الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيميائي متكرّر في سوريا: هل يتدخل العالم؟

كيميائي متكرّر في سوريا: هل يتدخل العالم؟

09.04.2013
فادي شامية

مختارات من الثورة السورية
الثلاثاء 9/4/2013
للمرة الثالثة يستخدم النظام السوري السلاح الكيميائي على نطاق محدود في المعارك الدائرة في سوريا. المرة الأولى كانت في معارك بابا عمرو، فيما سجل الشهر الماضي استخدامين للسلاح الكيميائي؛ مرة في خان العسل في حلب، ومرة في العتيبة في ريف دمشق.
ويعتبر استخدام السلاح الكيميائي بحد ذاته، منعطفاً جديداً في الأوضاع السورية، ليس فقط لما تحمله هذه الأسلحة من خطورة فتاكة على الصعيد الإنساني أو العسكري، وإنما لما تحمله من أهمية مفصلية بالنسبة للعالم كله، حتى انه يمكن القول إن المخزون الكيميائي في سوريا يعادل أو يفوق أهميةً المخزون النفطي لأي بلد آخر.
وعلى هذا الأساس فإن المخزون الكيميائي السوري موضوع دولياً تحت مجهر كبير، وأية مؤشرات لانفلات هذا السلاح سواء بإرادة النظام (تسليم كميات من هذا السلاح إلى جماعات موالية)، أو رغماً عنه (استيلاء جماعات معارضة على كميات منه)، فضلاً عن استعماله من قبل النظام، سيدفع العالم إلى التخلي عن “سياسة المراقبة والتوجيه”، وأخذ قرار التدخل العسكري فوراً.
في هذا الموضوع الأمر لا يتعلق بالسوريين فقط وإن كان يصعب على العالم أن يتحمل فضيحة تخاذل تودي بحياة مئات آلاف السوريين بسلاح فتك شامل، وإنما يتعلق بأمن الدول الكبرى والأهم أمن إسرائيل لأن وصول هذا السلاح إلى “الأيدي الخطأ” وفق التعبير الغربي، مكلف أكثر بكثير من أي تدخل عسكري يتفاداه الغرب راهناً في سوريا.
والواقع أن سلوكيات الأسد تشي بأنه لن يتورع عن فعل أي شيء مهما كان حقيراً لإنقاذ نفسه وجماعته من نهايتهم، وهذه القناعة باتت راسخة ليس لدى معارضيه السوريين فحسب، وإنما لدى دوائر القرار في العالم كله. من هذا المنطلق جاءت المواقف الغربية بعد توارد الأنباء عن استخدام مواد كيميائية في حلب، لتوجه للنظام ثلاث رسائل:
التبرير المسبق لاستخدام السلاح الكيميائي بزعم أن الثوار استخدموه أمر غير متساهل به.
الاستخدام الفعلي لهذا السلاح يرتب نتائج وخيمة وفورية.
المسؤولية عن تخزين وحفظ هذا السلاح تقع على عاتق النظام وحده، وأي انفلات للسلاح الكيميائي أو انتقاله يتحمل مسؤوليته بشار الأسد نفسه.
في المقابل، تبدو محاولات النظام حثيثة لإدخال السلاح الكيميائي إلى المعادلة العسكرية لأن الوقائع تشير إلى محاولات في هذا الاتجاه، وبات ثابتاً اليوم أن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية في الشهر الحادي عشر من العام 2011 خلال اقتحام الجيش السوري حي بابا عمرو في حمص.
كما نشرت “نيويورك تايمز” في الأسبوع الأول من العام الجاري معلومات نقلاً عن مصادر استخبارية أميركية، أنها لاحظت في شهر تشرين الثاني الماضي حركة شاحنات رصدتها الأقمار الاصطناعية، يعتقد أنها تنقل غاز السارين إلى موقعين عسكريين حيث تم وضعه في قنابل ضخمة تقذفها الطائرات.
في 9/12/2012 كشفت مصادر مطلعة لـCNN أن لدى المخابرات الأميركية معلومات مؤكدة عن استخدام غاز السارين في القصف الجوي على المدن السورية، وأن الجيش الأميركي وضع مخططات عسكرية للتدخل في حال استخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع أو انفلات السيطرة على هذه الأسلحة.
وفي 17/1/2013 حذر الوزير الاسرائيلي سيلفان شالوم أن سلاح الجو الإسرائيلي سيتدخل في حال وجود أدلة على “تراخي قبضة سوريا على أسلحتها الكيميائية”، وفي ترجمة عملية لهذا التحذير شنت الطائرات الإسرائيلية في 30/1/2013 غارة مزدوجة على منشأة كيميائية سورية وعلى شحنة أسلحة قيل إنها كانت تتجه إلى “حزب الله”.
وعلى أساس المعطيات السابقة كلها، تقرر الشهر الماضي توجيه فريق دولي إلى حلب وريف دمشق للنظر في أدلة ونطاق والجهة المسؤولة عن استخدام السلاح الكيميائي في المعارك، لكن النظام على جري عادته، أخّر عمل الفريق برسالة وجهها إلى الأمم المتحدة بأنه “لن يتم نشر المفتشين حتى يكون هناك اتفاق بشأن الدخول والترتيبات الأخرى”، وفي رسائل تبادلها سفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري ورئيسة مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع الأسلحة أنجيلا كين، فقد طلب الجعفري إدخال تعديلات على “المعايير القانونية والخاصة بالإمداد والتموين.. لأن المفتشين لا يحتاجون إلا إلى دخول محدود لمناطق لها علاقة بحادث حلب”، علماً أن النظام السوري نفسه هو من طالب بتحقيق دولي بعد اتهامه معارضيه باستخدام مواد كيميائية في حلب!.
وعلى الرغم مما سبق كله، إلا أن المخاوف من استخدام سلاح كيميائي على نطاق واسع، في دقائق اليأس الأخيرة تتصاعد باستمرار، خصوصاً مع استمرار الحديث عن رصد واعتراض شحنات منقولة لهذه المواد الخطرة كان آخرها قبل أيام في دمشق وريفها، حيث أصدرت إدارة الإعلام في “الجيش الحر” بياناً يتحدث عن “السيطرة على الشحنتين وتخزينهما في مواقع آمنة وتحت رقابة مشددة”، وقد توجه البيان بنداء للأمم المتحدة “لضرورة التنسيق الفوري مع القيادة للتعاون لمنع حدوث أي كوارث وتحسين مواقع التخزين لهذه الكميات المصادرة”.
المعلومات تشير إلى وجود قرار غربي على مستوى أكثر من دولة في حلف الناتو بأن التدخل في سوريا سيكون فورياً في حال انفلات قبضة النظام عن السلاح الكيميائي أو استخدامه، وأن مجموعات كومندوس باتت جاهزة للتدخل من أجل تأمين هذه المنشآت، فهل يستعجل النظام نهايته؟ وهل يتدخل العالم وفق حساباته الخاصة ليوقف جريمة كبرى بحق الإنسانية في القرن الحادي والعشرين؟.