الرئيسة \  تقارير  \  كونسورتيوم نيوز : توماس فريدمان وأسطورة إسرائيل الليبرالية‏

كونسورتيوم نيوز : توماس فريدمان وأسطورة إسرائيل الليبرالية‏

27.12.2022
لورانس ديفيدسون

كونسورتيوم نيوز : توماس فريدمان وأسطورة إسرائيل الليبرالية‏
لورانس ديفيدسون – (كونسورتيوم نيوز)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاثنين 26/12/2022
‏يبدو توماس فريدمان غير قادر على فهم حقيقة أن العنصرية الكامنة في قلب الثقافة والسياسة الإسرائيليتين يجب أن تقوض أي دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك التي تؤثر على أبناء جلدته اليهود أنفسهم.‏
‏ما نراه الآن يُظهر علنًا وبوضوح كامل، كما كان حاله دائمًا، الثقافة والشخصية الحقيقيتين لإسرائيل الصهيونية –دولة مصمَّمة لمجموعة واحدة فقط، مبنية على غزو الآخرين وتجريدهم من ممتلكاتهم.
* *
تنخرط إسرائيل الآن في تشكيل حكومة يمينية عنصرية بشدة، تحت قيادة بنيامين نتنياهو عديم المبادئ.‏ وليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها إسرائيل حكومة بغيضة من هذا النوع ينتخبها الإسرائيليون.
في واقع الأمر، حدث في ثلاث مرات سابقة في تاريخهم القصير أن اختار الناخبون اليهود الإسرائيليون متعصبين ملتزمين أيديولوجيا (كانت لديهم في تلك الحالات جاذبية إضافية اكتسبوها من ماضيهم الإرهابي)، ليكونوا قادة لهم: إسحق شامير، وأرييل شارون، ومناحيم بيغن.‏
كما لم تكن تلك الأحكام التي أصدرها الناخبون استثناءات تتعارض بطريقة أو بأخرى مع الطابع القومي لإسرائيل. لقد كانت جميعها، كما هو حالها الآن أيضًا، نتائج منطقية لنظرة وطنية -ممثلة في أيديولوجية الدولة الصهيونية الإسرائيلية- كانت دائمًا عنصرية بشكل أساسي، والتي تصل في مناسبات متكررة مستويات محمومة من رد الفعل على المقاومة القانونية المشروعة لضحاياها الفلسطينيين.‏
ومع ذلك، غالبًا ما يتجاهل مؤيدو إسرائيل في الشتات هذه الحقائق التاريخية. ويشكل قيامهم بذلك شهادة على قوة الأسطورة التي تولدها الدعاية عن إسرائيل ليبرالية ديمقراطية -إسرائيل التي تجسد الصورة المثالية العليا التي يعرفها الكثيرون في قلوبهم، يمكن أن تكون، ويجب أن تكون، إسرائيل الحقيقية. وأحد هؤلاء الذين يبدو أنهم يخلطون المثالي بالواقعي هو توماس فريدمان، كاتب العمود في ‏‏صحيفة نيويورك تايمز‏‏، الذي كثيرًا ما يكتب عن إسرائيل.‏
في مقال له في الشهر الماضي بعنوان “‏‏إسرائيل التي عرفناها قد ولت”،‏‏ كتب فريدمان كما لو أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الوشيكة ستكون فريدة من نوعها: “تحالف صاخب من القادة الأرثوذكس المتطرفين والسياسيين القوميين المتطرفين، بما في ذلك بعض المتطرفين اليهود العنصريين الواضحين المناهضين للعرب الذين كانوا يُعتبرون ذات مرة خارجين تمامًا عن معايير وحدود السياسة الإسرائيلية”.‏
ويذكر فريدمان “إيتمار بن غفير، الذي أدانته محكمة إسرائيلية في العام 2007 بالتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية يهودية”، وكذلك “بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب ’الصهيونية الدينية‘، الذي دعا منذ فترة طويلة إلى ضم إسرائيل الصريح للضفة الغربية” ودافع عن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.‏
‏لا يعتقد فريدمان أن هذه الشخصيات، أو الأحزاب التي تقودها، تمثل إسرائيل التي يعرفها. ومع ذلك، فإن وجهات نظرهم وأهدافهم تختلف قليلاً عن نظرات وغايات شامير أو شارون أو بيغن.‏
‏المختلف، أو كما يقول فريدمان، “الخارج عن معايير وحدود السياسة الإسرائيلية”، هو الطيش العام المُحرج دبلوماسيًا الذي يتسم به أشخاص مثل بن غفير وسموتريتش، إلى جانب استعداد نتنياهو للتضحية بأسطورة إسرائيل الليبرالية نفسها من أجل الاحتفاظ بالسلطة. ‏
كل هذا يشكل صدمة لفريدمان ورؤيته المفضلة للدولة اليهودية. إنه يشكل “حقيقة لم يكن من الممكن تصورها من قبل”، فيها يأخذ نتنياهو إسرائيل إلى حيث لم “يذهب أي سياسي إسرائيلي من قبل”… إلخ. هكذا يخلص فريدمان إلى أن “إسرائيل التي عرفناها قد ولت”.‏
‏الفصل العنصري في إسرائيل هو الحقيقي‏
لإدراك مدى سطحية تحليل فريدمان، ضع في اعتبارك ما يلي: في العام 2021، أصدرت ثلاث منظمات حقوقية راسخة تتمتع بسمعة طيبة في النتائج الموثوقة، تقارير معلنة قائمة على الحقائق، والتي تظهر أن إسرائيل، في كل من الثقافة والسياسات الحكومية، هي دولة فصل عنصري ممارِسة. (تم إعلان الفصل العنصري، وهو “نظام مؤسسي يقوم على الفصل والتمييز على أساس العرق”، جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي). ‏
‏أصدرت “بتسيلم”، منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، تقريرها في كانون الثاني (يناير) 2021. وتبعتها “منظمة العفو الدولية” في شباط (فبراير)، و”هيومن رايتس ووتش” في نيسان (أبريل). وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2022، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا يصف سلوك إسرائيل في مناطقها المحتلة بأنه “استعمار استيطاني”.‏
ليس الفصل العنصري شيئًا استيقظ عليه اليهود الإسرائيليون ذات صباح. إنه خيارهم التاريخي في الحقيقة -وهو خيار يبدو أن توماس فريدمان لم يعطه الكثير من الانتباه.
وهكذا، عندما يقوم بوصف الوضع الحالي، فإنه لا يذكر أن هدف الصهيونية كان دائمًا الاستحواذ على كل فلسطين مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين المقيمين. ‏
‏بدلاً من ذلك، يشير إلى مجموعة منفصلة من الإسرائيليين “الذين يكرهون العرب دائمًا”، وإلى أن نموهم يأتي نتيجة لـ”تصاعد كبير في العنف –عمليات الطعن وإطلاق النار وحرب العصابات والجريمة المنظمة– الذي يمارسه عرب إسرائيل… ضد اليهود الإسرائيليين، وخاصة في المجتمعات المختلطة”.‏
بالنسبة لأتباع حزب الليكود اليميني، والأحزاب الدينية، وحركة المستوطنين، فإن هذا العنف لا يحدث لأن إسرائيل دولة فصل عنصري، وإنما لأن إسرائيل كانت، في نظرهم، ليبرالية للغاية تجاه الفلسطينيين. ‏‏والآن، حان الوقت لإنهاء هذا التوجه المتسامح المزعوم. وكان أحد أكثر الشعارات نجاحًا في حملة نتنياهو السياسية هو: “انتهى. لقد نلنا ما يكفي”.‏
العنصرية تقوض كل الدوافع الإنسانية‏
أخيراً، أثار نجاح نتنياهو في تعبئة جناح يميني متعدد الأوجه الذي كان دائمًا نشطًا، إن لم يكن موحَّدًا سياسيًا، مخاوف توماس فريدمان. إنه منزعج من أن إسرائيل أصبحت في قبضة حمى “قومية متطرفة عامة”.‏
يقتبس فريدمان موشيه هالبرتال، الفيلسوف اليهودي في الجامعة العبرية، وينقل عنه قوله: “إن ما نراه هو تحول في اليمين المتشدد من هوية سياسية مبنية على التركيز على ’العدو الخارجي‘ -الفلسطينيين- إلى التركيز على ’العدو في الداخل‘ -عرب إسرائيل”.‏
يعتمد تحليل هالبرتال على قسمة خاطئة. لم تقم الصهيونية أبدًا باعتماد تمييز جدي بين فلسطينيي داخل وفلسطينيي خارج. إنهم جميعهم، بالنسبة للعديد من الصهاينة، عرب يجب الضغط عليهم للهجرة إلى الأراضي العربية المجاورة.
وقد جعلت الصهيونية هذا الموقف حتميًا من خلال إقامة مجتمع توسعي تمييزي يحدده الدين في تقاطُع مع العرق. ‏
‏الآن، يبدو البحث عن حلول وسط وتسويات تستند إلى “عملية السلام”، أو “حل الدولتين”، حيلًا متواصلة طويلة الأمد في الثقة، نجحت في صرف انتباه العالم عن هدف إسرائيل الحقيقي.
عندما يتعلق الأمر بـ”إسرائيل التاريخية”، فإن برنامجًا للاحتلال والاستيطان إلى أقصى حد كان دائمًا هو النتيجة الوحيدة المقبولة لأولئك الصهاينة الذين في السلطة.‏
هناك طريقة أخرى تخيف بها الظروف الحالية فريدمان. إنه يخبرنا بأن “ائتلاف نتنياهو هاجم أيضًا المؤسسات المستقلة الحيوية التي تدعم الديمقراطية في إسرائيل، والمسؤولة، من بين أمور أخرى، عن حماية حقوق الأقليات”. ‏
يجب ضبط وتأديب مؤسسات مثل نظام المحاكم الدنيا ووسائل الإعلام والمحكمة العليا من خلال “وضعها تحت السيطرة السياسية لليمين”.‏
ومع ذلك، فإن هذا الجهد للسيطرة على المؤسسات الاجتماعية لا يتعلق بالفلسطينيين في المقام الأول. إنه يعكس كراهية الجناح اليميني (تمامًا كما هو الحال في الولايات المتحدة، يبدو أن الكراهية هي الكلمة المناسبة لوصف العاطفة) لمواقف صهاينة اليسار والوسط بشأن الأسئلة التي تؤثر على اليهود الإسرائيليين: من هو اليهودي؟ “حقوق الأقليات” للأزواج من نفس الجنس، الأشخاص المثليين، قضايا المرأة، والإصلاح اليهودي، وما شابه.‏
يبدو فريدمان غير قادر على فهم حقيقة أن العنصرية الكامنة في قلب الثقافة والسياسة الإسرائيليتين يجب أن تقوض أي دوافع إنسانية داخل ذلك المجتمع، حتى تلك التي تؤثر على أبناء جلدته اليهود أنفسهم.‏
أخيرًا، يشعر فريدمان بالقلق “بشأن مستقبل اليهودية في إسرائيل” وقد يكون قلقًا حقًا. بالعودة إلى هالبرتال، يلاحظ فريدمان أن “التوراة ترمز إلى المساواة بين جميع الناس وفكرة أننا جميعًا مخلوقون على صورة الله. ويحتاج الإسرائيليون من جميع الأماكن إلى احترام حقوق الأقليات لأننا، كيهود، نعرف ما يعنيه أن تكون أقلية. هذا جزء من الروح اليهودية العميقة”.‏
‏وإذن، لماذا يظل هذا الجوهر من التعاليم اليهودية ضعيفًا جدًا داخل إسرائيل الصهيونية؟ لا فريدمان ولا هالبرتال يدركان السبب الجذري –الطبيعة العنصرية تاريخيًا، بل سمة الأبارتايد الأساسية لإسرائيل الصهيونية. إنهما لا يفهمان ذلك لأنها أعمتهما أسطورة إسرائيل الليبرالية، التي يفترَض أنها الآن في خطر بسبب مقاومة الفلسطينيين. ‏
وينقل فريدمان عن هالبرتال شكواه: “عندما تكون لديك هذه التهديدات الأمنية العميقة في الشارع كل يوم، يصبح من الأسهل كثيرًا على هذه الأيديولوجيات القبيحة أن ترسخ نفسها”.‏
إن تأكيد فريدمان على أن “إسرائيل التي عرفناها قد ولت” هو وهم كبير. في جزء كبير منها، لم تكن إسرائيله هذه موجودة في أي يوم من الأيام. كانت هناك بالتأكيد، وما تزال في الوقت الحالي، واجهة خادعة لديمقراطية زائفة -شيء يشبه “الديمقراطية” في ألاباما الأميركية في الخمسينيات.
لكن الأمور تتطور الآن وتذهب أبعد على طرق الفاشية. وقد أعلن بتسلئيل سموتريتش، أحد غيلان فريدمان المرعبين، أن حقوق الإنسان والمؤسسات التي تدعم هذه الحقوق تشكل “تهديدات وجودية” لإسرائيل. وسوف يوافق معظم الصهاينة على هذا التأكيد، على الأقل لأنه يشير إلى الفلسطينيين، ولأنه يناسب تاريخيًا الحساسيات الإسرائيلية. ‏
‏بعد كل شيء، كان الاحتلال مستمرًا بكل مجده غير الأخلاقي على مدى نصف قرن من دون اعتراض كبير من معظم اليهود الإسرائيليين ومؤيديهم في الشتات.‏
إن ما نراه الآن يظهر علنًا هو، وكان دائمًا، الثقافة والشخصية الحقيقيتين لإسرائيل الصهيونية –دولة مصمَّمة لمجموعة واحدة فقط، ومبنية على غزو الآخرين وتجريدهم من ممتلكاتهم. وسيكون إنكار ذلك إنكارًا لتاريخ ومنطق الأيديولوجية الصهيونية. ‏
‏والتكلفة؟ لا ينبغي فهم التكلفة من حيث الحقوق الفلسطينية فحسب، ولكن أيضًا من حيث جوهر اليهودية، وكلاهما يتم تدميرهما الآن في وقت واحد. كل هذا يجب أن يبقي توماس فريدمان، وغيره من محبي أسطورة إسرائيل الليبرالية، مستيقظين في الليل مع كوابيس متكررة لا تتوقف.‏
*لورانس ديفيدسون Lawrence Davidson: أستاذ التاريخ الفخري في جامعة ويست تشيستر في ولاية بنسلفانيا. ينشر تحليلاته لمواضيع في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، والقانون الدولي والإنساني، والممارسات والسياسات الإسرائيلية – الصهيونية منذ العام 2010.‏