الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كواليس قمة إسطنبول

كواليس قمة إسطنبول

31.10.2018
سلام الكواكبي


سوريا تي في
الثلاثاء 30/10/2018
من المتعارف عليه دولياً ألا يجتمع رؤساء دول، مهما كانت أهميتهم وأهمية دولهم، في قمة ما ليقوموا بإجراء مباحثات من نقطة الصفر في الشؤون الحساسة التي تعصف بمصالحهم، أو ليناقشوا ألف باء الملفات الساخنة التي يجدونها أمامهم على الطاولة أو التي يحملونها معهم في حقائبهم الجلدية النظيفة. فالحقيقة والتجربة والملاحظة التاريخية تُشير إلى أن ملفات القمم تكون قد أُعِدّت من قبل الموظفين المختصين بعد نقاشات طويلة ليأتي القادة في قمتهم للاتفاق على اللمسات الأخيرة وإعلام النتائج مهما هزلت أو كبرت.
كذا قمة إسطنبول التي جمعت الأسبوع الماضي رؤساء روسيا وفرنسا وتركيا ومستشارة ألمانيا، للبحث في الملف السوري ومحاولة الخروج بنتيجة تضعه أمام بدء السير في اتجاه الحل السياسي بعد مقتلة دامت سبع سنوات ونيف. فمن شبه المؤكد بأن ما تم الإعلان عنه قد جرى الاتفاق عليه قبل وصول القادة الثلاث إلى قصر مضيفهم التركي. وبقيت بعض النقاط الخلافية التي كانت لا تبحث عن حل بقدر ما هي تبحث عن إخراجٍ مناسب للإعلان أمام الصحافة والرأي العام العالمي.
لم يكن أحد ينتظر أكثر مما تم الإعلان عنه من نتائج تقارب العدم. من تمديد للهدنة في إدلب ومن دعم لمسار الأمم المتحدة المتعثّر منذ بدايته، وخصوصاً تحت إدارة الموظف
انهماك القادة الأربع في تعظيم مسألة اللجنة الدستورية هو وقوعٌ بائن في فخٍ روسي مُحكم وغليظ لثني من ظل يعتقد بأن الحل هو في عملية تحول سياسي حقيقي، وليس في كتابة دستور
الطموح ستيفان دي مستورا، ومن سعي لإقناع "الحليف" الروسي بإقناع حليفه السوري لقبول تشكيل اللجنة الدستورية سالفة الذكر مراراً وتكراراً لإلهاء من لم يلته بعد بجزئيات لا تُغني ولا تُسمن ما فتئ مبعوث الأمم المتحدة، هو وفريقه، يتسلون برميها أمام المتصارعين حاصلين منهم على بعض اللعاب المتطاير أو بعض الخنوع المتعاظم أو بعض الانتظار المتفاقم.
فعن أي دستور يُشغل السيد الأممي ندماءَه وسُمّاره؟ وما نفع دستور في بلد لم يطبق فيه أيٌ من دساتيرها منذ عقود؟ وهل العلّة في الدستور القائم أو السابق أو أسوأ دستور عرفته الجمهولكية السورية حتى اليوم؟
انهماك القادة الأربع في تعظيم مسألة اللجنة الدستورية هو وقوعٌ بائن في فخٍ روسي مُحكم وغليظ لثني من ظل يعتقد بأن الحل هو في عملية تحول سياسي حقيقي، وليس في كتابة دستور، مهما كان هذا الدستور عظيم المحتوى، ادماجي للمكونات، ليبرالي النفحة، علماني التنصيص، يحمل في جعبته مساواة جندرية مثالية. وكل هذه الفقرات، تُشغل دي مستورا ومن يعتقد بملهاته الأممية عبر أشهر من النقاش ومن الورشات ومن التدريبات. ولتتوج كل عملية ذر الرماد في العيون وفي الثغور المفتوحة اندهاشاً، برفض ظاهري لحكومة دمشق لأي تدخل للأمم المتحدة في شأنٍ تعتبره سيادياً. وحيث يبدو أن لسوريا "سيادة" ملموسة للغاية منذ 2011 (...) بحيث صارت الجمهورية كالمساحة المفتوحة في المكاتب الجماعية يجتمع بين جدرانها وفي تلالها ووديانها من هبّ ودبّ من ميليشيات وجيوش وعصابات وأجهزة أمن سرية وعلنية لكل الدول المحيطة والصديقة والشقيقة والعدوة نظرياً أو عملياً.
وعلى الرغم من الموافقة الروسية النظرية على ضرورة تفعيل اللجنة الديمستورية إلا أن توزيع الأدوار يقتضي أن يتم رفضها ممن لا قدرة لهم على رفض إملاءات موسكو مهما هزلت إلا حينما يتعلق ذلك بإضاعة الوقت وإقناع "الزملاء" الأوروبيين بأن موسكو تلاقي "صعوبة" تُذكر في "إقناع" دمشق بقبول "التنازل" والانضمام إلى هذه اللجنة التي صار الحديث عنها مثل نغمة الشيطان التي تتكرر دون أن تُطرب، بل على العكس.
قمة إستنبول ليست جبلاً تمخّض عن فأر، بل هي مجموعة من الأوهام المتراكمة منذ سنوات نجح الدب الروسي في وضعها أمام المتحاورين
بوتين المحنّك استخباراتياً، يستفيد من انعزالية راسخة في السياسة الخارجية لحليفه الموضوعي دونالد ترامب والتي أشد اهتماماتها توسيع الأسواق وزيادة الأرباح
لكي يُقرّر هو فيها ولكي يدعوهم للمتابعة والتنفيذ. ليس بالتأكيد سيد الكرملين القابع على اقتصادٍ متهاوٍ قادرٌ تماماً على هذا الفرض النظري، ولكنه يُجرّب مستغلاً هامش العجز البنيوي للسياسة الخارجية الأوروبية المؤلفة من 27 سياسة خارجية منفصلة بعدد دول الاتحاد، وبفضل سعي السيد ماكرون، الذي يرأس فرنسا التي تلعب دوراً قيادياً تقليدياً إلى جانب ألمانيا في الاتحاد، إلى لعب دور لاعب السيرك الذي يرمي الحلقات المعدنية في الهواء محاولاً التقاطها أثناء السقوط وإذ بها تسقط على الأرض الواحدة تلو الأخرى، في سياسته الداخلية كما الخارجية. ومع هذا الفشل الموصوف، فهو يستدير نحو الجمهور طالباً التحية والتصفيق. كما أن بوتين المحنّك استخباراتياً، يستفيد من انعزالية راسخة في السياسة الخارجية لحليفه الموضوعي دونالد ترامب والتي أشد اهتماماتها توسيع الأسواق وزيادة الأرباح. وفي النهاية، الجميع مستفيدون من خواء العمل الجماعي العربي ممثلاً بجامعة عربية لم يعد يسمع بها إلا الحجّاب الذين ينظفون ممراتها من أعقاب سجائر الشاعرين بالملل من موظفيها.
ما أُعلن عنه في قمة إسطنبول ليس هو ما تم الاتفاق عليه فيما سبق انعقادها لإقراره. ولكن الإعلان عما جرى الاتفاق عليه ليس بالأمر المتاح في هذه المرحلة بالذات. وعلى من يرغب، أن يتسلى بالحديث عن اللجنة الديمستورية إياها ويُناقش تركيبتها ومدى تمثيلها لهذا المكون أو ذاك حتى ينكشف المستور.