الرئيسة \  تقارير  \  كونسورتيوم نيوز : عرفات، نصر الله، وناصر.. ثلاثة خطابات عن إسرائيل

كونسورتيوم نيوز : عرفات، نصر الله، وناصر.. ثلاثة خطابات عن إسرائيل

15.02.2022
أسعد أبو خليل


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أسعد أبو خليل* – (كونسورتيوم نيوز) 1/2/2022
الغد الاردنية
الاثنين 14/2/2022        
سيطر خطاب الصراع العربي الإسرائيلي على السياسة العربية في معظم الفترة من العام 1948 وحتى العام 1990، عندما قام نظام صدام حسين العراقي بغزو الكويت. ومنذ ذلك الحين، تعاونت الأنظمة الأميركية وبعض أنظمة المنطقة على إنهاء المركزية الخطابية للقضية الفلسطينية في السياسة العربية -على الرغم من أنها ظلت مركزية بالنسبة للرأي العام العربي. ولا تمكن المقارنة بين جمال عبد الناصر وياسر عرفات وحسن نصر الله من نواحٍ كثيرة. لكن كل واحد منهم، في الحقبة التي شكلها، هيمن على الموقف العربي تجاه إسرائيل.
* * *
قد يبدو من الغريب مقارنة هؤلاء القادة السياسيين العرب الثلاثة الذين كان لهم تأثير كبير على السياسة العربية وعلى الصراع العربي الإسرائيلي. ولا يبدو من العدل مقارنة هؤلاء الثلاثة معًا لأنهم كانوا يتمتعون بقدرات ومهارات مختلفة، ويعملون في بيئات سياسية مختلفة جذريًا.
ثمة قائد فلسطيني واحد فقط من بين القادة الثلاثة، والذي يفتقر إلى المهارات الكاريزمية والخطابية التي يتمتع بها الآخران. لكن المقارنة ستكون مبررة بحكم هيمنة هؤلاء القادة الثلاثة -كل منهم في حقبة قام بتشكيلها- على صياغة الموقف العربي تجاه إسرائيل.
سيطر خطاب الصراع العربي الإسرائيلي على السياسة العربية في معظم الفترة من العام 1948 وحتى العام 1990، عندما قام نظام صدام حسين العراقي بغزو الكويت. ومنذ ذلك الحين، تعاونت الأنظمة الأميركية وبعض أنظمة المنطقة على إنهاء المركزية الخطابية للقضية الفلسطينية في السياسة العربية -على الرغم من أنها ظلت مركزية بالنسبة للرأي العام العربي.
ابتكرت الحكومة الأميركية مسرحية مدريد (عندما تم تمثيل الحكومات العربية في اجتماع مباشر مع القادة الإسرائيليين) من أجل تسهيل إبرام صفقات سلام منفصلة مع إسرائيل وتجاهل القضية الفلسطينية جملة وتفصيلاً.
* * *
عرفات
انضم ياسر عرفات من دون حصافة إلى تلك المسرحية وشعر في نهاية المطاف بأنه تعرض للخيانة من حكومة الولايات المتحدة. ولكن، بدلاً من تكثيف النضال الفلسطيني من أجل التحرير والاستقلال، فتح عرفات قنوات سرية للمفاوضات مع إسرائيل، والتي أدت في النهاية إلى عملية أوسلو. وقد قتلت تلك العملية في الواقع الشكل العسكري المنظم لحركة التحرير الفلسطينية. وأصرت الولايات المتحدة على أن يقوم عرفات بتغيير وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني حتى يستوعب وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.
كان عرفات مختلفاً تماماً عن نصر الله وناصر. كان الأخيران خطيبين عظيمين يتمتعان بتأثير قوي على مستمعيهما -سواء كان ذلك في التجمعات أو في الجمهور الأكبر للإذاعة والتلفزيون. وكان عرفات شخصية تحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين. وعلى الرغم من عقود أوسلو واستياء الفلسطينيين الكبير من عواقب وتداعيات “عملية السلام”، ما يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين أبناء شعبه، ويشكل رمزًا لما كان في السابق -ما سُمي خطأ- الثورة الفلسطينية.
في الواقع، كان عرفات بمثابة ثورة مضادة داخل الثورة الفلسطينية. وأكد عرفات أن الاتجاهات الثورية بين الفلسطينيين (ممثلة بجورج حبش ورفاقه) لن يُسمح لها بأن تسود.
كان أنصار عرفات ينظرون إليه على أنه شخصية كاريزمية، وكان يعرف كيف يحشد الجماهير. لكن إتقانه اللغة العربية كان سيئاً ولم يكن قادراً على قراءة نص من دون ارتكاب العديد من الأخطاء، حتى عندما تكون علامات التشكيل موضوعة فوق الحروف -مثلما فعل في خطابه التاريخي في الأمم المتحدة في العام 1974.
كان لديه صوت مسرحي جيد للغاية، وكان يستخدمه بشكل كبير. لم يكن لديه مضمون أو أسلوب خاص في الخطابة: كان ببساطة يصرخ بكلمات أو تعبيرات معينة، مثل “وإنها لثورة حتى النصر” أو “جبل النار” أو “شهداء بالملايين”، إلخ. وكانت هذه التعبيرات بالكاد أدبية أو شاعرية، لكنها أثارت الحشود. وعلى عكس ناصر ونصر الله، كانت لعرفات -مثل أنور السادات- سمات تهريجية في طريقة خطابته وعروضه المسرحية.
لم يكن خطاب عرفات تجاه إسرائيل مصوغاً بعناية. وناوب بين الكلمات والأفكار المعتدلة عندما يتحدث باللغة الإنجليزية والخطابة القوية عندما يتحدث بالعربية. وكان بالتأكيد أكثر صدقًا في أحاديثه بالإنجليزية، لكنه كان يعلم أن شعبيته تتطلب منه التمسك بالرسالة العربية من أجل ترسيخ قاعدة دعمه. لم يدرس إسرائيل أو جيشها ولم يختر سوى محمود عباس ليكون أقرب مستشاريه في الشؤون الإسرائيلية.
لم يكن عرفات أبدًا جادًا بشأن الخيار العسكري أيضًا: افتتح فقط معسكرات تدريب عسكرية انتهى بها المطاف في لبنان، من دون أن يدرس مرة واحدة ما سيترتب على الخيار العسكري ضد إسرائيل. وكان يتم اختيار كوادره العسكرية وترقيتهم على أساس الولاء والتبعية أكثر منه على أساس الكفاءة والمؤهلات.
* * *
ناصر
كان جمال عبد الناصر وحسن نصر الله أكثر جدية. وشكل ناصر ظاهرة لم يعرف لها العالم العربي مثيلاً ربما منذ انتصار صلاح الدين ضد الصليبيين. وقد امتدت شعبية ناصر إلى ما هو أبعد كثيراً من العالم العربي، وظهرت صوره في طهران بعد الثورة (كانت محظورة في عهد الشاه) وشوهدت في ميدان التحرير في القاهرة خلال انتفاضة العام 2011.
عندما كنت طفلاً، عشت تحت تأثير سحر عبد الناصر ولا يمكنني مقارنة تأثيرات الكاريزما التي تميز بها بأي زعيم آخر قبله أو بعده. كانت تصريحاته تُتابَع عن كثب في العواصم الغربية وفي البيوت العربية على حد سواء. وأثارت خطبه العرب في جميع أنحاء المنطقة، حتى في البلدان التي يديرها أعداؤه.
لم يكن ناصر مندفعًا مثل عرفات، وقد درس بعناية -مثل نصر الله- كلماته عن إسرائيل. تجنب الإشارات المعادية لليهود وتحدث عن مخاطر الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. (بحث الصهاينة الأميركيون عبثًا عن دليل على معاداة السامية في خطاباته، ولم يتمكنوا من العثور إلا على جملة واحدة قالها في مقابلة مع صحفي هندي. ونشر شقيقه شوقي بروتوكولات حكماء صهيون سيئة السمعة).
على عكس صورة عبد الناصر في بعض وسائل الإعلام العربية (حتى يومنا هذا، بعد أكثر من 50 عامًا على وفاته، ما تزال وسائل الإعلام التابعة لبعض الأنظمة تنشر هجمات شرسة على ناصر لأنها لم تسامحه أبدًا على تشويهه لسمعة هذه الأنظمة قبل العام 1967)، لم يكن ناصر انفجارياً أو مبالِغاً سياسياً في خطبه عن فلسطين -حتى أنه اعترف في أيار (مايو) 1965 بأنه غير قادر على محاربة إسرائيل. كان يبني قواته المسلحة بعناية، لكنه للأسف أسند المهمة إلى صديقه المقرب، عبد الحكيم عامر، الذي كان غير كفء وحول الجيش إلى ميليشيا خاصة به.
* * *
نصر الله
يختلف حسن نصر الله كثيراً عن عرفات وعن ناصر. وهو يتمتع بإتقان فائق للغة العربية ولديه أسلوبه الخاص في التحدث. وفي حين أن قيادته لم تصل إلى مستوى عبد الناصر على المستوى العربي، فإنه استطاع أن يحقق شعبية كبيرة بين العرب والمسلمين بعد تحرير جنوب لبنان في العام 2000 وبعد الانتصار على إسرائيل في حرب تموز (يوليو) في العام 2006. لكنّ شعبيته عانت كثيراً في العقد الماضي بسبب الحملات الطائفية الصارخة التي شُنت ضده، وجزئيًا بسبب سلوك وخطاب حزبه، حزب الله، في سورية ولبنان.
درس نصر الله إسرائيل بعناية شديدة وبنى في مواجهتها الجيش الأكثر فاعلية على الإطلاق. ودائماً ما تكون كلماته عن إسرائيل مصوغة بعناية شديدة، وهو ينخرط في حرب نفسية ضد العدو، بينما كان عرفات موضع سخرية للقادة الإسرائيليين. كانت تهديدات عرفات أكبر بكثير من قدراته العسكرية، في حين أن تهديدات نصر الله في الحقيقة أكثر تواضعاً مقارنة بالقدرات التي تحت يديه.
كما غير نصر الله أيضاً من خطاب حزب الله. في سنواته الأولى تحت قيادة صبحي الطُفيلي، لم يكن الحزب يحجم عن استخدام الخطاب الطائفي البغيض والخطاب المعادي لليهود. وفي المقابل، تبنى الحزب في عهد نصر الله رسميًا وثيقة سياسية في العام 2009 أعلن فيها الحزب صراحةً أن عداوته موجهة نحو إسرائيل الصهيونية وليس ضد اليهود لمجرد كونهم يهودًا.
كان هذا أمراً غير مسبوق بالنسبة لأي حزب إسلامي في الشرق الأوسط. ولم يقم نصر الله بتشكيل حركة مقاومة فعالة لم يُشهد لها مثيل في المنطقة فحسب، وإنما أنشأ أيضًا شبكة قتالية تنتج قوات مدربة لمحاربة إسرائيل وحلفائها. ومن المذهل حقًا أن تكون هذه الحركة اللبنانية قد حققت نتائج استعصت على جميع فصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان (كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان من العام 1975 حتى العام 1982، عندما وافق عرفات على إخراج قوات ومكاتب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان -وكان ذلك نهاية الثورة الفلسطينية).
كان كل من ناصر ونصر الله مخلصين في مواقفهما المعلنة تجاه إسرائيل -بغض النظر عما إذا كان المرء يتفق أو يختلف مع تلك المواقف. وفي المقابل، لم يكن عرفات جاداً أو صادقاً في تصريحاته، وكان يغير هذا المواقف بينما يتنقل بين المقابلات واللغات. كان نصر الله وناصر من بين الثلاثة أكبر التهديدات التي تتوجه إلى الاحتلال والعدوان الإسرائيليين، بينما كبح عرفات الحركة الوطنية الفلسطينية وقيّدها لأنه كان يهدف إلى السلام، وليس الحرب، مع إسرائيل.
 
*أسعد أبو خليل: أستاذ لبناني أميركي للعلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا ستانيسلاوس. من مؤلفاته “معجم تاريخي للبنان” (1998)، و”بن لادن، الإسلام وحرب أميركا الجديدة على الإرهاب” (2002). الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء المؤلف فقط وقد تعكس بالضرورة آراء هذه الصحيفة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: THE ANGRY ARAB: Arafat, Nasrallah & Nasser
ala.zeineh@alghad.jo