الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كلمة حق يراد بها باطل

كلمة حق يراد بها باطل

11.04.2016
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاحد 10/4/2016
قوة الشعب من قوة الله” هي العبارة الأكثر رواجاً في عالم السياسة والأكثر إنتهاكاً وتعهيراً من قبل حكام يعرفون هذه الحقيقة، ولكنهم لا يألون جهداَ على سحق هذه القوة بكل ما أوتوا من عزم وتصميم.
الحالة السورية ليست استنثناءاً، بل كانت الحالة التي كان فيها هم وهاجس الطغاة إكثار الحديث عن الشعب وإكثار السحق حتى لو استلزم الأمر ضربه بالسلاح الكيماوي.
لم يكن شعار “التدمير” في (نحكمها أو ندمرها ) و (الأسد أو نحرق البلد ) يقصد تدمير الحجر بل يتعداه إلى تدمير البشر والنسيج الإجتماعي لهذا الشعب الذي طالما تغنى به النظام في قصائد مطولة.
اليوم، أكثر المتحدثين عن الشعب السوري هي “الصديقة” روسيا، الكلام الروسي المتجدد يتراوح بين تحديد مصير الأسد إلى تحديد مستقبل سوريا.
عندما يسمع المرء تصريحات مسؤولي روسيا يستبشر خيراً، يظن المرء أن هناك من يحترم إرادة الجماهير ويقر بحقها في تحديد مصيرها ومستقبل بلدها.
إن كانت روسيا عهدت بهذه الصلاحية للسوريين بصدق ونية صافية فهذا موقف عظيم يستحق التقدير، وإن كانت تريد أن تمكنهم من حمل هذه العهدة لأنها تعرف أنهم مغلوبون على أمرهم فهذا موقف أعظم، أما إن كانت تستخدم هذا الكلام وهي تعلم بحالهم وضعف حيلتهم وخوفهم من إرهاب وإرعاب نظام القتل فهذا موقف نذل مخادع لا يستحق إلا الخزي والعار.
لو كانت روسيا تحترم إرادة السوريين كما تزعم، فلما استهدفتهم بطائراتها حماية لنظام مجرم قتل منهم من قتل وجرح منهم من جرح؟
لو كانت روسيا تؤمن بإرادة الشعوب لما فعلت بالشيشان مافعلته من خراب وتدمير وتهجير لأهله.
تدرك روسيا جيداً أن نظام الأسد الذي مارس الإرهاب والقمع الوحشيين ما زال قادراً على الفتك بالمدنيين ولذلك قد يكون هناك من السوريين ممن يسكنون في المناطق الخاضعة لقوات المعارضة من ما زال يخشى من التصويت ضد النظام خوفاَ من عودة النظام وإقتصاصه ممن لم يصوتوا له.
لو كانت روسيا تحترم إرادة الشعوب لما سمحت للنظام الذي تحميه بتشكيل قوائم من (سيمثلون هذا الشعب فيما يسمى مجلس الشعب) ولكانت أقنعت النظام على الأقل بتأجيل ما يسمى “انتخابات مجلس الشعب” لكي لاتؤثر على مسار عملية السلام التي هي شريك أساسي فيها.
تعلم روسيا أنها تستخدم عبارة “السوريون يقررون مستقبل بلدهم ومصير الأسد ” بطريقة المثل القائل ( حق يراد به باطل ) لأن حرص روسيا المزعوم على الدولة السورية التي يفترض بالسوريين تقرير مصيرها وهوية من سيرأسها لا يبدو جدياً ومدروساً حيث تدرك الحكومة الروسية أن الانتخابات لا يمكن أن تجري في أجواء مشحونة سياسياً واجتماعياً قد خرجت للتو من أتون حرب مدمرة وأن الأستقرار الاجتماعي ضروري لقيام أي نشاط سياسي كما أن الأنتخابات ليست الشكل الوحيد للتعبير عن إرادة الجماهير وخصوصاً عندما تجري مثل هذه الانتخابات في بلد يفتقر إلى تقاليد ديمقراطية وإنتخابية، فتأسيس مثل هذه التقاليد يحتاج إلى زمن وإلى ممارسة اجتماعية لقيم الديمقراطية في المجتمع بكافة مستوياته.
إن استسهال الكلام عن إرادة السوريين المعول عليها تقرير مصير بلادهم وتحديد من سيرأسهم ينبع من تزوير منهجي لفكرة إرادة الشعب الذي طاولته يد التخريب الممنهج منذ نصف قرن على أيدي آل الأسد وأجهزة رعبهم وآلة إنتاجهم للخوف والكذب سوياً.
إرادة الشعب ليست مفهوماً جوهرياً أو أقنوماً مقدساً بل هي مجموع رغبات وإرادات تتغير و تتبدل وتتصارع لتعبر عن نفسها من خلال آليات مختلفة، فالمظاهرات والاجتماعات والأنشطة النقابية والمجتمعية تعبر عن أوجه من إرادة هذا الشعب التي لا يمكن قياسها بآليات محددة رغم كون الإنتخابات شكلاً شائعاً من أشكال التعبير عن إرادة شعبية.
إن احترام إرادة شعب ضحى بالآلاف من ابناءه في سبيل الحرية يقتضي أولاً نزع أدوات الرعب والوحشية التي يمتلكها الأسد وتحويله من “رئيس ” إلى “مرشح ” في حال استطاع أن يثبت أمام محكمة سورية مختصة عدم تورطه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فهذان شرطان ضروريان لا بد لكل سوري أن يثبت عدم إرتكابه لأي من هذه الجرائم حتى يحق له الترشح لأي منصب.
تريد روسيا أن تسمح للسوريين بفرض إراداتهم، المعادلة بسيطة: ” انزعوا سلاح كل القتلة وميليشاتهم وأجهزة رعبهم، دعوا السوريين يتخلصوا من كوابيس الأسد،وسترون حينها مصير الأسد وقد صار في مكانه الطبيعي الذي سيقرره سوريين تحرروا من الخوف.