا بعض السياسيين، من المقربين من تيار "المستقبل" وخصومه، قرار سعد الحريري العودة الى لبنان معتبرين إياها شجاعة من رئيس وزراء لبنان الأسبق. والحال أن الأمر، بالتأكيد، لا يتعلّق باسترداد شجاعة كانت مفقودة لمدة ثلاث سنوات، فبعض المطّلعين على شؤون لبنان أخبروا "القدس العربي" قبل أيام من عودة الحريري أن "كلمة السر" جاءت من خصمه السياسي الأبرز الشيخ حسن نصر الله وتم إيصالها عبر بوابة الزعيم السياسي اللبناني المحنّك وليد جنبلاط بعد زيارة لزعيم حزب الله اللبناني، ومنطوقها ضمانات لعدم التعرّض لحياة الحريري.
غير أنه في عالم السياسة العربية لا مكان لتجرّع "حليب السباع"، كناية عن استمداد الشجاعة (كما يقول المثل الشعبيّ)، في معادلات الوجود والاختفاء عن الأنظار، فغياب سعد الحريري المزمن عن لبنان، يقابله نزول نصر الله "تحت الأرض"، فالخصمان يواجهان خطر الموت، وبهذا يتساوى "الشيخان" في توخّي الحذر والحكمة والحفاظ على الروح.
يتعلّق الأمر إذن بمعادلة سياسية جديدة ارتأت فيها الأطراف "الراعية" للطرفين الخصمين هدنة ضرورية بدأت ملامحها تتظهّر بصورة المشهد بصعوبة، مع عمل الجيش اللبناني على طيّ صفحة التدخل القادم من سوريا الى عرسال (دون المسّ طبعاً بسببه الأول وهو التدخل الذاهب من لبنان الى سوريا على جبهة تمتد من درعا الى حلب)، ومع انتخاب مفت جديد للبنان كان تصريحه الأول متساوقاً مع الأوركسترا التي ستتكرّر كثيرا: "سنكافح التطرّف"، ومع تصريح الحريري ("لن نقبل لقلة من المتطرفين أن تأخذ المسلمين الى مواجهة مع باقي الشركاء في الوطن")، وهو اللحن الذي لقي صداه عند الطرف المقابل الذي تحدث بعض أركانه عن "الوحدة ضد التكفيريين".
الأغلب ان أجندتي الخصوم السياسيين في لبنان لا تقترب فقط من الموقف من "المتطرفين" (بحسب صياغة الحريري) و"التكفيريين" (بحسب صياغة نصر الله)، بل تطاول أيضاً التوصل الى تسوية لانتخاب رئيس للجمهورية والتمديد لمجلس النواب، بعد محاولات "تكسير حيطان" من بعض الأطراف المقربة من "حزب الله" حول إمكان دفع البرلمان باتجاه الفراغ هو أيضاً، بعد منع انتخاب الرئيس، بهدف إعادة تركيب لبنان جديد.
الواضح أن موجة الأحلام هذه قد تكسّرت على شاطئ الواقع اللبناني /الإقليمي، مع سعي إيران الى تخفيف الضغوط عليها، في مفاوضاتها النووية، وفي علاج مأزقها العراقي المستعصي بعد إنجازات رجلها المفضل نوري المالكي في جعل "الدولة الإسلامية" تهديداً خطيراً بعد أن كان يأمل في جعلها لعبته الرابحة كما فعل نظيره بشار الأسد في سوريا.
بهذا المعنى فإن "الدولة الإسلامية" في هجومها المفاجئ في عرسال، وفي امتدادها الصاعق في سوريا والعراق، كانت المحرّك الفاعل لتغيير المعادلات الراسخة في لبنان والعراق… وقريباً في سوريا، أما "إفتح يا سمسم" التي سلّمت من نصر الله لجنبلاط فالحريري فهي، في الحقيقة، تحصيل حاصل توازن الرعب في المنطقة.
الرعب الآخر الذي لا يرغب أحد في التحدّث عنه هو رعب اللاجئين السوريين الذين تراكمت فوق ظهورهم العنصرية المخجلة التي تلازم السياق اللبناني، مع الوحشية الفاقعة لنظامهم الذي هربوا منه والآن يغلق عليهم مجدداً أبواب لجوئهم الجديد بعيداً عن خيام اللجوء.
تتمثّل هذه العنصرية في التحريض الفاجر على اللاجئين السوريين، ثم البرود الإعلامي المتقصد في تغطية الهجوم على مخيماتهم الذي رافق مسيرة صد المسلحين، والذي أدى الى حرق خيم النازحين وقتل العشرات منهم، وما تبع ذلك من تملص النظامين السوري واللبناني من مسؤولية استقبال اللاجئين وكأنهم كتلة إنسانية مهملة.
سعد الحريري قدّم هديّة لعرسال لكنها رفضتها في تعبير عن رفض لخطوة لا تحترم دماء اللبنانيين والسوريين وكراماتهم كبشر، وهي "كلمة السر" التي أدت الى كل هذا الزلزال السياسي الكبير في المنطقة، ولا أحد يريد سماعها.