الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كندا: حقائق لا شعارات

كندا: حقائق لا شعارات

27.12.2015
د. خالص جلبي



الاتحاد
السبت 26/12/2015
لم أستطع أن أحبس دموعي وأنا أستمع إلى المسرح الكندي، وقد أخذت تغني فيه مجموعة كبيرة من الفتيات الصغيرات: "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.."، ثم يتم ترداد ما يشبهه باللغتين الفرنسية والإنجليزية، احتفالاً باستقبال 25 ألف لاجئ سوري من جحيم البراميل الطائرة والصواريخ الفراغية، أي الجحيم الذي يأتي تصديقاً لقول مؤيدي النظام السوري: الأسد أو نحرق البلد!
"جستن ترودو"، رئيس الوزراء الكندي، يشرف بنسفه على تدفئة الهاربين السوريين، فيُلبس الطفلة السورية المعطف الدافئ وهي ابنة مجتمع يضم مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
إنه مشهد يذكرنا بمجتمع المدينة المنورة الإنساني، وبموعظة الجبل التي نطقها عيسى بن مريم حين قال: طوبى للحزانى لأنهم يتعزون، وللعطاش إلى البر لأنهم يرتوون.
عائلة كندية فضلت أن تتبرع بنفقات الزواج لعائلة سورية مشردة. البرلمان الكندي حيّا خطوة ترودو وهو يدعو لاستقبال السوريين في مطار مونتريال. الأوبرا تتهيأ لأناشيد الإسلام الأولى وكلمات حواريي عيسى عليه السلام.
إن من يرى منظر الدمار الذي يصنعه نظام بشار الأسد في بلاد الشام، مستعيناً بالقوزاق والفرس لاحتلال سوريا وقتل أطفالها، ثم يلتفت غرباً ليرى كندا وهي ترحب بالمعدمين والفقراء والمشردين من بقايا مجتمع يتمزق، ويتابع تعاون مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار ببراءة "الأسد" بعد قتله مليوناً من السوريين وتشريد نصف الشعب السوري، ويرى ما قامت به كندا.. لابد أن يتذكر أهل المدينة المنورة وهم يستقبلون رسول الرحمة هازجين: "طلع البدر علينا..".
كثيرون سيكررون: وأسفاه، هذا مجتمع لاديني يقدم تطبيقاً إنسانياً فريداً للديانات السماوية.. وإن الحقائق شيء والشعارات شيء آخر.
أذكر جيداً في سوريا حين وقع انقلاب 8 مارس 1963، حيث رفعوا شعارات ثالوثهم المقدس: الحرية والوحدة والاشتراكية.. فاغتالوا الحرية وحولوا البلد إلى سوق نخاسة، كما حولوا الوحدة إلى تفتيت منظم لكل شيء، أما الاشتراكية فأصبحت فقراً وفساداً!
لقد أصبحت سوريا في عهدهم موتاً مقيماً، وعبودية ضاربة، وعقلا مغادراً في إجازة مفتوحة، ولساناً يزعق بالثالوث المقدس: وحدة تعني التفسخ والتحلل والشرذمة مثل أي جسد ميت يتحلل في التربة.. وحرية من دون أي حركة إلا في اللهاج بالثناء على الطاغوت.. واشتراكية غارقة في الفقر والذل والعبودية.
إمكانيات الدولة السورية كلها مُسخَّرة للتجسس على مواطن (مسكينا ويتيما وأسيرا)، مثل حمار غليظ الجلد اعتلى ظهره خمسة عشر ضابطا أمنيا يسوقونه في الاتجاه الغلط. فلا يقتربون من الإصلاح إلا إلى الضلال البعيد.
ألم نفهم لماذا يهرب السوريون إلى كندا؟ ولماذا يقوم ترودو بتلبيس الطفلة السورية معطف الشتاء بعناية؟ ولماذا تغني الأوبرا الكندية "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع"؟
تبقى وصية أخيرة خاصة للمسلمين والعرب الهاربين إلى تلك البلاد الجميلة، ألا وهي أن اغرسوا في قلوب أولادكم حب السلام الأبدي، كما نادى به فيلسوف الحداثة إمانويل كانط، ولقحوا كل من حولكم بلقاحات السلام، لأن العنف مرض ساري، مثل سعار الكلاب إذا وقع قتل صاحبه ومن حوله، فسعار الكلاب يغادرها لمن حولها من بشر وحيوان فيعض كل مصاب من حوله، وهذا حالياً هو مرض "داعش" ومثيلاتها.. فلا تكونوا من المشركين ممن جعلوا دينهم شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون!