الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيمياء سورية بين أميركا وروسيا

كيمياء سورية بين أميركا وروسيا

11.08.2015
علي بردى



النهار
الاثنين 10/8/2015
يشكل القرار 2235 الذي اتخذه مجلس الأمن أخيراً علامة فارقة في سياق الحرب السورية. يعكس وجود كيمياء جديدة بين أميركا وروسيا. ثمة تفاهم بينهما على مقاربة جديدة لهذه الأزمة. لن يكون عابراً تحديد الجهات المسؤولة عن استخدام غاز الكلور وغيره من المواد الكيميائية سلاحاً في سوريا. يؤسس للمساءلة والمحاسبة. بيد أن الأهم أنه يفتح نافذة لتسوية سياسية على هذا الأساس.
تروي المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور أنها لم تر عيناً لم تدمع وقت استمع أعضاء مجلس الأمن الى شهادات بعض ضحايا الهجمات بغاز الكلور وغيره من السموم في سياق الحرب السورية. تقاسمت مع نظيرها الروسي فيتالي تشوركين مبدأ مراعاة المصالح المشتركة وما بات يسميه البعض الإلتزامات الأخلاقية المشتركة حيال ما يحصل في سوريا. لو كان هذا العالم منصفاً لكانت البراميل المتفجرة وحفلات القتل الجماعي أبكتهم أيضاً. بلغ العنف حداً يفوق التصور والإحتمال حتى عند الذين احترفوا ذرف دموع التماسيح. لا يضاهي هذه الوحشية ويفوقها سوى ما تقترفه الجماعات الإرهابية. كانت حجة المدافعين عن النظام أن الإرهاب هو مرض سوريا. تسلحوا بمنطق أن الإرهاب سرطان يوجب العلاج الكيميائي. يدعي البعثيون علماً في معالجة الأمراض المستعصية في هذا العالم العربي الحزين. هذا بذاته مبك.
على أهميته البالغة، لم يكن كافياً القرار 2118 لعام 2013. إنما خلّص الرئيس السوري بشار الأسد نفسه حين وافق على تخليص سوريا من 1180 طناً من الترسانة الكيميائية المعلنة. لا أحد يدرك هذه الحقيقة مثل سيغريد كاغ (رئيسة البعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية آنذاك) التي قادت هذه المهمة بنجاح مشهود. غير أن هذا النجاح لم يضع حداً لاستخدام المواد الكيميائية البسيطة الأخرى، والمتوافرة تجارياً للإستعمال المنزلي، سلاحاً كيميائياً فتاكاً في سياق الحرب السورية.
يتعدى القرار 2235 حسم هذه الإدعاءات. هناك من يعتقد أن بعده السياسي الممكن أهم من ظاهره الكيميائي. فالمأزق الذي وصلت اليه الأزمة السورية دفع الأميركيين والروس الى البحث عن مقاربة جديدة. لا يمكن الضحايا من القتلى والجرحى والمحاصرين واللاجئين والنازحين أن يبقوا مجرد أرقام. لا طرف قادر على حسم هذا الصراع لمصلحته. تتفق واشنطن وموسكو على أن الأولوية المطلقة تبقى لمكافحة الخلايا الإرهابية. لكن التساؤل الأهم يتعلق بما إذا كان بينهما تفاهم على أن الرئيس بشار الأسد ليس هو الشخص المناسب لمواجهة هذا الخطر الإستراتيجي. لا منفعة من الجدل على كونه جزءاً من المشكلة.
تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من التوصل الى تفاهم لا سابق له يمكن أن يشكل نافذة الى توافق على حل سياسي. يحتاج الأمر الى أشهر، بل سنوات، بغية إخراج سوريا من النفق المظلم. الأيادي الملطخة لا تصنع تسوية مقبولة وبلداً سوياً. هذه هي المقاربة الجديدة وهذه هي البداية.