الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كوباني وطبقات التعقيد السوري

كوباني وطبقات التعقيد السوري

27.10.2014
سمير الزبن



المستقبل
الاحد 26-10-2014
معركة كوباني التي ظاهرها الصدام بين الدولة الإسلامية "داعش" من جهة، وقوات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، والمرتبط بحزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبد الله أوجلان، من الجهة المقابلة، هي في السياسة غير ما تظهر على جبهات القتال.
على المستوى العسكري، تدير "داعش"، الأفضل تسليحاً، حرب إبادة ضد قوات الحماية الشعب الكردي الأقل تسليحاً، والمحاصرة من كل الجهات، وضد سكان المدينة ومحيطها، الذين اقتلعوا من بيوتهم عن بكرة أبيهم، باستثناء بعض العجائز. في الواقع، تعيش كوباني مأساة إنسانية حقيقية على يد "داعش"، ولكن هذه الصورة التبسيطية والمأساة الإنسانية لا تفسر ما جرى ويجري بشأن الصراع على المدينة، لأن الدخول إلى عمق ما يجري يكشف مستوى التعقيد الذي تعيشه أطراف الصراع السوري الداخلي، وتضارب مصالح الدول داخل الائتلاف الدولي الذي تشكل لمحاربة "داعش".
على المستوى السوري الداخلي، كانت الأزمة السورية مدخلاً فتح شهية الكرد الذين يشعرون بمظلومية تاريخية في سوريا لإنجاز إدارة ذاتية كردية، وفي هذا السياق ولدت قوات الحماية الشعبية. لكن هذه القوات لم تحرر الأراضي التي تسيطر عليها من قبضة النظام، انما كانت السيطرة بالتوافق والتحالف معه، سلّم النظام بموجبه المواقع إلى قوات الحماية الشعب الكردي، مع إبقاء وجود النظام الشكلي / الرسمي في هذه الأماكن. في الوقت الذي عملت هذه القوات على الاستئثار بالسيطرة على هذه الأماكن، لم تكتفِ بذلك، بل قامت بمحاربة الجيش السوري الحر واستئصاله من الأماكن التي تسيطر عليها. من جهة أخرى، هناك هدنة غير معلنة، بين النظام و"داعش" تم خرقها في الرقة عندما حاول النظام تأهيل نفسه ليكون جزءا من التحالف الدولي ضد "داعش" وعندما لم ينجح في ذلك، واعتبره التحالف جزءاً من المشكلة وليس جزءا من الحل، عاد الوضع إلى الهدنة السابقة. كذلك، "داعش" في تمدده في سوريا لم يتمدد على حساب النظام، بل "حرّر" الأراضي المحررة من الجيش الحر، وبذلك تعتبر فصائل الجيش الحر والمعارضة السورية أن "داعش" صنيعة النظام السوري، لتحقيق نبوءته بمحاربة الإرهاب، التي ادعاها مبكرا لمواجهة الاحتجاجات السلمية. بالتالي، فإن الصراع الدامي الذي يجري في المدينة هو صراع بين حلفاء النظام أنفسهم، ليس للأطراف الأخرى الداخلية في سوريا أي مصلحة في التدخل لصالح أي من الطرفين، فلا يعتبر أي من الطرفين جزءا من معسكر الثورة السورية في مواجهة النظام، بذلك تبدو المعركة وكأنها تجري خارج سياق الصراع الداخلي السوري الأساسي، بين النظام وكل فصائل المعارضة. وهذا ما يفسر صمت المعارضة عما يجري في كوباني، ويفسر في الوقت ذاته صمت النظام، وكأن ما يجري لا يجري على أرض سورية، صرخ دائما بمعزوفة السيادة، لكنه اليوم أصابه الخرس.
تعامل الدول المتحالفة في مواجهة "داعش" لا يقل تعقيدا عن الوضع الداخلي السوري، فالولايات المتحدة التي تعتبر أن معركتها الرئيسية في سوريا هي مع تنظيم "داعش"، وبذلك فهي لم تستهدف ولن تستهدف قوات النظام السوري. في الوقت الذي تطالب الولايات المتحدة تركيا التدخل ضد "داعش" لمنع سقوط المدينة بيدها. لتركيا حليفة الولايات المتحدة حسابات أخرى، فهي تعتبر أن ما يجري في كوباني هو صراع بين إرهابيين فليس "داعش" وحده الإرهابي، بل قوات الحماية الشعبية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني هي إرهابية أيضاً، وبذلك لن تدخل تركيا معركة تنصر فيها إرهابي على إرهابي. لذلك فإن حصار كوباني من ثلاثة جهات، يكمله الحصار التركي من الجهة الرابعة، فهي ترفض إدخال أي سلاح أو مقاتلين إلى كوباني انطلاقاً من الأراضي التركية، والكرد غير قادرين على ادخالها من الأراضي السورية، بسبب حصار "داعش" للمدنية. عدم الثقة ليست من طرف تركيا فحسب، بل حتى الكرد أنفسهم، يشككون في النوايا التركية، وهم يطلبون الدعم من دون تدخل تركي، دعم طاهر سياسيا، فعندما طلب الأتراك من صالح مسلم زعيم الاتحاد الديمقراطي فك تحالفه مع النظام السوري، رفض ذلك، لأن فض التحالف مع النظام يُعرض المناطق الكردية إلى قصف النظام الجوي. لا ترى تركيا أن من المناسب الدخول في معركة مفتوحة مع "داعش"، تعرضها إلى تفجيرات محتملة من مقاتلي الدولة الاسلامية، التي ينضوي في اطارها ما لا يقل عن 1500 تركي، من أجل الدفاع عن أعدائها الذين يقاتلون في كوباني، إن صفقة شاملة بالعمل على محاربة "داعش" وسوية العمل على اسقاط النظام، وفرض منطقة عازلة لاستيعاب دفق اللاجئين المتزايد إلى الأراضي التركية، هو ما قد يجعل تركيا تجازف بدخول هذه المعركة، أي كجزء من معركة كبرى، تستهدف كل الإرهاب، إرهاب "داعش" وإرهاب النظام. إن معركة كوباني لا تغير شيئا لوحدها من وجهة النظر التركية. واليوم، تحاول تركيا أن تفرض كل ما دعت اليه طوال سنوات الصراع السوري، من دون أن يستمع أحد لها. كل هذا لن يجد آذانا صاغية عند الولايات المتحدة المتحكم الوحيد في التحالف، فهي لا ترى في سوريا أولوية، ولا تنكر الولايات المتحدة أولوية العراق، وبالتالي طرد "داعش" من العراق، واضعافه في سوريا. هذا كلام أميركي معلن وليس استنتاجا تحليليا. وبالتالي تهدف الولايات المتحدة في نهاية المطاف ترحيل "داعش" إلى سوريا، فهناك لا تشكل الخطر ذاته على المصالح الأميركية الذي تشكله في العراق.
لا تغير كوباني في معادلة الصراع في سوريا على مستوى الصراع مع النظام، لكنها معركة ذات طبيعة رمزية مهمة لكل من "داعش" والكرد، "داعش" لتأكيد ان التحالف والقصف الجوي لن يجعل أماكن سيطرتها تتقلص، لا في العراق ولا في سوريا، وهذا ما اقر المسؤولون الأميركيون به، والكرد بتأكيد وجودهم في معادلة الصراع الداخلي السوري، وتكريس المزيد من الاستقلالية للحالة الكردية في سوريا. وفي جميع الأحول تبقى كوباني مأساة إنسانية، أنتجها تعقيد الوضع السوري وتلاعب الأطراف الخارجية بالداخل السوري.